الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عندما نتحدث عن التحول الرقمي العالمي، لا يمكن تجاوز المملكة العربية السعودية، التي باتت تقدم نموذجًا طموحًا لتحويل الاقتصاد الوطني من الاعتماد على الموارد الطبيعية إلى اقتصاد مبني على الابتكار والتكنولوجيا. الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة ضمن هذا التحول؛ بل هو المحور الأساسي لرؤية المملكة 2030، التي تتجسد في أرقام واستراتيجيات ميزانية 2025. هذه الميزانية ليست فقط وثيقة مالية، بل خارطة طريق تُرسم بأهداف كبرى، تدمج التكنولوجيا مع التنمية، وتجعل من السعودية مركزًا عالميًا للتقدم الرقمي.
20 مليار ريال لتمكين الذكاء الاصطناعي:
أعلنت الحكومة عن تخصيص أكثر من 20 مليار ريال سعودي لمبادرات الذكاء الاصطناعي والابتكار الرقمي ضمن ميزانية 2025، مما يعكس حجم الرهان على هذا المجال كأحد أعمدة النمو الاقتصادي المستدام. هذا الرقم، الذي يعادل حوالي 2.5% من إجمالي الميزانية، يؤكد التزام المملكة ببناء مستقبل يتوافق مع طموحاتها، حيث تُخطط لرفع مساهمة الذكاء الاصطناعي في الناتج المحلي الإجمالي من 8.5% في 2022 إلى 15% بحلول 2030.
“نيوم” مختبر الذكاء الاصطناعي العالمي:
مشروع “نيوم” يعدّ المثال الأبرز لرؤية السعودية حول الذكاء الاصطناعي. هذه المدينة المستقبلية، التي تبلغ ميزانيتها 500 مليار دولار، تعتمد بالكامل على الذكاء الاصطناعي لإدارة كافة الجوانب، بدءًا من النقل وحتى أنظمة الطاقة المتجددة وإدارة المدن الذكية. تشير التوقعات إلى أن نيوم ستساهم بحوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، مما يجعلها نموذجًا عالميًا للابتكار الرقمي والاعتماد على الذكاء الاصطناعي.
التعليم.. ركيزة التحول:
في إطار رؤية متكاملة، تُركز المملكة على تطوير رأس المال البشري ليكون في طليعة الثورة الصناعية الرابعة. تستهدف برامج الحكومة تدريب 30 ألف متخصص في الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2025، بزيادة 50% عن الأرقام الحالية. وفقًا للإحصائيات، من المتوقع أن يرتفع الطلب على المتخصصين في الذكاء الاصطناعي بنسبة 25% سنويًا داخل المملكة، وهو ما يجعل هذه الاستثمارات في التعليم والتدريب ضرورة وليست خيارًا. إضافة إلى ذلك، يتم تطوير 10 جامعات ومؤسسات تعليمية لتصبح مراكز عالمية في أبحاث وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
الصحة: ذكاء اصطناعي لإنقاذ الأرواح:
في قطاع الصحة؛ يشهد الذكاء الاصطناعي تطبيقات واعدة. تشير التقارير إلى أن الأنظمة الذكية التي تم تبنيها بالفعل ساهمت في خفض وقت التشخيص بنسبة 60% وزيادة دقة التشخيصات بنسبة تصل إلى 90%. على سبيل المثال، تعتمد بعض المستشفيات على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل صور الأشعة واكتشاف الأمراض المزمنة مبكرًا، مما يقلل من التكاليف التشغيلية بحوالي 20%. بحلول عام 2025، تستهدف المملكة استخدام هذه التقنيات لتغطية 80% من الخدمات الصحية الحكومية.
الطاقة: قيادة التحول نحو الاستدامة
لا يزال قطاع الطاقة يمثل العمود الفقري للاقتصاد السعودي، لكنه اليوم يتجه نحو الاستدامة بفضل الذكاء الاصطناعي. تُستخدم الخوارزميات الذكية لتحليل استهلاك الطاقة، وإدارة شبكات الطاقة المتجددة، وتعزيز كفاءة إنتاج النفط. تشير التقديرات إلى أن هذه المبادرات ستسهم في تقليل الانبعاثات الكربونية بنسبة 25% بحلول 2030، مما يضع المملكة في مقدمة الدول التي تقود التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون.
التحديات.. وكيفية التغلب عليها
رغم هذه الإنجازات، تواجه المملكة بعض التحديات في رحلتها لتبني الذكاء الاصطناعي. البيانات تشير إلى أن 65% من الشركات الناشئة في هذا المجال تواجه صعوبات تتعلق بالتمويل والامتثال التنظيمي. ولهذا، تضمنت ميزانية 2025 حزمة من الحوافز الضريبية والتسهيلات المالية لدعم رواد الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة. كذلك، تعمل الحكومة على تحديث الأطر القانونية والتنظيمية لتتماشى مع التطورات السريعة في الذكاء الاصطناعي، مما يخلق بيئة داعمة للابتكار.
الذكاء الاصطناعي وخلق الوظائف
من أبرز الأهداف الطموحة هو إيجاد وظائف نوعية جديدة. بحلول عام 2025، من المتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي في توليد 150 ألف وظيفة جديدة، تتوزع بين قطاعات التكنولوجيا، والصناعة، والخدمات. هذه الأرقام تعكس تحولًا حقيقيًا نحو اقتصاد المعرفة، حيث تتكامل الأتمتة والابتكار مع تطوير مهارات القوى العاملة المحلية.
الشراكات الدولية.. نافذة على المستقبل
لضمان ريادتها، وقّعت المملكة أكثر من 50 اتفاقية دولية في مجال الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الثلاث الماضية، مع دول مثل الولايات المتحدة، والصين، واليابان. تُظهر الدراسات أن هذه الشراكات ساهمت في تسريع نقل التكنولوجيا وتطوير المشاريع المحلية، حيث تُشير الإحصائيات إلى أن حوالي 40% من تقنيات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في المملكة اليوم تم تطويرها من خلال التعاون الدولي.
نظرة إلى المستقبل
مع كل هذه الجهود والاستثمارات، يبدو أن السعودية لا تكتفي بمجاراة التطورات العالمية، بل تسعى لقيادتها. الذكاء الاصطناعي، الذي كان يومًا مجرد مفهوم نظري، أصبح اليوم قلبًا نابضًا لاقتصاد المملكة الجديد. الأرقام لا تكذب: 20 مليار ريال للاستثمار المباشر، 150 ألف وظيفة جديدة، و15% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030. لكن الأهم من هذه الأرقام هو الطموح الذي يدفع هذه الرؤية؛ طموح يبني على ما هو ممكن، ويستثمر في ما يبدو مستحيلًا.
وفي الختام؛ ميزانية 2025 ليست فقط خطة مالية، بل إعلان عن ولادة عصر جديد. في هذا العصر لن تكون السعودية مجرد مستهلك للتكنولوجيا، بل ستكون قوة إنتاجية تصنع الفارق في مستقبل الذكاء الاصطناعي. هنا يتحول الطموح إلى أفعال، والأحلام إلى واقع، والسعودية إلى نموذج عالمي يُحتذى به.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال