الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
1914م – العام الذي بدأ فيه بنيامين جراهـــام – الأشهر في الأسواق وأستاذ بافيت في جامعة كولومبيا – العمل في وول ستريت كسمسار للأسهم في الوقت الذي كان تطغى السندات الحكومية على المشهد الاقتصادي، كانت الأسهم ليست الورقة الأهم في الأسواق بعد. في عام 1949م – خرج جراهام بأيقونته الرائـــعة على مدى الأزمان – المستثمر الذكي – الكتاب الأكثـــر مبيعًا في المالية على الأطلاق، كان بريق الظهور هذا لا يمكن لحد أن يقف ضده. المدرسة التي تبناها جراهام هي مدرسة ” القيمـــة ” وكانت هي المدرسة التي تجعل الأحلام حقيقة للمستثمرين ورواد الأسواق، على مدى قرون طويلة هي من تتصدر الحديث والسمر، لكن كان بيتـــر لينش – مستثمر أمريكي – هو من سيبعثر أوراق مدرسة الحلم ويعيد التفكيــر بها من جديد، لينشأ بذلك مدرسة حلم أخرى وهي مدرسة ” النمـــو ” والتي تنازع جراهام ورفاقــــه على مدى عقود طويلة، تارة ينتصر بتلميذه بافيت وتارة يخسر الرهان ليفوز لينش ورِفاق النمو، سجال طويل لا ينتهي.
مدرسة جراهام تقول بأن المستثمر الذكي هو الذي يستثمر على المدى الطويل في شركات تقدم له عائد مرضِ بالإضافة الى أنها تحافظ على رأس المال الخاص به، وبامتلاك المستثمر جزء من الشركة – كسهم – فأنه يعتبر مالك فيها، وبالتالي لا بد أن يحلل كل من كفاءتها التشغيلية والإدارية وكل جوانبها المالية، ويقول جراهام أن المستثمر الذكي لابد من أن يتجنب المضاربة – أي طريقة استثمار يكون فيها رأس المال في خطر وبعائد غير مرضِ أو بمعنى أخـــر أي استثمار لا ينطبق عليه الشرطين الخاصان بالمستثمر الذكي. يرى جراهام أن لا بد من أن يتم تحليل الشركة على المدى الطويل وتحديد أذا ما هي شركة قيمة – أي أنها شركة ذات قيمة دفترية عالية ولكن قيمتها السوقية منخفضة، أو أنها شركة ” نمو ” – شركة قيمتها السوقية أعلى من قيمته الدفترية وينجذب الجميع لها وتكون بذلك غالية الثمن، يرى جراهام أن الاستثمار في شركات القيمة سيعمل على تحقيق عائد مرتفع في المستقبل ويتجاوز ما سوف تحققه شركات النمو. ويمكن تحديد شركات القيمة من خلال الشرط أعلاه أو من خلال عدم أقبال المضاربين عليها، وبالتالي يكون لها سيولة منخفضة، ويُقال عنها ” مملــــة ” بسبب تواجدها في الظل طويلًا.
يعتبر جراهام أن هامش الأمـــــان – قدرة الشركة على تغطية فوائد الديون الخاصة بها في أوقات الأزمــات – هو مخفف صدمات فعال في حال تقلبات السوق المتكررة وتذبذب الاقتصاد العالمي ككل، وهو العامل الأبرز في تحديد شركة الاستثمار، ويرى أيضًــــا أن هناك طريقتين للاستثمار الأولى هي الاستثمار بالتنبؤ – أي تنبؤ بعمل الشركة القادم وجودة العمل والمنتج والمنافسة للشركة وغير ذلك – وهو أسلوب يعتمد على التوقع وليس على الأرقام كما هو مع الأسلوب الثاني والذي أطلق عليه أسم الأسلوب الوقائي ويمتاز هذا الأسلوب باعتماده على الأرقام كدليل لاتخاذ قرار استثماري في الشركة وليس على توقعات مستقبلية كما هو الحال مع الأسلوب الأول، مثال على ذلك، سعر بيع المنتج والربح القادم منه والتكاليف التي تم صرفه عليه، ليس في هذا الأسلوب الوقائي أي مجال للتفاؤل أو التخمين. يرى جراهـــام أن العائد ليس بالضرورة مرتبط بزيادة المخاطر – يختلف هذا مع أبرز نظريات المحافظ الحديثة – ولكن مرتبط في مدى تخصيص وقت وجهد للتحليل والاختيار.
قسم جراهام المستثمرين الى قسمين: مستثمر دفاعي ومستثمر هجومي، الدفاعي هو مستثمر تكون محفظته الخاصة مكونة من 50% سندات منخفضة المخاطر و الجزء المتبقي من المحفظة في أسهم شركات لا يتجاوز مكررها 25 من مكرر السوق وهذا المكرر ينطبق على الشركات المتحفظة والدفاعية – شركات النمو خارج السياق تمامًـــا هنا مع جراهام!، ويقول أنه من أجل تفادي تقلبات السوق لأن المستثمر يستطيع تقليل أو زيادة وزن الأسهم على حساب السوق – أذا كان منخفض فيزيد من التقاط الأسهم منخفضة القيمة واذا كان السوق مرتفع ومتضخم فانه يبيع الأسهم المرتفع سعرها ويقلل وزن الأسهم في المحفظة. المستثمر الهجومي من وجهة نظر جراهام هو المستثمر الذي تتركز محفظته على الأسهم، وإذا كان ذلك، لابد عليه أن يختار الشركات التي لها مكرر أرباح أقل من 10، وأن يستثمر في شركات تقدم أرباح على مدى 25 عامًا ماضية، ولا تتركز كل هذه الأسهم في قطاع واحد بل لابد من التنويع.
قبل خمس سنوات من إصدار جراهام لكتاب ” المستثمر الذكي “، ولِد الصغير لينش 1944م، وهو المستثمر الذي سوف يتعارض مع جراهام ومدرسته في استثمار مغاير تمامًا وتمتع بالكثيـــر من الضوضاء والبريق على عكس استثمار الانتظار الطويل الذي يقوم به جراهام، لينش كان يرى بأن أسهم القيمة الذي يتغنى بها جراهام ليس هي التي سوف تعزز من أداء محافظ المستثمرين، بل أسهم النمـــو من سيقوم بذلك. نهج لينش يعتمد في المقام الأول على التحليل من الأسفل الى الأعلى في اختيار الأسهم، ويعتمد بشكل جوهري على الاستثمار في ما تعرفه، وليس من الحكمة أن تستثمر في شركات لست بمعرفة تامة بها، واختيار الشركات التي لها معدلات نمو عاليـــة في المستقبل ولها سعر ” معقـــول ” في السوق، ويقول لينش أن لابد من أن المستثمر يتعرف بشكل دقيق على هذه الأرقام في الشركة التي يريد أن يستثمر بها: الأرباح السنوية، نمو الأرباح، نسبة السعر إلى الأرباح، نسبة السعر إلى الأرباح مقارنة بمتوسطها التاريخي، نسبة السعر إلى الأرباح مقارنة بمتوسط الصناعة، نسبة السعر إلى الأرباح، نسبة السعر إلى معدل نمو الأرباح – وهي النسبة التي قام باكتشافها والمنجز العظيم له، نسبة الدين إلى حقوق الملكية، صافي النقد لكل سهم، الأرباح ونسبة الدفع والمخزون.
سجال مديد لعقود طويلة من الزمن، حققت كلا المدرستــــان الضجيج في يومًـــــا ما، الان بدأ الاندماج بينهم يكون هو الحل العادل لهذا السجال، فالمحافظ الحديثـــة تكون مزيج بين أسهم القيمة – أسهم جراهام – وبين أسهم النمو – أسهم لينش، قد تكون هذه النوع من المحافظ الجديدة ليس لها البريق اللامع الذي يصاحب محافظ المدرستين منفصــــلة، ولكن له من النتائج ما هو مُرضـــــي للمستثمر ومحافظ على رأس المال الخاص به. الاقتصاد الذي أخرج جراهــــام وجاء بلينش من بعده، سيأتي بشخص ما يبني محافظ جديدة بطريقة ما لم نعرفها بعد وتحطم كل ما جاء به القرن الماضي، ليستمـــر الحديث بلا نقطة توقف.
اقتباس اقتصادي: ” عند الاستثمار في الأسهم أنظر الى نفسك كمالك للشركة وليس كمضارب ” – بنيامين جراهام.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال