الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يواجه الاقتصاد الصيني تحديات كبيرة في ظل تباطؤ ملاحظ، فشلت الحوافز الاقتصادية حتى الآن في معالجته، على الرغم من تدخلات الحكومة الصينية، من خلال تخفيض أسعار الفائدة، وضخ السيولة في الأسواق، إلا أن النتائج لم تحقق التوقعات المرجوة، وهذه التحديات تثير تساؤلات جادة حول مستقبل الصين الاقتصادي ودورها في الاقتصاد العالمي.
القروض تعتبر أحد أبرز المؤشرات على التباطؤ الحاصل، والذي سجل أبطأ وتيرة منذ بدء تسجيل البيانات في عام 1998، فقد ارتفعت القروض بنسبة 7.8% فقط على أساس سنوي، مقارنة بمتوسط نمو بلغ 15% خلال الفترة من 1998 إلى 2023، وهذا التباطؤ يعكس انخفاضاً حاداً في الطلب على الائتمان، على الرغم من خفض بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) لأسعار الفائدة وتحفيز الإقراض، والإشكالية هنا ليست في السيولة، ولكن في غياب الثقة من قبل المستهلكين والمستثمرين بشأن المستقبل الاقتصادي مما يؤثر بشكل مباشر على القدرة في تحقيق النمو المطلوب.
أيضا، قطاع الإسكان في الصين يعيش أزمة تضغط بشدة على الطلب الكلي، فبعد أن كان هذا القطاع لسنوات طويلة أحد المحركات الرئيسة للنمو في الصين، إلا إنه يعاني اليوم من ركود حاد نتيجة تراجع مشاريع البناء بشكل ملحوظ، فالمدن الكبرى خالية تقريباً من النشاط العمراني، وبالتالي أدى هذا التراجع إلى انخفاض الطلب على المواد الخام مثل الحديد والأسمنت، والضرر – تباعا – يلحق بسلاسل توريد واسعة تعتمد على هذا القطاع، مما يُضعف أداء الاقتصاد الصيني بشكل عام.
من زاوية أخرى، يُظهر ضعف الطلب الصيني على النفط مدى حجم التحديات الاقتصادية التي تواجهها، فالصين التي كانت تقود النمو في الطلب العالمي على النفط لعقود، أصبحت اليوم مصدراً للقلق في أسواق الطاقة، وبما أن انخفاض النشاط الصناعي والبناء أدى إلى تراجع استهلاك النفط، فهذا لم يساهم فقط في انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، ولكن يثير قلقاً بشأن استقرار الطلب العالمي على الطاقة.
إضافة لما سبق وفي ظل الظروف الراهنة للاقتصاد الصيني، بدأ المستثمرون في اللجوء إلى الملاذات الآمنة، مثل الذهب الذي شهد بداية تعاف، وقد جاء في تقرير بنك “جولدمان ساكس” بأن سعر الذهب متوقع أن يصل إلى 3000 دولار للأوقية بحلول ديسمبر 2025، وهناك أيضا توجه إلى العملات المشفرة، وقد حققت “البيتكوين” مكاسب بنسبة 33.6% منذ الرابع من نوفمبر، وهذا المساق يُظهر تزايد الثقة في الأصول الرقمية كملاذ آمن في ظل اضطراب الأسواق التقليدية، بالرغم من مخاطرها نتيجة المضاربات المفرطة فيها والمؤدية إلى فقاعات اقتصادية ذات نهايات كارثية، وتقويض قدرة البنوك المركزية على إدارة سياساتها النقدية بفعالية بسبب توسع استخدامات العملات المشفرة.
لكن، لا يزال هناك أمل في استعادة الاقتصاد الصيني لزخمه بتركيز حكومتها على تعزيز الطلب المحلي من خلال زيادة الدعم الموجه للمستهلكين وتخفيض الضرائب، مع عملية تسريع إصلاح قطاع الإسكان من خلال تقديم حوافز للمطورين العقاريين، وتسهيل شروط الإقراض لشراء المنازل، كما يُمكن للصين الاستفادة من شركات قطاع التكنولوجيا والابتكار الضخمة، فالشركات الصينية مثل “هواوي” و”علي بابا” قادرة على قيادة مرحلة جديدة من النمو الاقتصادي إذا ما تم دعمها بالسياسات الحكومية المناسبة.
إذا استمرت الصين في مواجهة هذا التباطؤ دون اتخاذ إجراءات جذرية – وهذا مستبعد – فقد تتعرض لخسائر طويلة الأمد تؤثر على مكانتها كقوة اقتصادية عالمية، ولكن تستطيع إدارة الأزمة بفعالية من خلال تصحيحات هيكلية شاملة لتعزيز الثقة ودعم الطلب المحلي، والتاريخ يثبت أن الصين قد تجاوزت أزمات اقتصادية كبرى من قبل، كما حدث خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2008، ولكن النجاح هذه المرة يعتمد على سرعة استجابتها ومدى قدرتها على اتخاذ وتنفيذ قرارات إصلاحية عميقة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال