الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
هناك مقولة ألمانية تقول”نكتة الغني دائماً مضحكة” ولا أخفيك عزيزي القارىء أجد نفسي أميل كثيراً لإسقاط هذا المثل على المجتمع الوظيفي: فتكون نكتة المدير دائماً مضحكة. فنجد كثير من الموظفين عندما يطلق المدير نكتة مهما كانت ساذجة (وماصخة) وقديمة أحياناً فإنهم يطلقون الضحكات القوية بأعلى صوت حريصين جداً أن يراهم المدير وهم فاقدي الوعي بسبب الضحك، وكأنهم مفتونين بروعة هذه الدعابة ” الساذجة” في كثير من الأحيان.
لو أمعنّا النظر في المعنى الحقيقي للمجاملة في كثير من الأمور فقد يكون لها وقع إيجابي في النفوس وذلك لمراعاة المشاعر ومداراة الخواطر في بعض المواقف وتيسير الأمور التي تتطلب عدم التعقيد، وفي هذا السياق يقول الشاعر زهير بن أبي سلمى: ومن لم يصانع في أمورٍ كثيرةٍ…. يضرّس بأنيابٍ ويوطأ بمنسمِ.
وبعيداً عن المثالية الزائفة، أصبحت المجاملة مهمة وضرورة ملحة في حياتنا فقد يستخدمها البعض لأكثر من غرض وباختلاف النوايا من شخص لآخر، وذلك لتركيزها على تغليف الرأي المطروح بغلاف جميل يكون الهدف منه مراعاة هشاشة نفسية المتلقي وحساسيته تجاه النقد، وأحياناً تكون أداة جيدة لتحضيره لتقبل الرأي الآخر (المضاد لرأيه).
يقول جاكسون براون: “المجاملة لا تعني أن تكذب ولكن أن تقول الحقيقة بطريقة لطيفة”
فالمجاملة في كثير من تعاملاتنا اليومية نجدها مطلوبة لتستمر الحياة بتحدياتها.
ولكن عندما تأخذ المجاملة منحى التملق فإنها تصبح أداة خبيثة وماكرة للوصول لأهداف قد يكون منها الإضرار بالآخرين أو الصعود على أكتافهم من دون أي أحقية أو ميزة، بل قد يصعد أحدهم السلم الوظيفي بسرعة فقط لأنه حاصل على الأوسكار في التملق.
يمر علينا في بيئات العمل أمثلة كثيرة لهذا النوع من الموظفين الوضيعين ( والفارغين جداً) والذين في أحيان كثيرة ينالون الترقيات ويحصلون على الحضوة الرفيعة لدى الإدارة العليا بسبب إتقانهم لفن التملق وقدرتهم على توجيه بوصلة المدح والثناء على مدارئهم الذين يعانون عقدة النقص فيمتلئون بنشوة المدح (والترفيع-إن صحت التسمية) ، والمضحك المحزن أحياناً كثيرة، يكون المتملق والمدير على علم أنها كلها أكاذيب لمجرد” حاجة في أنفسهم قضوها” وأنها الغاية التي بررت الوسيلة، ومع كل هذا فالمتملق ما زال لسانه ينفث كذباً والمدير ما زال فرحاً مطروباً بهالته التي أنارها ذلك الموظف من حوله .
لست مع المعقولة التي تقول “يفوز المتألقين دائماً “.لأننا أصبحنا نرى في مجتمعنا الوظيفي كثيراً من المتألقين المميزين مركونين في زاوية اللاعمل واللامسؤوليات كما يمارس ضدهم التهميش المهني لأسباب عديدة. إما بسبب عدم امتلاكهم لمهارة التملق والتسلق أو لعدم قدرتهم على ممارسة النفاق المهني والتزلف المقيت. أو بسبب عدم رغبتهم في خوض معارك المستنقعات التي يرون أنفسهم أنهم أسمى وأرقى منها أو قد يكون لوصولهم لمرحلة عدم الاكتراث لما يجري بسبب تمكن وتمكين الفارغين المتملقين والمتسلقين في إدارة المنظمة.
أما المتألقين فإنهم ينجحون ويتميزون في حال وجود إدارة وقيادة نزيهة وسليمة من شوائب الشللية والتحزبات والقيادة الهرطقية.
يقول علامة الإدارة السعودي د. غازي القصيبي يرحمه الله:
“الذين يعرفون فرحة الوصول إلى أعلى السلّم هم الذين بدأوا من أسفله. و الذين يبدأون بأعلى السلّم لن يكون أمامهم إلا النزول. لم أقل، قط، إن أي عمل كلفت بأدائه كان عملاً لا يليق بمستواي”.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال