الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الخوارزميات في التداول.. من الابتكار إلى السيطرة على الأسواق
في عالم يتسارع فيه التطور التكنولوجي، أصبحت الأسواق المالية أكثر تعقيدًا وتداخلًا، مما أدى إلى زيادة الطلب على تقنيات جديدة لزيادة الكفاءة والحد من المخاطر. هنا جاء التداول عبر الخوارزميات (Algorithmic Trading) كحل مبتكر يقدم السرعة، الدقة، والتداول المتواصل على مدار الساعة. ولكن ما هو التداول عبر الخوارزميات بالضبط، وكيف يعمل؟
في هذا المقال، سنستكشف هذه التقنية المتطورة، ونوضح بشكل مبسط كيفية استخدامها، وما هي فوائدها ونتائجها. سنعتمد على أمثلة واقعية، وسنستعرض بعض الشخصيات البارزة التي ساهمت في تطوير هذا المجال، مما يساعدك على فهم هذا النوع من التداول بشكل أوضح.
ولا يمكن تجاهل الدور المتزايد الذي تلعبه الخوارزميات في الأسواق المالية حول العالم. وفقًا لرئيس هيئة السوق المالية السعودية، محمد القويز، التداول عبر الخوارزميات يمثل نحو 25 في المائة من أحجام التعاملات في السوق المالية السعودية، مما يعكس مدى انتشار الرقمنة في السوق المحلية. وعلى الصعيد العالمي، تزداد أهمية هذه التقنية، حيث أشار القويز خلال جلسة حوارية ضمن فعاليات مؤتمر التقنية المالية «فنتك 24» إلى أن التداول بناءً على الخوارزميات يشكل نحو 70 في المائة من أحجام التداولات في الأسواق المتقدمة.
هذه الأرقام توضح أن التداول عبر الخوارزميات لم يعد مجرد وسيلة جديدة، بل أصبح ركيزة أساسية لتحسين الكفاءة في أسواق المال، مما يفتح الآفاق للمزيد من التطورات في هذا المجال.
البداية والتطور التاريخي
بدأ التداول عبر الخوارزميات في الثمانينيات عندما بدأت البورصات الأمريكية، مثل بورصة نيويورك، في التحول إلى الأتمتة لتسهيل تنفيذ الصفقات الكبيرة للمؤسسات المالية. أولى محاولات استخدام الخوارزميات كانت تهدف إلى تقسيم الصفقات الكبيرة إلى أجزاء أصغر لتجنب التأثيرات السلبية على أسعار السوق. ومع تطور التكنولوجيا، أصبحت هذه الخوارزميات أكثر تعقيدًا وتنوعًا.
يعتبر “جيم سيمونز” (Jim Simons) مؤسس صندوق “رينيسانس تكنولوجيز” (Renaissance Technologies) من أبرز الشخصيات التي ارتبطت بهذا النوع من التداول. بفضل خلفيته في الرياضيات والذكاء الاصطناعي، أسس سيمونز صندوق تحوط يعتمد بشكل كامل على الخوارزميات وتحليل البيانات لتحقيق أرباح مذهلة. يمكن القول أن سيمونز هو “عراب” التداول بالخوارزميات.
مزايا التداول عبر الخوارزميات
التداول بالخوارزميات يعتمد على سرعة معالجة البيانات واتخاذ القرارات في أجزاء من الثانية. يتم تحليل كميات ضخمة من البيانات المالية والتاريخية، مما يتيح للخوارزميات تنفيذ الصفقات في اللحظة المثلى. وكما قال جيم سيمونز: “التداول ليس حول القدرة على التنبؤ بالسوق، بل حول الاستفادة من اللحظات الصغيرة التي يمكننا فيها تحقيق مكاسب.”
الخوارزميات لا تتوقف عن العمل، فهي تعمل على مدار الساعة. على سبيل المثال، صناديق التحوط مثل “رينيسانس تكنولوجيز” تستخدم خوارزميات لتتبع الأخبار والأسعار العالمية في الوقت الفعلي، مما يسمح بالتداول حتى في أوقات الإغلاق التقليدية للأسواق.
التداول العاطفي، أو اتخاذ قرارات بناءً على مشاعر الخوف أو الطمع، هو أحد أكبر الأخطاء التي يقع فيها المستثمرون. الخوارزميات تعتمد فقط على البيانات والأرقام، مما يقلل من تأثير العواطف على عملية اتخاذ القرار.
أشهر الصناديق والشركات التي تستخدم الخوارزميات
كيف يعمل التداول عبر الخوارزميات؟
يتطلب التداول بالخوارزميات برمجة قواعد ومعايير محددة. تعتمد الخوارزميات على البيانات المالية، الأسعار التاريخية، والأخبار للتنبؤ بالحركات المستقبلية للسوق. على سبيل المثال، خوارزمية “VWAP” (Volume Weighted Average Price) تستخدم بشكل واسع لتقسيم الصفقات الكبيرة على مدار اليوم استنادًا إلى حجم التداول.
الخطوات الأساسية لتشغيل الخوارزمية:
انتشار التداول بالخوارزميات في المنطقة
في السنوات الأخيرة، بدأت الأسواق المالية في منطقة الخليج، وخاصة السعودية، في تبني التداول عبر الخوارزميات بشكل متزايد. ومع إطلاق “تداول”، أصبح هناك دعم أكبر للتداول الآلي، مما ساعد على تحسين سيولة السوق وزيادة الكفاءة. وقد شهدت بعض الشركات الاستثمارية الكبرى في المملكة اهتمامًا متزايدًا بالتقنيات المالية الحديثة لتحسين الكفاءة في تنفيذ الصفقات وتحليل البيانات وتطوير استراتيجيات تداول تعتمد على الخوارزميات.
من خلال تلك الخوارزميات، استطاعت الأسواق الخليجية تحقيق نتائج ملموسة من حيث زيادة حجم التداول وتحسين استجابة السوق للأحداث العالمية.
أمثلة واقعية للنتائج المحققة عبر الخوارزميات
أحد الأمثلة البارزة هو استخدام صندوق “رينيسانس تكنولوجيز” لخوارزميات التداول لتحقيق أرباح تجاوزت الـ 10 مليار دولار خلال الأزمة المالية العالمية في 2008، بينما خسر أغلب المستثمرين التقليديين في تلك الفترة.
يعد التداول عبر الخوارزميات من أكثر الابتكارات تأثيرًا في الأسواق المالية الحديثة، حيث يقدم للمستثمرين ميزة هائلة في اتخاذ قرارات سريعة ودقيقة. لكن في الأفق يظهر نوع جديد من التداول، وهو التداول الآلي باستخدام الذكاء الاصطناعي، الذي يمثل خطوة أكبر في مجال الاستثمار ويعد بمزيد من التطور. في المقال القادم، سنغوص في تفاصيل هذا النوع من التداول وكيف يمكن أن يشكل مستقبل الأسواق المالية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال