الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لطالما كانت فكرة كتابة اليوميات تراودني منذ زمن طويل، حتى قررت أخيرًا أن أعقد العزم على البدء بهذه العادة. في البداية، بدت لي فكرة التدوين اليومي بسيطة وربما تافهة، وكأنها مجرد جزء من الحياة اليومية أو الروتين الممل. لكن مع مرور الوقت، بدأت أرى متعة هذه المذكرات تتجلى بتقادمها، تمامًا كحال الصور التي نلتقطها خلال رحلاتنا واليوميات التي نعيشها. فكما تزداد الصور قيمة وجمالًا بمرور الزمن، بدأت ألاحظ أن كتابة اليوميات تتيح لي فرصة رؤية حجم التطور الذي أحرزته خلال فترة قصيرة، مما يثبت أن الخطوات الصغيرة لا يظهر أثرها الإيجابي إلا مع مرور الوقت.
عندما وقعت يدي على مقالة “The More Senior Your Job Title, the More You Need to Keep a Journal” للكاتب دان سيامبا، شعرت بتوافق كبير مع السلوك الذي أحاول تبنيه كجزء من روتيني اليومي منذ ما يقارب السنة. لقد لمست من خلال هذه المقالة كيف يمكن أن يكون التدوين أداة قوية تعزز من القدرة على القيادة وتحسن عملية اتخاذ القرارات بشكل فعال، مما حفزني أكثر على المضي قدمًا في هذه العادة.
عندما يتولى القادة منصبًا رفيعًا مثل الرئيس التنفيذي، يجدون أنفسهم في موقف يتطلب منهم اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة. يتدفق سيل من المعلومات والطلبات والضغوط من كل جهة، مما يزيد من التوتر والقلق. وكما أشار الكاتب دان سيامبا: “هناك القليل من الوقت للتعلم أو التفكير. المعلومات تأتي بسرعة، والناس يطالبون بوقتهم، ويُقال لهم إن جميع القرارات المتراكمة أمامهم مهمة.” هذه الضغوط تجعل القادة عرضة للأخطاء إذا لم يتمكنوا من التوقف للتفكير والتأمل.
وفي خضم هذا التسارع، تصبح القدرة على تباطؤ الوتيرة والتأمل في الأحداث أمرًا حيويًا لاتخاذ قرارات صائبة ولتجنب الأخطاء. الفيلسوف الفرنسي بليز باسكال قال ذات مرة: “كل مشاكل الإنسانية تأتي من عدم قدرة الإنسان على الجلوس بهدوء في غرفة بمفرده.” هذه الحكمة تسلط الضوء على أهمية التأمل الهادئ والمنظم، والذي يمكن تحقيقه من خلال كتابة اليوميات.
كتابة اليوميات ليست مجرد وسيلة لتوثيق الأحداث، بل هي أداة قوية للتأمل واستنتاج الدروس المستفادة. يُظهر البحث العلمي أن إعادة تشغيل الأحداث في أذهاننا أمر أساسي للتعلم والنمو. وكما أوضح سيامبا: “تدوينها يجلب وضوحًا معينًا يضع الأمور في نصابها الصحيح.” من خلال الكتابة، يمكن للقادة تحليل مواقفهم، وفهم ردود أفعالهم العاطفية، واستنتاج ما يمكن تحسينه في المستقبل.
هناك العديد من القادة الذين استخدموا كتابة اليوميات كأداة لتعزيز قدراتهم القيادية. على سبيل المثال، في مذكرات الرئيس الأمريكي الراحل هاري ترومان، نجد تدوينات يومية توثق قراراته الكبرى وردود أفعاله تجاه الأحداث الجارية. كان ترومان يكتب يومياته بانتظام، وهو ما ساعده على التأمل والتعلم من تجاربه. كذلك، كانت ماري كوري، العالمة الشهيرة والحائزة على جائزة نوبل، تكتب يومياتها، مما مكنها من تنظيم أفكارها والتأمل في نتائج تجاربها العلمية.
يُعتبر الابتكار وحل المشكلات بطريقة إبداعية أمرًا حاسمًا لنجاح القادة في عالم الأعمال. من خلال كتابة اليوميات، يمكن للقادة إبطاء وتيرة التفكير، مما يسمح لهم برؤية الأمور من زاوية جديدة واستكشاف حلول لم تكن واضحة من قبل.
كيف تكتب يومياتك بفعالية؟
في البداية يُنصح بتدوين الملاحظات في أقرب وقت ممكن بعد الحدث حتى تكون تكون الأفكار واضحة وبالامكان استخدام مسودة ورقية لتدوين رؤوس الأقلام أو استخدام المدونات الالكترونية للكتابة والتعديل عليها لاحقاً، ويفضل أن يكون التدوين في نفس اليوم للحفاظ على دقة التفاصيل. ويمكن هيكلة التدوينة على الشكل التالي:
من الجدير بالذكر أن كتابة اليوميات باليد قد تكون أكثر فعالية من الكتابة الرقمية. وكما يشير سيامبا: “السرعة التي أكتب بها بقلم تبدو متوافقة مع السرعة التي يجد بها خيالي أفضل الكلمات.” وأظهرت دراسات أن الكتابة باليد تنشط أجزاء أكثر من الدماغ، مما يعزز من عملية التعلم والتذكر.
أمثلة يومية للتدوين
إليك عزيزي القارئ بعض الأمثلة العملية لتدوين اليوميات التي يمكن أن تساعدك على تطوير هذه العادة والاستفادة منها:
في النهاية، تعتبر كتابة اليوميات أداة قوية يمكن أن تساعد القادة على تباطؤ الوتيرة في عالم سريع، والتعلم من التجارب، واتخاذ قرارات أكثر وعيًا وفعالية. الفوائد التي يمكن أن تحققها من خلال كتابة اليوميات تفوق بكثير التحديات التي قد تواجهها في البدء بهذه العادة. وكما يقول سيامبا: “يجب أن تكون اليوميات الشخصية جزءًا من صندوق أدوات أي قائد.” لذا، ربما حان الوقت لفتح دفتر جديد والبدء في تدوين رحلتك القيادية بكل تفاصيلها ودروسها.
إذا كنت تبحث عن طرق لتحسين قدرتك على القيادة، فقد تكون كتابة اليوميات هي المفتاح الذي تحتاجه. بفضل قدرتها على تعزيز الإبداع، وتحسين اتخاذ القرار، وتوفير وقت للتأمل، يمكن لليوميات أن تكون حليفك الأقوى في رحلتك نحو النجاح.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال