الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي بدأ التحول الأول في تاريخ البشرية – الثورة الصناعية الأولى – حيث تحولت الأدوات القديمــة في الصناعة مثل الحيوانات والأخشاب ومواد الطبيعة الى الآلات الحديثــة التي تعمل بالوافد الجديد – البخــار ورفيقــه الفحم، تحول العالم الى أعجوبة ليس لها مثيل عبر التاريخ، ظهرت المحركات البخارية كمحركات، والفحم كوقود، والآلات صهر الحديد والفولاذ والهندسة البنائية والمعمارية المتطورة، وزادت معدلات الخصوبة وتغير الشكل السكاني للعالم، لكن في المقابل ظهر تفاوت هائل في الثروات، وزاد معدل توظيف النساء والأطفال عن المعدلات الطبيعية، فوضى عارمــة خلفتها الثورة الأول لم تكــن في حسبان الجميــع! لم تستمر حتى ظهر الهوان بين أضلعهـــــا، لتبدأ الثورة الأولى في التلاشي يومًـــا بعد الأخــر، حتى توارت عن نجم الماضي لتفنى وهي على أعتاب المئة عام.
بعد خمسون عام من الفناء، ظهر الوليد الجديد – الثورة الصناعية الثانيـــة – والتي جاء أرثها الطويل التي سوف يستمر لما يقارب قرن من الزمن على أكتاف الثورة الأول، حيث ظهر فيها حجم هائل من التكنولوجيــا لم تكن الأولى قادرة على بناءه، ظهر التليغراف وشبكات الاتصال، وزاد الترابط بين المواد لينشأ من ذلك سكك الحديد والطرق وأدوات النقل الحديث مثل السيارة والسفن غير الشراعية، وفارداي ونظرياته العلمية والتجريبية حول الطاقة الكهربائيــة، وظهور النفط في الولايات المتحدة، والتطور الهائل في التسليح والطاقة والنقل والعديد من القطاعات الخدمية والاستهلاكية، أستمـــــر هذا النمو المتسارع حتى أوقفته الحرب العالمية الأولى في العقد الثاني من القرن العشرين، ليعيش العالم بعد ذلك أعوام الحرب الطويلة والنزيف لأربعة عقود متواصلــة دون هدنة على الأطلاق.
بعد الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفــاء، ظهرت ملامح – الثورة الصناعية الثالثة – الثورة الرقميــة والتكنولوجيـــا الحديثة، حيث بدأ الأنترنت وشبكات الاتصال في التطور، وظهر التلفاز في شكله الحديث والأجهزة الرقميــة والاقمار الصناعية وحرب الفضـــاء الطويلة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، حيث تحولت الصناعات جميعها بالتدريج من العالم الميكانيكي البدائي الى الحوسبة والرقميات المتطورة، التغيــــــر شمل شكل الإنتاج وسلاسل التوريد والنقل والاقتصاد وحتى الأسواق المالية، حيث بدأت الأوراق المالية المعقدة والرائعة بالظهور واحدة تلو الأخــــرى، كانت أعوام منتصف التسعينيات الميلادية لا تُنســـى للعالم، وكما تقول الكثير من الأبحاث العلميــة بأن هذه الفترة هي الفترة الأعظـــم في تاريخ البشرية على الأطلاق، وليس متوقع بأن تظهر فترة ما في المستقبل تنافسها، بل ستظهر مكمله لها وداعمه فقط.
بعد كل هذه الثورات الصناعية التي غيرت من شكل التاريخ في وقت قصيــــر، من عالم كان العنصــر البشري هو المحرك الأول والمتغير الوحيد في دالة الإنتاج الى عالم يمثل فيه الأنسان المتغير الأقل تأثيرًا مقارنة مع المتغيرات الأخرى الوليدة حديثًـــــا، قد تكون الثورة الصناعية الرابعة القادمةـ، التي بدأ نورها يضيئ عامًا بعد عام هي الثورة الصناعية التي تجعل العالم المكان المثالي للعيش والخالي تمامًــــا من كل أشكال الضرر البيئي والاجتماعي والاقتصادي، عالم محوكم ومترابط بحيث لا يتكرر ماضي العنف والفوضى.
الاقتصاد الأخضر القادم الصغير والوليد الجديد للعولمة والتاريخ يمكن أن يحقق ثلاثة عوامل لم تستطيع الأشكال الأخرى من الاقتصادات القديمة تحقيقها، وهي على الترتيب الآتي:
الرفاهيــــة: يسعى الاقتصاد الأخضر على تحقيق الرفاه والاستدامة وتوفير كل ما يلزم لكي يعيش الأنسان في رخاء حقيقي مشترك قادم من بيئة جيدة ووظائف متنامية وحياة كريمة مبنية على تعليم وأساس صحي واجتماعي متين.
العدالة: تُشيــر الدراسات ان الاقتصاد الأخضر يسعى جاهدًا لتوفير العدالة بين جميع طبقات المجتمع، فهو يسعى الى تمكين المرأة في المجتمع والشركات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد، ويسعى الى الشمولية والتكاتف والتوزيع العادل للفرص والوظائف.
الكفاءة والاستدامة: يسعى الاقتصاد الجديد على أن يكون المشاركين في السوق والأعمال والاقتصاد بشكل عام على درجة عالية من الكفاءة والاستدامة في المجال البيئي والاجتماعي ومجال الحوكمة في المقام الأول، وينطبق هذا على الجميع من مؤسسات وأفراد وحتى على مستوى الدول.
حُلم الاقتصاد الجديد بأن يكون هذا العالم وبعد عقود من الزمن على مستوى عالي من التنظيم والعدل والمساواة والمحافظة على الوطن الكبيـــر – الكوكب – الذي يعتبر هو مركز دالة الاقتصاد الأخضر والبُنية الأساسية له، ستكون الرأسمالية التي نعيشها الان من الماضي عندما يكون الجميع لديهم نفس الهدف والأمل بأن يبقى هذا الكوكب الصغير قويًــــــا لا ينثني، والذي سيكون انثناءه بمثابة نهاية الجميع. يمكن القول بأن هذا الحديث سابق لعصره في الوقت الراهن، ولكن من المتوقع أن يكون واقعًا كما هو الاقتصاد الان الذي كان في وقتًا ما في الماضي حديث سابق لعصره!
اقتباس اقتصادي: “إذا كنت تعتقد حقًا أن البيئة أقل أهمية من الاقتصاد، فحاول حبس أنفاسك بينما تحسب أموالك.” جاي ماكفيرسون
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال