الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بعد قرار تعديل نظام الشركات عام 2022 الذي رفع نسبة حقّ المساهمين في طلب الدعوة لعقد الجمعيّة العامّة من 5% إلى 10%، ذلك الحقّ الذي يلجأ إليه أقلّيّة المساهمين عبر إدراج بند عزل أعضاء مجلس الإدارة للتصويت، أظنّ أنّنا سنرى زخمًا لممارسة حقّ التفتيش الذي يمكن لأيّ مساهم ممارسته ما دام يملك 5% من رأس مال الشركة. سيقارن هذا المقال إجراءات حقّ المساهم بالتفتيش بين نظام الشركات في ولاية ديلاوير ونظام الشركات السعوديّ منذ عام 2022 مع بعض التساؤلات والمقترحات، ويخلص المقال إلى ضبابيّة تطبيق هذا الإجراء لدينا، نتيجة ضبابيّة نصوص نظام الشركات واللائحة التنفيذية وعدم تصدي المحاكم التجاريّة لها بالشكل المطلوب، ولا ننسى الدور الكبير لوزارة العدل في تفعيل نشر الأحكام عبر البوّابة القضائيّة العلميّة، ولكن نحتاج أن نرى فعاليّة أكبر في نشرها للأحكام.
يشكّل حقّ المساهم في فحص سجلّات الشركة جانبًا بالغ الأهمّيّة من حوكمة الشركة، وجدوى اقتصاديّة في رفع قيمة الشركات التي تتبع حوكمة سليمة، وضمانة في رفع الشفافيّة والمساءلة داخل الشركة. حقُّ المساهم بالتفتيش مكرّس في المادة 220 من قانون الشركات العامّة في ولاية ديلاوير، التي غالبًا ما يُشاد ببيئتها القانونيّة الصديقة للأعمال التجاريّة التي تمنح المساهم الحقّ في فحص دفاتر الشركة وسجلّاتها، بشرط نجاح المساهم في إثبات “الغرض المناسب” Business Purpose؛ فذلك يحدّ من الطلبات التعسّفيّة التي تستهدف الضرر بالشركة وسمعة المجلس.
وفقًا للمادة 220 ولأحكام محكمة ديلاوير القضائيّة، لا يقف طلب التفتيش هذا عند التحقيق في التصرّفات المريبة فقط، ولا شكّ في ضرورة أن يكون الطلب معقولًا، كالحاجة إلى الوصول إلى مستندات الشركة وأوراقها للتحقيق في سوء إدارة محتمل، لا سيّما عندما تضعف سيادة الجمعيّات العامّة عبر سيطرة كبار التنفيذيّين وكبار المساهمين على الجمعيّات العامّة والمجالس، فلا يكون أمام هذا المساهم إلّا أبواب القضاء مع أنّ إجراءاتها معقّدة، ولا يقتصر التحقيق في ديلاوير على التحقيق في تقصير أو شبهة، بل للمساهم استعماله لتقييم مساهمي الأقلّيّة لأسهمهم عند الحاجة إلى ذلك، خصوصًا في الشركات المساهمة غير المدرجة.
إضافة إلى وضوح النصوص النظاميّة، تؤدّي المحاكم في ديلاوير دورًا مهمًّا في إيضاح هذا المبدأ، مع أنّ هناك بعض الانتقادات المتكرّرة، خصوصًا في استغلال حقّ التفتيش مع موجة ESG، وتطوير قضاة محاكم الاستئناف مجموعة واسعة من الأحكام القضائيّة المفصّلة والإجراءات التي تفسّر هذا الحقّ أحيانًا تفسيرًا موسّعًا، ما يراه البعض خدمة للمساهمين وحمايةً لهم في محاسبة مجلس الإدارة، خاصّة في حالات تواطؤ مراقب الحسابات مع مجلس الإدارة والتنفيذيّين في أداء واجباتهم.
وتمنح الإدارة الحديثة لأنظمة الشركات، ومنها النظام السعوديّ، الحرّيّة شبه المطلقة لمجالس إدارة الشركات وفق ما أقرّته نصوص نظام الشركات منذ عام 2022 في توجيه موارد الشركة. وهنا تظهر احتماليّة استغلال بعض المساهمين لحقّ التفتيش ربّما لغرض تشويه سمعة الشركة وأعضائها، استطاعت المحكمة في ديلاوير تطوير بعض الأحكام للتصدّي والحدّ من مثل هذه السلوكيّات.
وعلى النسق نفسه -لا سيّما مؤخّرًا-، تطوّر نهج المملكة القانونيّ تطوّرًا كبيرًا كجزء من الإصلاحات الاقتصاديّة الأوسع نطاقًا التي تهدف لجذب الاستثمار الأجنبيّ. تحدّد هيئة سوق المال ووزارة التجارة بموجب لوائح حوكمة الشركات بعض القيود في حقّ المساهمين في الوصول إلى المعلومات اللازمة لحماية مصالحهم، كحماية المعلومات التجاريّة السرّيّة على سبيل المثال. رسّخت مادّة واحدة فقط (102م) من نظام الشركات (عام 2022) حقّ المساهم بالتفتيش واضعةً السلطة بيد القاضي، وهذا أمر جيّد، لكن يشوب ذلك الحقّ بعض الضبابيّة، وقد يُفسّر بتقييد أكبرًا وشفافيّة أقل، لا سيّما وأنّ المسألة ترجع إلى سلطة قاضي الموضوع دون وجود مبادئ عامّة قانونيّة في النظام أو اللائحة التنفيذيّة لنظام الشركات. وبالاطّلاع على بعض الأحكام القضائيّة للمحكمة التجاريّة المنشورة على البوّابة القضائيّة العلميّة، يؤكّد بعض المساهمين وجود عقبة عند ممارسة هذا الحقّ.
بالإضافة إلى عدم وضوح إجراءات ممارسة هذا الحقّ في نظام الشركات، لم تحدّد المادّة أو اللائحة المستندات التي يمكن للشركاء والمساهمين الاطّلاع عليها، فهل تشمل المراسلات كالإيميلات غير الرسميّة بين أعضاء مجالس الإدارات، أو المدّة التي على الشركة الردّ فيها سدًّا لباب التلاعب؟ وهل يشمل هذ الحقّ الشركات التابعة؟ وماذا عن إمكانيّة نشر التقرير من عدمها؟ ولا يتّضح من النظام مَن يتعيّن عليه رئاسة الجمعيّة العامة في حالة انعقادها، وأيضًا للمحكمة عزل أعضاء مجلس الإدارة، وقد يرى البعض أنّ هذا الحقّ لأعضاء الجمعيّة العامّة فقط (التصويت على العزل)، مع حقّهم في رفع دعوى المسؤوليّة كما تقرر المادّة 29 من النظام نفسه، وهل كان من الأفضل لنظام الشركات لو أوجب إيداع الأسهم وعدم التصرّف بها حتّى تبتّ المحكمة في طلب التفتيش؛ كون ذلك يعزّز عدم استغلال هذا الحقّ ثمّ التصرّف وخروج المدعي (المساهم) من الشركة إضراراً بها؟.
أسئلة ومقترحات كثيرة نتمنّى أن تعالَج وتغطّيها اللائحة التنفيذيّة لنظام الشركات، وقد نشهد قريبًا طلبات من المساهمين للتفتيش، لا سيّما بعدما عَدّل نظام الشركات في مادّته 90 حقّ المساهم في طلب توجيه دعوة للجمعية العاديّة للانعقاد إلى 10%. لهذا، سلاسة حقّ التفتيش ليست أمرًا مهمًّا قانونيًّا فقط، بل قد تكون ذات أثرٍ اقتصاديّ، فعندما يتمتّع المساهمون بحقّ الاطّلاع على سجّل الشركة، تُعزَّز الثقة والشفافيّة، الأمر الذي قد ينعكس إيجابًا على تقييم الشركة ونزاهتها، لا سيّما وأنّنا نستهدف الاستثمار الأجنبيّ. لكن، وفي الوقت نفسه، يؤدّي فرض مثل هذه الحقوق -بلا شك- إلى أعباء وتكلفة إضافيّة على الشركات، وتحويل موارد الشركة إلى الدفاع عن الشركة وسمعتها، ما يؤثّر في كفاءتها التشغيليّة، لهذا يعدّ التوازن أمرًا ضروريًّا يحمي المستثمرين ويعزّز من استقرار السوق.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال