المبالغة في تقديم الذات على منصة “لينكد إن” المهنية .. ظاهرة مقلقة

منصة “لينكد إن LinkedIn” هي مساحة للتواصل والتسويق الشخصي المهني، وكأي منصة إجتماعية يمكن استغلالها من قبل البعض لتقديم معلومات غير دقيقة أو مبالغ فيها عن أنفسهم، فبينما الغالبية تستخدمها للتواصل بشكل صادق حول خبراتهم وإنجازاتهم المهنية، هناك من يتذاكى المبالغة في تسويق أنفسهم أو الترويج لإنجازات غير حقيقية أو مضخمة، وهي ظاهرة بدأت في التزايد خاصة في فئة الشباب ممن يبحثون عن عمل أو من هم على رأس العمل.

التغيرات الثقافية بسبب التحديات المهنية وسوق العمل المليء بالمنافسة، يدفع شريحة من الشباب (من الجنسين) إلى تقديم صورة غير واقعية عن إنجازاتهم وخبراتهم، فيلجأ البعض إلى المبالغة في تسويق الذات بغية جذب انتباه أصحاب الأعمال أو المسؤولين عن التوظيف الذين يبحثون عن الكفاءات عبر هذه المنصة.

بشكل أكثر دقة، وراء اللجوء للتضخيم والمبالغة هو نقص الخبرة الفعلية، وهذه المسألة تجعل هذه الشريحة تعتقد أنها بحاجة إلى حشو ملفاتهم على المنصة لكي يظهروا وكأنهم أكثر تأهيلاً، مما يدفعهم إلى تضخيم الإنجازات أو تقديم مهارات لم يكتسبوها بشكل كامل، ولا يستغرب أن الكثير منهم هم ضحايا استشارات ودورات وورش عمل سطحية تركز فقط على الترويج للذات دون بناء فعلي للمهارات أو الخبرات، مما يجعل هذه الفئة تعتقد أن النجاح يعتمد على كيفية تقديم أنفسهم بمحتوى يفوق قدراتهم الحقيقية.

كما أن التأثر بالنماذج المثالية خاصة الشخصيات المشهورة مثل رواد الأعمال الشباب الذين بدؤوا شركاتهم الخاصة وحققوا نجاحات كبيرة، أو تنفيذيين قضوا سنوات ليصلوا لما وصلوا إليه، يجعلهم يشعرون بأن عليهم أن يكونوا مثلهم وفي وقت قياسي، بل وتصل لمستوى الهوس لبناء علامة تجارية شخصية، بغية تسريع عملية الاندماج في سوق العمل.

من المهم أن يدرك الشباب بأن أرباب العمل على درجة عالية من الحذر والانتباه إلى تفاصيل معينة في الملفات الشخصية والمنشورات التي يشاركون بها، مثل المسميات الوظيفية وكلمات مثل “خبير” أو “مستشار” في مجالات واسعة النطاق وبدون تقديم دليل أو توضيح حول كيفية الحصول على تلك الخبرات، أو تقديم إنجازات مبهمة مثل “زيادة الأرباح” أو “تحقيق نجاح” غير مدعومة بأرقام دقيقة، كما أن النمو غير التدريجي والقفزات الكبيرة غير المبررة في المسار الوظيفي وما يقدم من منشورات تتعلق بالتحفيز والتنمية الذاتية قد تكون مؤشرات على المبالغة.

أيضا، بجانب استخدام أدوات التحقق الخارجية بغرض التيقن من الخلفية المهنية والشهادات، على الشباب التنبه أنه أثناء المقابلات الشخصية، تستخدم الشركات والهيئات – خاصة الكبيرة – الأسئلة السلوكية التي تطلب من المرشح تقديم أمثلة محددة ودقيقة حول كيفية التعامل مع مواقف معينة في أعمالهم السابقة، فالأسئلة السلوكية يمكن لها أن تكشف الكثير عن مدى مصداقية المتقدم لوظيفة وخبرته مقارنة مع ما هو مكتوب في ملفه الشخصي على المنصة أو سيرته الذاتية.

لا شك في أن “لينكدإن” منصة قوية للتواصل المهني وبناء شبكة علاقات ومن المهم التواجد عليها لأنها تعتبر من أهم مصادر استكشاف الكفاءات، إلا أن تسويق بعض الشباب (من الجنسين وهم في تزايد) لذاتهم بشكل مبالغ فيه، وهم غير مدركين لحقيقة أن سوق العمل أذكى مما يعتقدون، وأن النجاح المستدام يعتمد على المصداقية والمهارات الحقيقية، يبني فيهم – مع الوقت – التفوق الوهمي وهي ظاهرة مقلقة.