الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بأنابيب من الخيــزران وبــستة قرون قبل الميــلاد كانت أول عمليــة نقل للمُكتشــف حديثـًا النفط الخام في شرق العالــم هناك في الصين الشعبية، لتمضي السنوات والقرون الطويــلة ليعود السائل الذهب من جديد في الغرب بظهوره الأول في بئــر دريك وذلك بين ثنايا مدينة حجر الزاوية وركن الولايات المتحدة المتين ولاية بنسلفانيــا وبالتحديد في غربها منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، كان ظهور خجول أمتد لخمسة عقود، لتعود تكساس وتعلن ولادة العصر الجديد لاقتصاد النفط الخام والصناعات التكريرية باكتشافها حقل سبيندلتوب في بداية القرن العشرين، ليزول الخجل عقد بعد عقد من الزمان، لكن أستمر في الظل، حتى ظهر النور بقوة من الشرق السعودي وآبار النفط الخاصة به، لتبدأ بذلك سنوات النفط الطويلة. سنوات عديدة تمكن خلالها النفط الخام من أن يكون المؤثــر الأول بلا نزاع في الأسواق المالية واقتصادات العالم الحديث، حكايا السبعينيات الميلادية والنمو السعودي الهائل والضغط القوي على الاقتصاد الأمريكي في بداية التسعينيات الميلادية وغيرها الكثيـــر من الحكايات التي تُشيــر الى أن النفط كان وسيبقى على الأقل طويـــــلًا هو المرجع الأهم والبطــــــل الأول لكل زمان، لكن كما هو الفحم يومًا من الماضي هو السيد العظيم، سيكون هناك بديل ما سيزيل النفط الخام من المشهد الاقتصادي ويعود كما الأصحاب من قبل في الظل.
تبدأ رحلة النفط من اكتشاف المناطق التي من المتوقع أنها مليئة بالنفط الخام، مرحلة التقييم تأتي ثانيًا وذلك من خلال تقييم كميات وكثافة النفط في المنطقة المحيطة. ثالثا هي مرحلة التطوير، حيث يتم أنزال منصات الحفر العملاقة وتثبيتها وبدء عمليات الحفر، رابع المراحل هي الأهم وهي الاستخراج، حيث تقوم المنصات العملاقة – والتي تعتبر مؤشر اقتصادي مهم لشركات النفط والتنقيب، حيث تُشير على مدى نمو الشركة – على استخراج النفط الخام وتبدأ عمليات النقل المختلفة، عن طريق الأنابيب أو النقل البري أو البحري وفي بعض الأحيان عن طريق الجـــو بعيدًا في السماء. كل المراحل تعتبر مؤشرات يجب قراءتها عن تقييم الشركات النفطية وتقييم شكل النفط الخام في العالم بشكل عام، تأخر عمليات الحفر أو تعطيلها، وتوقف سلاسل الأمداد لأشكال النقل، وعمليات البحث المكلفة وغير الدقيقة، وغيرها الكثير، جميعها عوامل تؤثر في سعر البرميل ومعدل الإنتاج والتوزيع ومعدلات التكرير أيضــًا. العوامل هذه لعمليات الاستخراج والنقل تؤثر على الشركات التي تستخدم مشتقات النفط الخام كمدخلات لها في عملياتها الإنتاجية مثل شركات السيارات والبتروكيماويات وغيرها بدرجات تأثير متفاوتة.
لا يزال النفط هو المصدر الرئيسي لكثير من الصناعات، كانت منظمة أوبك تعلب دورأ هامًا في تسعير النفط الخام، وذلك بسبب إنتاجهم الكبير والتسعير من جانب العرض فقط، وليس للطلب شأن في تسعير البرميل الواحد، أي أن السعر يعتمد على الإنتاج النفطي وليس على الطلب له، في منتصف التسعينات الميلادية أصبحت الدول التي خارج منظمة أوبك لها الدور الأكبر في عملية التسعير وذلك بسبب طلبهم العالي عليه وتطور عملياتهم الإنتاجية بشكل هائل، مثل الهند والصين الشعبيــة والولايات المتحدة، أيضـــًا أنخفض قدرة منظمة أوبك على التحكم بالتسعير بشكل كامل في منتصف السبعينيات بعد زيادة الإنتاج من دول خارج المنظمة مقارنة مع أنتاج دول أوبك. التغيرات السعرية للنفط هي تغيرات حادة ومؤثرة وتؤثر على الاقتصاد العالمي بسبب أن مرونة الطلب على النفط منخفضه، أي أن ارتفاع سعر النفط ليس بالضرورة أن يخفض الطلب معـه، وذلك لعدم وجود بديل عنه لمدخلات الإنتاج العالمي، في الجانب الأخر، مرونة العرض للنفط غير مرنة، أي لا يمكن إنتاج النفط بشكل أكبر أذا أرتفع الطلب عليه، بسبب تعقيد الإنتاج فيه وتكلفته الهائلة.
يمكن أن يكون ارتفاع وانخفاض أسعار النفط الهبه والألم في آن واحد للاقتصاد، في قطاعات التصنيع والنقل والبتروكيمياويات، فيُعتبر انخفاض أسعار النفط هبه لا تُقدر بثمن، فالقطاعات هذه على وجه الخصوص وغيرها العديد تعتمد على النفط كمدخل لها تستعمله في الإنتاج، عندما ينفض سعر البرميل الواحد، فيكون أنتاج المشتقات النفطية والمواد المصنعة من النفط وعمليات النقل أقل تكلفة مما هي عليه لو كانت الأسعار مرتفعة. في الجانب الآخــر فالشركات التي يعتبر النفط فيها مخرج وليس مدخل – مثل شركات قطاعات الحفر والتنقيب والإنتاج – فأن انخفاض الأسعار يؤثر بشكل كبير على ربحيتها ومؤشراتها الاقتصادية بشكل عام – على سبيل المثال انخفاض الأسعار ينخفض معه عدد المنصات التي تعمل للحفر لعدم جدواها الاقتصادية، وبالتالي خفض أصول شركات الحفر. النمو الذي يأتي لبعض القطاعات عند انخفاض أسعار النفط يعزز من النمو والوظائف فيها، ولكن تنخفض هذه المعدلات في الجانب الآخر وهي شركات النفط ومشابهها، بذلك يكون تأثيره رماديــًا غير مفهوم النسق على المدى القصير على الأقل.
مستقبل الذهب الأسود ليس كليالي الزهور الماضيـــة، فبدأ نفوذ النفط الخام ينحدر عام بعد عام، حيث بدأت الدول في التوجه نحو البدائل الأقل تكلفة والأكثر كفاءة للبيئة والعالم، وبدأت الاحتياطيات تستخدم بخزارة ويقل الإنتاج في الجانب الآخر، وظهور العدو اللدود صديق الأمس التكنولوجيا في الواجهة من جديد، حيث بدأت الصناعات تتجه الى الطاقات البديلة، مثل الكهربائية والشمسية، وحتى الطاقات الضعيفة نوعًا ما بدأت تطفو على السطح مثل الطاقة الكهرومائية وطاقة الرياح التي لسنوات طويلة لم تستطيع سحب البساط من النفط الخام. بدأ العالم يتجنب النفط الخام بسبب تأثره القوي مع الأوضاع الجيوسياسية، والتوجه الى الطاقات النظيفة والكربون الصفري يزيد من تعقيد الأنظمة واللوائح ويضيق الخناق على النفط الذي كان سيد اللوائح الأول يومًا ما.
لينمو العالم من جديد نموًا اقتصاديًا مستدام لابد له من أن يزيل عقبة النفط الخام من طريقـــة، لكن من يستطيع أن يفعل ذلك، على الرغم من المحاولات العديدة في العقد الأخيـــر، الا أن الاقتصاد العالمي والأسواق المالية لا زلت تتألم عند تألم النفط وتتقلب مثل تقلباته، على الرغم من تغير شكل اقتصاد العالم بشكل كامل. من المتوقع أنها ستطول مقاومة سائل الذهب والمؤثر الأول طويلًا قبل أن يفنى لمثواه الأخيـــــر ولو بعد أيام طِوال.
اقتباس اقتصادي: ” الطاقة ضرورية للتنمية، والطاقة المستدامة ضرورية للتنمية المستدامة ” – تيم ويرث
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال