الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تنمية بيئة الأعمال الصناعية هي أحد محاور التمكين التي ترتكز عليها الاستراتيجية الوطنية للصناعة، ولهذا المحور ممكنات داعمة لتحقيق أهدافه من أهمها دعم المشروعات الصناعية الصغيرة والمتوسطة. ويأتي دور هذا الممكن في تنمية بيئة الأعمال الصناعية عبر تمكين ثقافة ريادة الأعمال وتقديم تحفيز وبرامج للشركات الصغيرة والمتوسطة والناشئة لتطوير أعمال صناعية جديدة. ومن ضمن المبادرات التي أطلقتها وزارة الصناعة والثروة المعدنية في سياق دعم تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة مبادرة ذات علاقة أصيلة بهذا الممكن وهي مبادرة مسرعة وحاضنة الأعمال الصناعية. وتهدف هذه المبادرة لدعم أصحاب المشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة من خلال التوجيه والتدريب ودعم التسويق والتمويل والمنح حسب اختصاص الحاضنة والمسرع، وبناء جسور علاقة مع المستثمرين والخبراء الفنيين والشركات الناشئة.
نعم هذه المبادرة والهدف المرسوم خطوة مقدرة ومشكورة في الاتجاه الصحيح لدعم الشركات الصناعية الناشئة، ولكن لابد أن تتبعها ألف خطوة مبتكرة وسريعة في نفس الاتجاه لأن السر الكامن في تطور أي اقتصاد في بيئة التنافس العالمية اليوم يرتكز على الصناعة كخيار أساسي وأولي، ولا تتطور أي دولة صناعية إلا من خلال نمو الشركات الصناعية الصغيرة والمتوسطة.
إذًا ما الذي ينبغي فعله لتحريك القلب النابض والفياض للشركات الصناعية الناشئة والتي تصنع التنمية الصناعية ( المعجزة)؟. دعونا نتأمل مثلا فكرة ( التشاييول ) الكورية التي ولدت في عقد الستينيات من مبدأ الشراكة بين الدولة والشركات العائلية الكبيرة مثل هيونداي و إل جي وسامسونج، وعلى مفهموم عميق يؤمن بأن قوة الدولة من قوة الشركات الصناعية. هذه الفكرة تطورت مع الوقت وتحولت من شراكة مع العائلات الصناعية الكبيرة فقط إلى دعم مطلق للشركات الصغيرة والناشئة بعد أن حقق البرنامج أهدافه بنجاح نمو الشركات الكبرى التي قامت بدورها بمنح أعمال توريد للشركات الناشئة التي تطورت هي الأخرى من خلال سلاسل الإمداد وأصبحت شركات عملاقة ترفد الصناعة قلب اقتصاد كوريا الجنوبية النابض.
الفكرة في مفهومها في تلك الحقبة كانت رائعة وفي ذات الوقت حتمية على الكوريين باعتبار ثقافتهم وتركيب المجتمع الكوري وطبيعة فكر المستثمرين الصناعيين في كوريا الجنوبية خلال الستينات والسبعينات وحتى منتصف الثمانينيات.
لو أخذنا بفكرة التشايبول بنسختها الكورية افتراضا في المملكة دون تحسين أو تعديل عليها فلن تتمخض عن نهضة صناعية على الطريقة الكورية الجنوبية، بل ستصنع ثروة بانتهاز البعض البرنامج دون أن تولد اقتصادا مستداما يحوز على التقنية ويوطنها لاختلاف المفاهيم بين ثقافتي الاستثمار الصناعي في المملكة وكوريا الجنوبية . الخلل ليس في فلسفة البرنامج ولا في العلاقة بين القطاع الخاص والقطاع العام في بلادنا ، بل في نظرة المستثمر المحلي للصناعة ليس إلا.
في التشايبول الكوري أصحاب الشركات الصناعية لم يكونوا ينظرون للصناعة كفرصة تجارية مؤقتة يمكن التخارج منها بثروة سريعة، بل كانوا يرونها ويعتقدونها ويعيشونها كمهنة لا ينثنون عنها مهما كانت المغريات. وهذه هي القاعدة الصلبة والأساس للصناعة الكورية، بل أن هذا الشغف الصناعي هو سر نهضة كوريا الاقتصادية اليوم. ما ينبغي إدراكه أن نعلم أن كل رجل أعمال لا يمكن أن يتحول لرجل صناعة بمجرد استثماره في الصناعة ، فلا يمكن لرجل العقار مثلاً أن يتحول لرجل صناعة لمجرد استثماره في مشروع صناعي، وعلى العكس فكل رجل صناعة هو رجل أعمال. إن فكرة تمهين الصناعة لرواد الأعمال الناشئين من خلال بناء شراكة بين الدولة ومطوري الأعمال الشباب وخلق كيانات مشتركة ستصنع جيل صناعي جديد لديه عقيدة صناعية على طريقة وطنية محسنة من التشايبول الكوري.
رواد الاعمال الصناعيين السعوديين يتواجهون غالباً مع العقبة الأكبر وهي التمويل، وعدم قدرتهم على تقديم الضمانات اللازمة للحصول عليه، فإذا حلت هذه المعضلة من خلال شراكتهم مع الدولة وتحت إشراف مؤسساتها، فسوف يتخلق جيل صناعي جديد يثبت أن الصناعة هي خيارنا الاقتصادي الاستراتيجي الناجح والأكثر تأثيرا في تنمية الاقتصاد الوطني ، ولا يراها مجرد فرصة ينتظر التخارج منها بأعظم ربح وأسرع وقت.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال