الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
موضوع يشغل بالي من فترة وهو كيفية تطبيق مبدأ “العلم بالقانون” على نحو فعال؟
ابتداءً يذكر شراح القانون أن العلم بالقانون يتحقق بنشر تلك التشريعات من خلال الوسائل المعتمدة داخل الدولة، أو بطريقة أخرى هو علم الناس بصدور وثيقة تشريعية (سواءً أنظمة، أو لوائح، أو سياسات ونحوه) جديدة أو التعديل عليها من خلال مصدر رسمي واحد متاح للجميع حق الاطلاع عليه، فبتالي يُفترض علمهم وإلزامهم به ،وفي السعودية يتحقق ذلك بنشر الوثائق التشريعية من خلال جريدة أم القرى.
السؤال الذي يطرح نفسه الان هل مجرد النشر بالمعنى السابق يُحقق علم الكافة به؟ بمعنى عندما تُنشر وثيقة تشريعية وتكون مصطلحاتها متخصصة في مجال محدد كالضريبة على سبيل المثال، ويكون من الصعب فهمها حتى على بعض القانونيين غير المتخصصين في المجال الضريبي، فكيف نلزم الناس بشيء لم يفهموه بشكل جيد؟
اقصد بتساؤلي هذا مراجعة فكرة أن مجرد النشر يقتضي بالضرورة العلم بالقانون -مع عدم الاعتماد على وسائل اخرى تساعد على فهم هذا التشريع- قد يقول قائل أن الوثائق التشريعية لا تُطبق مباشرة إنما يعطى الناس فترة من الزمن ليُطبق بعد مضيها، سواءً بعد مضي ستة أشهر أو شهر أو أقل من ذلك أو أكثر، ويفترضون أن الناس خلال هذه المدة الزمنية أنهم تثقفوا وفهموا الأحكام والمصطلحات الواردة في هذه الوثيقة التشريعية.
نظرياً هذا الرأي فيه وجاهة، ولكن عند تطبيقه على أرض الواقع ورؤية الصورة الأكبر التي يمكن من خلالها مشاهدة أنه يصدر بشكل شبه اسبوعي أو شهري وثائق تشريعية جديدة كلياً، بل في بعض الأحيان جديدة من حيث مفاهيمها! ليس فقط على غير المتخصصين وإنما حتى على بعض القانونيين، فكيف يمكن للمجتمع مواكبة هذا التغيير؟
من وجهة نظري هناك طريقتان لمعالجة هذه الثغرة؛ الأولى لابد من رفع جودة التوعية بشكل أكبر من المعمول به حالياً من قبل الجهات الحكومية، علماً بأن الجهود الحالية التي يبذلونها يُشكرون عليها في محاولتهم لتبسيط مفاهيم تلك التشريعات، ولكن لاتزال هذه الجهود غير كافية لمواكبة التغيير، لهذا لابد من رفع مستوى تضافر جهود كلٍ من الجهات الحكومية والمتخصصين في تسهيل وشرح المفاهيم العامة، وبيان الحقوق والواجبات التي نُص عليها، هذا من حيث الطريقة الأولى، أما الطريقة الثانية تكون من خلال التوعية بشكل أكبر بأهمية (منصة استطلاع) ودورها في تقريب وجهات نظر الجهات الحكومية والمخاطبين بأحكام المشروع من حيث إبداء ملاحظاتهم على المشاريع التشريعية التي ستُصدر، فبالتالي يكون هناك استعداد اكبر للتعامل معها من قبل المخاطبين بأحكامها، بدلاً من أن تصدر فجأةً دون استعداد سابق لها مما قد يُشكل عائقاً في مسألة تطبيقها على أرض الواقع، لأن الصائغ التشريعي عند صياغته لمسودة المشروع التشريعي، فإنه وبحكم عمله عليها فترة من الزمن تتضمن إجراء مناقشات داخلية مع فريق العمل، وخارجية مع المتخصصين، وذوي العلاقة ، فإنه قد يحصل دون وعي منه في بعض الأحيان أن المسودة تكون واضحة ومفهومه بالنسبة له، ولكن عند قراءتها من قِبل المخاطبين بأحكامها تظهر عيوب الصياغة، من خلال استخدام مصطلحات غير مناسبة أو عدم بيان بعض الأحكام بشكل واضح، فبالتالي لتجنب ذلك فإنه من اللازم المشاركة الأولية مع المخاطبين بأحكامها كونها تساعد على حُسن صياغة احكامها، والانتباه لمواطن الضعف والقصور فيها، فلا يحسُن التعديل المتكرر خلال فترات زمنية قصيرة بعد النشر والنفاذ، فهذا قد يُعد أحد المؤشرات على ضعف الصياغة.
في الختام وبعد هذه المعطيات هل لا تزال مقتنع بإمكانية تطبيق مبدأ (النشر يقتضي العلم بالقانون) على النحو المأمول في الوضع الراهن أم لا؟
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال