الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الاقتصاد غير النفطي يمثل مفتاح التغيير نحو المستقبل المشرق، وقد وضعت رؤية المملكة 2030 الأسس اللازمة لتحقيق ذلك من خلال إطلاق برامج تهدف إلى تطوير هذا الاقتصاد. فلا يخفى على أحد أن المملكة العربية السعودية قد شهدت نمواً اقتصادياً ملحوظاً، بفضل الله أولاً ثم الثروة النفطية التي ساهمت في التنمية الاقتصادية للبلاد.
وقد حققت المملكة فائضاً مالياً كبيراً، وأسست احتياطات ضخمة خلال الفترات الماضية، وأنفقت بسخاء على المشاريع المختلفة، من طرق وجامعات ومطارات ومستشفيات، في سعي دؤوب لتطوير البنية التحتية.
تعتبر جميع هذه المتغيرات إيجابية للغاية من منظور التنمية الاقتصادية، لكن في المقابل، يعاني الاقتصاد من “إدمان” قاسٍ على النفط، حيث كان الاعتماد في الفترات السابقة على الدعم المالي الحكومي. فعندما يتوفر ضخ مالي وتُقام مشاريع جديدة، يبدأ الاقتصاد غير النفطي في الازدهار، حيث إن الضخ المالي معتمدا بشكل كبير على أسعار النفط والايرادات التي تأتي من النفط. كما أن الاقتصاد غير النفطي قد ارتكز على العمالة غير المدربة، مما أوجد له بيئة خصبة للنمو غير المخطط، والتي ساهمت في تعقيد الأمر أكثر.
بينما ينمو القطاع العام، وينتعش مع التنمية الاقتصادية، نجد أن القطاع الخاص يتطور على نحو عشوائي، ويستقطب أعدادًا هائلة من العمالة غير المدربة وغير المتعلمة. فعدد العاملين في القطاع الخاص قد تجاوز 8.9 مليون عامل، في حين لا يتجاوز عدد السعوديين 2.7 مليون. من هنا، انبثقت رؤية المملكة 2030 لتصحيح هذا المسار، حيث تهدف إلى تشجيع القطاع الخاص على توظيف السعوديين وتوفير البيئة الملائمة لهم، ليصبح هذا القطاع معتمدًا على ذاته، بعيدًا عن الاعتماد على الإنفاق الحكومي والمشاريع العامة.
لقد جاءت هذه الرؤية في وقت حرج، بعد تراجع أسعار النفط في عام 2015، مما أسفر عن عجز ملموس في الميزانية وارتفاع معدلات البطالة. حيث ركزت على عدت أهداف ومن أبرز أهدافها هو رفع مساهمة القطاع الخاص إلى 65% من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2030، وخلق قطاع خاص قوي قادر على الاستقلالية في مجالات النمو والاستدامة المالية، وتطوير المشاريع وخلق فرص العمل.
من المعروف أن اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط قد أدى إلى إضعاف في الاقتصاد غير النفطي، مما جعله يعتمد بشكل أساسي على القطاع العام. ولم يقتصر التأثير في ذلك، بل إن ميزانية الحكومة تتأثر بشكل واضح بتقلبات أسعار الطاقة.
ومع بزوغ رؤية 2030، شهدنا تحولًا جذريًا من الاعتماد على اقتصاد ريعي إلى تنويع الاقتصاد؛ فقد تراجع اعتماد الميزانية الحكومية على الإيرادات النفطية إلى حد بعيد، حيث انخفض من أكثر من 93% إلى 61% بحلول نهاية عام 2023. في المقابل، حققت الإيرادات غير النفطية قفزة نوعية، حيث بلغت 458 مليار ريال بنهاية 2023، ما يعادل 88% من إجمالي ميزانية المملكة في عام 2016. كما ارتفعت الأنشطة غير النفطية لتصل إلى 51.4% بنهاية الربع الثاني من عام 2024، فيما تستهدف الرؤية بلوغ حجم الناتج غير النفطي إلى 4.9 تريليون ريال بحلول عام 2030.
تطور نسبة اعتماد ميزانية المملكة على الإيرادات النفطية وغير النفطية خلال الفترة من بين 2011 و2023
نلاحظ في الرسم الأخضر ارتفاع نسبة الإيرادات غير النفطية من بداية عام 2015 وحتى عام 2023، بينما الرسم في اللون الأسود انخفاض الإيرادات النفطية، حتى وصلت إلى عام 2023 في حدود 61%.
تسعى رؤية المملكة 2030 إلى تحقيق تحول جذري في الاقتصاد من خلال التركيز على القطاعات غير النفطية، حيث أطلقت العديد من المشاريع الاستراتيجية الطموحة مثل نيوم، البحر الأحمر، أمال، القدية، والمربع، فضلاً عن تطوير العلا. كما تجسد الرؤية طموحها في إنشاء الجسر البري الذي سيعيد تشكيل خارطة اللوجستيات العالمية، وكذلك تسعى لاستخراج المعادن من أعماق الأرض، حيث تقدر قيمتها بأكثر من 9.3 تريليون ريال، وتهدف تلك الرؤية إلى رفع مساهمة قطاع التعدين في الاقتصاد إلى 300 مليار ريال بحلول عام 2030، مما يمثل قفزة مذهلة بنسبة 2400% مقارنة بالمستوى الحالي الذي بلغ 12.8 مليار ريال بنهاية عام 2023.
إن هذه المشاريع ستحدث نقلة نوعية في الاقتصاد، وستعيد تشكيل قاعدته الإنتاجية في المستقبل. ومع ذلك، فإن تغيير قاعدة الإنتاج الاقتصادية يستلزم وقتاً طويلاً، خاصة في ظل الاعتماد العميق على النفط كمصدر رئيسي لفترة طويلة. لكن كما يُقال، إن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، ونحن الآن نشهد تباشير هذا التغيير، ونتطلع إلى نتائج أكبر وأكثر إشراقاً مع اكتمال هذه المشاريع.
إن هذه الأرض قد أنعم الله -سبحانه وتعالى- عليها بفيض من الخيرات، وبقيادة رشيدة وشعب عظيم فلنُعبر عن شكرنا وامتناننا لهذه النعمة التي لا تُحصى.
دمتم بخير وبحفظ الرحمن
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال