الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
على مر العصور، سعى الإنسان إلى تجنب الفشل أو تقبله إن صح القول؛ لقد تعلّم الإنسان أن يربط النجاح بعدم الوقوع في الخطأ أو الإخفاق، وأن يُصنّف الفشل كعدوٍّ يجب تجنبه بأي ثمن، لكن إذا نظرنا بتمعن إلى الطبيعة من حولنا، سنكتشف أنها تعمل على مبدأ مختلف تمامًا، حيث تُعتبر المحاولات الفاشلة جزءًا لا يتجزأ من دورة الحياة، بل وربما تكون الأساس الذي يرتكز عليه النجاح، هذه الظاهرة، التي يمكن تسميتها بـ “قانون الجهد المهدر”، يتم تقبلها في عالم الطبيعة من دون أدنى تردد أو مكابرة! بينما يقف الإنسان في مواجهة هذا القانون بصدر رحب!
إذا أخذنا نظرة على الكائنات الحية في الطبيعة، نجد أن قانون الجهد المهدر يبدو واضحًا وجليًا، الأسود، على سبيل المثال، تخفق نحو 75% من محاولاتها لصيد الفرائس، ومع ذلك، لا تستسلم، ولا تتوقف عن الصيد، بل تواصل المحاولة حتى تحقق النجاح في 25% من محاولاتها، هذه النسبة الضئيلة من النجاح كافية للحفاظ على حياتها واستمراريتها، الأمر نفسه ينطبق على كثير من الكائنات الأخرى، حيث نجد أن نصف بيوض الأسماك لا تصل إلى مرحلة البلوغ، ومعظم بذور الأشجار تأكلها الطيور قبل أن تنبت، ومع ذلك تستمر الطبيعة في دورتها، دون أن تتوقف أو تعيد حساباتها.
هذا القبول الضمني من الطبيعة لفكرة الفشل يعكس فلسفة أعمق، مفادها أن المحاولات الفاشلة ليست النهاية، بل جزء من الطريق نحو النجاح، فكل محاولة فاشلة هي خطوة نحو التحسين والتكيف مع البيئة المحيطة، فالطبيعة لا تعرف الاستسلام، ولا تضع حدًا للمحاولات، لأنها تعلم بالفطرة أن المحاولة المستمرة هي السبيل الوحيد للبقاء.
على الجانب الآخر، نجد أن الإنسان ينظر إلى الفشل من منظور مختلف تمامًا في كثير من الأحيان، يعد الفشل نهاية الطريق، ويربطه بشعور خيبة الأمل والإحباط في الحياة الشخصية أو في العمل، نجد أن الخوف من الفشل يمنع الكثير من الناس من المحاولة أصلًا، فالنجاح بالنسبة إلى الإنسان يجب أن يكون خاليًا من الأخطاء والإخفاق، وكل خطوة يجب أن تكون محسوبة بدقة لتجنب أي إخفاق، لكن هل هذه الطريقة هي المثلى لتحقيق النجاح؟!
في عالم الأعمال اليوم، نلاحظ الشركات الكبرى مثل أمازون وتيسلا هي أمثلة حية على تطبيق قانون ” الجهد المهدر”، كلاهما مرا بمراحل قاسية من الفشل والخسائر، لدرجة أن تلك الأزمات كادت أن تخرجهم من السوق في بعض الأحيان، ولكن بفضل الإصرار على المحاولة المستمرة والابتكار الدائم، نجحت هذه الشركات في تجاوز تلك الصعوبات. وأصبحت رائدة في مجالاتهما، ما نستخلصه من هذه التجارب هو أن الفشل ليس نهاية الطريق، بل يمكن أن يكون بداية لإطلاق أفكار جديدة وإبداعية دافعة نحو النمو والتقدم والنجاح.
أظهرت دراسة أجرتها Deloitte أن الشركات التي تعزز ثقافة “التعلم المستمر” تحقق زيادة بنسبة 37% في الإنتاجية و92% في الابتكار مقارنة بالشركات التي لا تركز على ذلك، والسبب يعود إلى أن التشجيع على التعلم المستمر لا يقتصر على اكتساب المهارات الجديدة، بل يغرس أيضا في الموظفين عقلية الفضول والتكيف السريع مع المتغيرات، مما يدفعهم نحو الابتكار والتميز.
في بيئة العمل، يحتاج القادة والعاملون على حد سواء إلى تقبل الفشل والإخفاق كجزء من دورة الابتكار، فتطوير المنتجات الجديدة، على سبيل المثال، يمر غالبًا بمراحل من التجارب الفاشلة قبل الوصول إلى النسخة النهائية الناجحة، الشركات التي تتبنى ثقافة “المحاولة المستمرة” هي التي تحقق النجاح في النهاية، لأنها تفتح المجال للتعلم والتحسين الدائم.
أما في مجال التعلم مدى الحياة، يشير تطبيق قانون “الجهد المهدر” إلى أن عملية التعلم لا تتوقف مهما كانت الظروف التي نواجهها في حياتنا اليومية، يجب أن تكون أكثر استعداداً لتقبل الفشل كجزء من عملية اكتساب المعرفة والتجربة، عندما نرى التعلم كرحلة مستمرة من المهد إلى اللحد ندرك أن الفشل والإخفاق ليس سوى جزء من هذا التقدم، فالقدرة على النهوض بعد الفشل والمحاولة من جديد هي ما يصنع الفارق الحقيقي في تطورك الشخصي والمهني، ويعزز من قدراتك على مواجهة التحديات بمرونة أكبر.
في الختام؛ تعلمنا الطبيعة من حولنا درسًا بسيطًا، ولكنه ذو تأثير عميق؛ هو أن الفشل ليس النهاية، بل هو على العكس تمامًا فهو جزء طبيعي من رحلة النجاح، ما يهم فعلًا هو الاستمرارية في المحاولة والتعلم من الإخفاقات سواءً كان ذلك في حياتك المهنية أو الشخصية، إذا كان هناك مفهوم واحد يمكن أن يلخص هذه الرحلة برمتها، فإنه بكل بساطة: استمر!
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال