الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
العلاقة بين مؤشر سوق الأسهم السعودية والعوامل الاقتصادية المختلفة مثل أسعار النفط والتطورات الجيوسياسية وعرض النقود (M3) وأسعار الفائدة هي علاقة معقدة ومتعددة الأوجه. وفي حين تلعب أسعار النفط دوراً كبيراً في التأثير على سوق الأسهم، حيث توجد علاقة إيجابية بين تحركات أسعار النفط وعوائد سوق الأسهم، غير أن أسعار النفط ليست الوحيدة التي تؤثر في تحركات سوق الأسهم، حيث يمكن للعوامل الجيوسياسية أن تزيد من تعقيد هذه العلاقة.
ويمكن أن تؤدي الصراعات أو عدم الاستقرار السياسي في المنطقة إلى تقلبات في أسعار النفط، مما قد يؤثر سلباً على ثقة المستثمرين وأداء سوق الأسهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن التفاعل بين عرض النقود وأسعار الفائدة يمكن أن يعمل على تعزيز أو تعويض آثار التغيرات في أسعار النفط. فقد يؤدي زيادة المعروض النقدي إلى انخفاض أسعار الفائدة، وتشجيع الاستثمار في الأسهم، مما قد يوازن أي آثار سلبية ناجمة عن انخفاض أسعار النفط.
وعلى العكس من ذلك، قد يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى إضعاف أداء سوق الأسهم على الرغم من ارتفاع أسعار النفط، حيث إن ارتفاع تكاليف الاقتراض يمكن أن يؤثر سلبا على ربحية الشركات. وبالتالي، في حين أن هناك حالات تتحرك فيها هذه العوامل جنبًا إلى جنب، إلا أن هناك أيضًا فترات قد تعوض فيها بعضها البعض، كما يحدث حالياً مما يؤدي إلى فهم أكثر دقة للديناميكيات التي تؤثر على أداء سوق الأسهم السعودية.
تتميز العلاقة بين مؤشر سوق الأسهم السعودية وأسعار النفط بارتباط إيجابي كبير، ويرجع ذلك إلى اعتماد المملكة الكبير على عائدات النفط لتحقيق نموها واستقرارها الاقتصادي. ولذا فإن تقلبات أسعار النفط تؤثر على أداء سوق الأسهم السعودية، حيث يؤدي ارتفاع أسعار النفط بشكل عام إلى ارتفاع أسعار الأسهم، كما يتضح ذلك خلال الفترة من 2010 وحتى 2014، والتي شهدت فيها أسعار النفط مستويات مرتفعة تجاوزت 120 دولار للبرميل، والذي واكبه صعوداَ سريعاً في مؤشر السوق من 4130 نقطة في مارس 2009، ليبلغ 1117 نقطة في سبتمبر 2014. غير أن هذا الارتفاع تبعه تراجعاً حاداً بعد أن انهارت أسعار النفط مع بداية 2015، إذ انخفض مؤشر السوق إلى 7482 نقطة في أكتوبر 2019. ولذا فإن التغيرات في أسعار النفط لها تأثيرات كبيرة على أسعار الأسهم في المملكة إيجابا وسلباً. ويؤكد ذلك ما حدث ابتداءً من النصف الثاني 2020 بعد قيام مجموعة أوبك وحلفائها ومنهم روسيا بخفض الإنتاج وبالتالي الارتفاع الحاد في أسعاره، والذي ساهم في استمرار صعود مؤشر السوق من 5960 نقطة في مارس 2020 ليبلغ 13820 نقطة في يونيو 2024، ليثبت وجود علاقة سببية ثنائية الاتجاه بين أسعار النفط وأداء سوق الأسهم السعودي، (الرسم البياني 1رقم).
الرسم البياني رقم 1: علاقة سوق الأسهم السعودي بأسعار النفط والتطورات الجيوسياسية
علاوة على ذلك، فإن آثار هذه العلاقة تمتد إلى ما هو أبعد من ردود أفعال السوق المباشرة، لتؤثر على الظروف الاقتصادية الأوسع داخل المملكة. وغالبًا ما يعتبر أداء سوق الأسهم على أنه مقياس للأداء الاقتصادي العام، إذ أن اقتصاد المملكة يعتمد بشكل كبير على إيرادات صادرات النفط. ولذا فإن التغيرات في أسعار النفط يمكن أن يكون لها آثار مضاعفة عبر مختلف القطاعات. فخلال فترات ارتفاع أسعار النفط، يمكن أن تؤدي زيادة الإيرادات الحكومية النفطية إلى ارتفاع الإنفاق العام والاستثمار، وهو ما يمكن بدوره أن يعزز أداء الشركات في سوق الأسهم. وعلى العكس من ذلك، يمكن أن يؤدي انخفاض أسعار النفط إلى قيود على الميزانية العامة وانخفاض النشاط الاقتصادي، مما يؤثر سلبًا على الشركات وبالتالي أسعار الأسهم. ولذلك، فإن فهم الديناميكيات بين أسعار النفط وسوق الأسهم السعودي أمر بالغ الأهمية للمستثمرين وصانعي السياسات الاقتصادية على حد سواء، لأنه يوفر نظرة ثاقبة للاتجاهات الاقتصادية المحتملة وفرص الاستثمار.
تعد العلاقة بين مؤشر سوق الأسهم السعودي، وعرض النقود (M3) مجالًا مهمًا لفهم ديناميكيات السوق المالي في المملكة العربية السعودية. وتؤدي الزيادة في المعروض النقدي عمومًا بانخفاض أسعار الفائدة، مما يحفز على الاستثمار والاستهلاك، وبالتالي يؤثر ذلك بشكل إيجابي على ربحية الشركات المدرجة في السوق وبالتالي أسعار أسهمها. وقد بدى هذا الارتباط بشكل كبير في تراجع مؤشر سوق الأسهم من 1117 نقطة في سبتمبر 2014 إلى 5461 نقطة في أكتوبر 2016، وذلك بعد أن تراجع معدل نمو النقد من + 14.5% في أكتوبر 2014 إلى – 4.16% في أغسطس 2016، وهي الفترة التي شهدت أيضاً انهيار أسعار النفط. كما أنه في مختلف الأسواق، وبشكل خاص في الاقتصادات النفطية، يوجد ارتباط إيجابي بين عرض النقود، الذي يتأثر بشدة بإيرادات النفط والإنفاق الحكومي، لا سيما تلك المرتبطة بمشاريع البنية التحتية والتنموية التي تمولها الحكومة، وينعكس ذلك على أداء أسواق المال. فعلى وجه التحديد، بالنسبة لسوق الأسهم السعودي، يمكن أن يؤدي التوسع في النقد إلى زيادة السيولة لدى الشركات والأفراد، مما يشجع المستثمرين على تخصيص المزيد من رؤوس أموالهم في سوق الأسهم، وبالتالي ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الأسهم، (الرسم البياني رقم 2).
لقد عكس مؤشر سوق الأسهم اتجاهه إيجاباً منذ بداية 2017، حيث شهد صعوداَ في الفترة التي استمر فيها عرض النقود ينمو بوتيرة عالية حتى بلغ +11.6% في نوفمبر 2020، ليستمر مؤشر سوق الأسهم في الصعود باستثناء فترة قصيرة شهد فيها تراجعاً حاداً ما بين شهري مارس ويونيو 2020، وذلك في أعقاب وباء كورونا. لكن مؤشر السوق عاد ليرتفع، حيث بلغ 13820 نقطة في مايو 2022، مستفيداً أيضاً من التخفيض الكبير في أسعار الفائدة مواكباً لقرار الاحتياطي الفدرالي. إلا أنه وعلى إثر وتيرة رفع أسعار الفائدة التي أتت في الفترة بعدها ابتداءً من مارس 2022 لمواجهة معدل التضخم المرتفع في الولايات المتحدة الأمريكية، وما تبعه ايضاً من قيام البنك المركزي السعودي (ساما) برفع معدل اتفاقيه إعادة الشراء (الريبو) إلى 6%، عاد مؤشر السوق إلى الانخفاض بشكل حاد، قبل أن يعكس اتجاهه مع نهاية فترة تشديد السياسة النقدية في يوليو 2023 والتي امتدت حتى سبتمبر 2024.
وبعد أن اتخذ الاحتياطي الفدرالي قراره بخفض سعر الفائدة بنسبة 0.5% (50 نقطة أساس)، قامت ساما بخفض الريبو إلى 5.5%، ليرتفع مؤشر السوق إلى 12344 في 25 سبتمبر 2024، مع حالة من التذبذب والتفاؤل الحذر نتيجة حدة التطورات الجيوسياسية في المنطقة.
تشكل العلاقة بين مؤشر سوق الأسهم السعودي وأسعار الفائدة، جانبًا أساسيًا من جوانب الاقتصاد الكلي. وبشكل عام، يرتبط ارتفاع أسعار الفائدة بانخفاض أداء سوق الأسهم، حيث يؤدي ارتفاع تكاليف الاقتراض إلى انخفاض أرباح الشركات وتراجع الإنفاق الاستهلاكي، مع ملاحظة وجود ارتباطات سلبية خلال فترات ارتفاع أسعار الفائدة. وقد تجلت هذه العلاقة في فترات مختلفة، حيث شهد مؤشر سوق الأسهم ارتفاعا ًليصل إلى 13820 نقطة في مايو 2022، وذلك على إثر موجة التخفيض في أسعار الفائدة، ليبلغ معدل الإقراض ما بين البنوك (السايبور) نحو 0.7% في الفترة ما بين يونيو 2020 ومارس 2022. إلا إن مؤشر السوق عكس اتجاهه، ولكن بوتيرة أقل منه في حالة الصعود ليتراجع إلى 10293 نقطة إثر توجه أسعار الفائدة إلى الارتفاع عندما بلغ السايبور 6.3% في نوفمبر 2023.
وقد يعود بطء وتيرة التراجع في مؤشر السوق على الرغم من التأثير السلبي لارتفاع أسعار الفائدة إلى التأثير الإيجابي لنمو الناتج المحلي الخاص الذي كان قوياً، حيث سجل ما مقداره 4.5% في 2022، و2.67% في 2023، مما يعني أنه لا يزال بإمكان الشركات تحقيق أرباح جيدة على الرغم من ارتفاع تكاليف الاقتراض. ولذلك، فإن فهم هذه العلاقة المتعددة الأوجه بين أسعار الفائدة ومؤشر سوق الأسهم السعودي أمر بالغ الأهمية للمستثمرين، (الرسم البياني رقم 3).
يمكن فهم ديناميكيات أسعار الفائدة وأداء سوق الأسهم من خلال سلوك المستثمرين، فعندما ترتفع أسعار الفائدة، تتضاءل بطبيعة الحال القيمة الحالية لتدفقات العوائد لنقدية المستقبلية من الأسهم، وهذا ما يدفع المستثمرين إلى إعادة تقييم محافظهم الاستثمارية. وفي حال السوق السعودية، مع ارتفاع أسعار الفائدة خلال عامي 2022-2023، حول المستثمرون جزء من مخصصاتهم في الأسهم إلى الودائع البنكية ذات الدخل الثابت الذي كان يتراوح ما بين 5.5% و6%، سعياً إلى عوائد أكثر أمانا. ولقد ساهم هذا التحول في الضغوط الهبوطية على أسعار الأسهم، خاصة في القطاعات الحساسة لتغيرات أسعار الفائدة، مثل العقارات والسلع الاستهلاكية. وعلى العكس من ذلك، فعندما تكون أسعار الفائدة منخفضة، تنخفض تكلفة رأس المال، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الأسهم، وهو ما حدث بعد انخفاض السايبور إلى 5.6% في سبتمبر 2024، مع التوقعات باستمرار وتيرة التخفيض في أسعار الفائدة خلال نهاية العام والعام القادم. تعتبر العلاقة ما بين القيمة السوقية لسوق الأسهم وتحركات أسعار الفائدة معقدة ومتعددة الأوجه، مما يعكس البيئة الاقتصادية الأوسع التي يعمل فيها السوق. وحيث إن أسعار الفائدة المنخفضة تحفز النشاط الاقتصادي وتعزز أرباح الشركات، فقد ارتفعت تقييمات الشركات لتبلغ 12.47 تريليون ريال في أبريل 2024.
وعلى العكس من ذلك، فقد أدى ارتفاع أسعار الفائدة في بداية 2022 إلى زيادة تكاليف الاقتراض، وتقليص أرباح الشركات، حيث انخفضت القيمة السوقية لأسهم السوق إلى 10.13 تريليون ريال في سبتمبر 2024.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال