الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
شهدت الفترة ما بين 2014-2024 تقلبات حادة في أسعار النفط، والذي انعكس على معدلات إنتاج وصادرات النفط من المملكة العربية السعودية. وخلال هذه الفترة لعبت المملكة من خلال أوبك+ دورًا محوريًا في استقرار الأسواق النفطية العالمية. في عام 2021، بدأت المملكة في العودة إلى زيادة إنتاجها بالتوافق مع قرارات أوبك+، التي هدفت إلى استعادة الاستقرار بعد الانهيار الكبير في الأسعار وخفض الإنتاج خلال جائحة كورونا، حيث وصل الإنتاج إلى ذروته عند 11 مليون برميل يوميًا في سبتمبر 2022، وكان ذلك بالتزامن مع تعافي الطلب العالمي وارتفاع الأسعار إلى 129 دولارًا للبرميل نتيجة التوترات الجيوسياسية المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية.
ومع استقرار أسواق النفط، عادت المملكة إلى خفض إنتاجها حتى وصل إلى 8.9 مليون برميل يوميًا بحلول أغسطس 2024، وذلك ضمن محاولاتها لموازنة العرض ومنع انهيار كبير في الأسعار. وقد انعكس قرار التخفيض على الصادرات النفطية، التي تراجعت من 7.7 برميل يومياً في أكتوبر 2022 إلى 5.67 مليون برميل يوميًا في أغسطس 2024، وهو ما سوف يؤدي إلى انخفاض الإيرادات الحكومية في عام 2024، وبالتالي يضغط على التوازن المالي. وكان لهذه التقلبات في الإنتاج والأسعار آثار كبيرة على العائدات النفطية للمملكة، التي تشكل ما نسبته 65% من إيرادات الحكومة، (الرسم البياني رقم 1).
بالنظر إلى التوقعات لعامي 2025 – 2026 ، تشير تقديرات منظمات أوبك ووكالة الطاقة الدولية وبعض البنوك الدولية إلى نمو الطلب العالمي على النفط ولكن بوتيرة أبطأ خلال الأعوام القادمة، وأن تتراوح أسعار النفط ما بين 75 و 80 دولارًا للبرميل، وذلك بفضل استمرار جهود أوبك+ في موازنة السوق لضمان استقرار الأسعار. لكنه من المرجح أن تستمر المملكة في إدارة إنتاجها ضمن نطاق 9 إلى 10 ملايين برميل يوميًا للحفاظ على حصتها من ناحية و استقرار السوق من ناحية أخرى. ومع ذلك، تواجه الأسواق النفطية العالمية تحديات جديدة، والتي تشمل تباطؤ نمو الطلب على النفط في الأسواق الرئيسية مثل الصين، والتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، وتزايد الاعتماد على مزيج الطاقة المتنوع، والتي جميعها تقلل من الحاجة إلى النفط التقليدي في الاقتصادات المتقدمة.
تشير هذه التطورات في أسواق النفط إلى احتمالية استمرار العجوزات في المالية العامة للمملكة للسنة الحالية 2024 والسنوات القادمة، كما ورد في البيان التمهيدي للميزانية العامة لعام 2025. ويعزز هذا الاحتمال توقعات أسعار النفط للعامين 2025 و2026، التي تقل عن سعر تعادل النفط للتوازن المالي، والمقدر بنحو 93 دولاراً للبرميل، مما يزيد من التحديات المالية، (الرسم البياني رقم 2).
إن مسار الاقتراض الداخلي والخارجي للمملكة أشار للزيادة الكبيرة في حجم الدين العام بعد عام 2015، والذي جاء ليتزامن مع انهيار أسعار النفط الذي أثر بشكل كبير على إيرادات الحكومة. وكان عام 2015 نقطة تحول، حيث بلغت إصدارات الدين حوالي 98 مليار ريال. وفي الفترة ما بين 2018 ارتفعت إصدارات الدين بشكل ملحوظ لتصل إلى ذروتها في عام 2020 عندما بلغت 174 مليار ريال. وكان هذا الارتفاع نتيجة لانخفاض الإيرادات النفطية، بالإضافة إلى الآثار الاقتصادية لجائحة كوفيد-19، حيث اضطرت المملكة إلى زيادة الاقتراض لتمويل عجز الميزانية. لم يكن وقتها هناك اقتراض الخارجي قبل عام 2015، ولكن مع انخفاض أسعار النفط بشكل حاد بدأت المملكة في اللجوء إلى الاقتراض الخارجي كجزء من استراتيجيتها لتمويل العجز المتزايد في الميزانية. كما اعتمدت على الاقتراض الخارجي كوسيلة لتنويع مصادر التمويل، بدلاً من الاعتماد بشكل كامل على الاقتراض الداخلي، وذلك في تخفيف الضغط على الأسواق المحلية وتعزيز السيولة الداخلية.
وابتداءً من 2016 ارتفعت وتيرة إصدارات الدين الخارجي بشكل ملحوظ ليصل إلى 108 مليار ريال في عام 2020، ثم بدأت هذه الإصدارات في التناقص حتى بلغت 18.88 مليار ريال في عام 2022. غير أنها عادت مرة أخرى للارتفاع لتبلغ 88 مليار ريال في عام 2023. ومن المتوقع أن يبقى الاقتراض الخارجي في مستويات مقبولة نسبياً في عام 2024 وفي عام 2025، كما يشير إلى ذلك البيان التمهيدي لموازنة 2025. وفي ذات الوقت، يلاحظ أن المملكة حافظت على مستويات ثابتة من السداد للديون الداخلية والخارجية خلال الفترة 2019-2022، ولكن مع زيادة ملحوظة في 2023، حيث بلغت عمليات السداد 58.5 مليار ريال للدين الداخلي، و70.1 مليار ريال سعودي للدين الخارجي. وقد يعكس هذا اهتمام المملكة بتقليل التزاماتها الدولية، مع وجود سداد داخلي أيضاً، ولكن بمستويات أقل نسبياً، ومع توجه السياسة المالية إلى تجنب تراكم الديون الخارجية، الذي قد يؤدي إلى مخاطر مالية في المستقبل في حالة تقلب أسعار الفائدة أو تغييرات في أسواق الصرف للعملات، (الرسم البياني رقم 3).
لقد اتخذ الدين العام اتجاهًا تصاعديًا واضحًا في للمملكة سواء الداخلي أو الخارجي، منذ عام 2016. وارتفع الدين العام الداخلي إلى 644 مليار ريال في عام 2023، في حين زاد الدين العام الخارجي إلى 406 مليار ريال في نفس العام. وارتبط هذا الارتفاع الكبير في الاقتراض بجهود الحكومة لتمويل برامج رؤية 2030 ومشاريع التنويع الاقتصادي. وبلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي ذروتها عند مستوى 31% في عام 2020، نتيجة تراجع الإيرادات النفطية التي فرضتها التحديات الاقتصادية العالمية على خلفية وباء كورونا و أيضاً الحاجة إلى حوافز مالية لدعم التعافي الاقتصادي. ورغم أن هذه النسبة انخفضت في عام 2022 إلى 23.9%، إلا أنها عادت إلى الارتفاع، إذ يقدر أن تصل نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 27.5% في عام 2024. كما أنه من المتوقع أن ترتفع قليلاً إلى 28% في عام 2025، على أساس تقديرات وزارة المالية بتحقيق عجز في الموازنة العامة بنسبة 2.3% في عام 2025، وذلك لتبني الحكومة سياسة التوسع في الإنفاق وكذلك التسريع في تنفيذ برامج رؤية 2030.
وفي الوقت نفسه، تعكس نسبة الإيرادات إلى الناتج المحلي الإجمالي تحسنًا في الوضع المالي للمملكة بعد انخفاضها إلى 20.8% في عام 2016، نتيجة انخفاض أسعار النفط. ومع تعافي أسعار النفط وتطبيق ضريبة القمة المضافة بنسبة 5% في عام 2018 ثم رفعها إلى 15% في يوليو 2020، ارتفعت نسبة الإيرادات إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 30.7% في عام 2022، لكنها تقدر بأنها انخفضت إلى 28.5% في عام 2024. ولذا قد تواجه المملكة تحديات الاستدامة المالية، خاصة بسبب اعتمادها الكبير على إيرادات النفط، الذي يضطر الحكومة للاعتماد بشكل أكبر على التمويل من خلال الديون، وهو ما قد يؤدي إلى تراكم الديون إذا لم تحقق الإيرادات غير النفطية نموًا يتماشى مع سياسة التوسع في الإنفاق. كما أن زيادة الدين العام قد تقيد الحيز المالي المستقبلي، خاصة إذا استمر ضعف نمو الطلب العالمي على النفط نتيجة التحولات السريعة في الطاقة. ولضمان الاستدامة المالية، يتعين على المملكة تسريع جهود التنويع وتحسين الانضباط المالي، لتقليل الاعتماد على النفط وحماية الاقتصاد من تقلبات الأسعار. وإن قدرة المملكة على تحقيق الاستقرار المالي ستعتمد على مدى نجاحها في تنفيذ إصلاحات رؤية 2030 وتعزيز الإيرادات غير النفطية والسيطرة على وتيرة زيادة الدين العام، (الرسم البياني رقم 4).
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال