الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أظهر التفاعل الثقافي والإنساني بين الصين والسعودية في السنوات الأخيرة اتجاها للارتقاء الشامل، وأصبحت التبادلات بين البلدين في مجالات الإعلام والتعليم والثقافة وثيقة بشكل متزايد. واستنادا إلى الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى واتفاقيات التعاون الاستراتيجي الموقّعة بين الطرفين، نجح البلدان في تعزيز تفاهم شعبي عميق من خلال التبادل الثقافي، مما ساهم في ضخ ديناميكية فريدة في العلاقات الثنائية وأرسى أساسا متينا للشراكات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
التبادل الثقافي: تعميق التفاهم والثقة
يعد التبادل الثقافي وسيلة مهمة لتعزيز الروابط بين الناس. وفي أكتوبر الماضي، قام وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان ووزير السياحة الأستاذ أحمد بن عقيل الخطيب بزيارة إلى الصين، حيث وقع الجانبان على البرنامج التنفيذي لإقامة العام الثقافي السعودي الصيني 2025، إضافة إلى اتفاقيات تعاون في مجالات الآثار والمتاحف.
أُقيمت فعاليات “ليالي الفيلم السعودي” لأول مرة في الصين، حيث عُرضت أفلام سعودية مثل “طريق الوادي” (Valley Road) و “مطارد النجوم” (Star Chaser) في مدن بكين وشانغهاي وسوتشو، مما أتاح للجمهور الصيني فرصة استثنائية للتعرف على الثقافة السعودية. من ناحية أخرى، تخطط السعودية لتنظيم فعاليات مماثلة في عام 2025 لعرض أفلام صينية في السعودية، لتعميق التفاهم الثقافي بين شعبي البلدين. وأكد الأمير بدر أن هذه الفعاليات ليست مجرد استعراض للثقافة، بل هي بمثابة مفتاح نحو المستقبل وتعزيز الرخاء المشترك للبلدين.
تعليم اللغة: الارتباط بالمستقبل
تعد اللغة وسيلة هامة للتبادلات الثقافية وأساسا لتنمية المواهب وتعزيز التعاون. وفي إطار “رؤية السعودية 2030″، أصبح تعليم اللغة الصينية أحد مجالات التعاون الرئيسية بين الصين والسعودية. ابتداء من عام 2019، أدرجت السعودية اللغة الصينية في المناهج الدراسية في التعليم الابتدائي والثانوي والعالي، وتخطط لتقديم دورات اللغة الصينية في أكثر من 700 مدرسة وتوفير 800 وظيفة تدريسية جديدة. وفي أغسطس من هذا العام، انطلقت الدفعة الأولى من 175 معلما صينيا لتدريس اللغة الصينية في السعودية، بينما أُرسل 100 معلم سعودي إلى الصين للدراسة للحصول على درجة الماجستير في اللغة الصينية لتخريج المزيد من المعلّمين المحليين في تدريس اللغة الصينية في المستقبل.
تساهم المؤسسات التعليمية الصينية مثل معاهد كونفوشيوس في توفير تعليم عالي الجودة للغة الصينية في السعودية. فعلى سبيل المثال، تُقدّم جامعة الأمير سلطان بالتعاون مع جامعة شنتشن الصينية برامج لتعليم اللغة الصينية للسعوديين، فلا يوفر ذلك فرصا لتعلم اللغة الصينية للشباب السعودي فحسب، بل يوفر أيضا دورات مخصصة للشركات لمساعدة المزيد من السعوديين على دخول سوق العمل الحديث. وقال الدكتور حسن بن محسن خرمي، نائب وزير التعليم السعودي، في المؤتمر العالمي للغة الصينية، إن “تعلم اللغة الصينية يزود الطلاب السعوديين بالمهارات اللازمة للتكيف مع سوق العمل الحديث ويخلق المزيد من فرص التعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والسياحة.”
في الوقت نفسه، يزدهر تعليم اللغة العربية في الصين أيضا، مما يوفر المواهب اللغوية للتواصل الثقافي السعودي والتواصل بين الشركات الصينية والسعودية. وقد أدى هذا التبادل الثنائي للغة والتعليم إلى تنمية جيل جديد يتقن اللغتين ويفهم ثقافتي البلدين، مما يوفر احتياطيا قويا من المواهب للتبادلات الشعبية المستقبلية بين الصين والسعودية.
التعاون الإعلامي: بناء نمط جديد من التواصل ثنائي الاتجاه
تلعب وسائل الإعلام دورا هاما في تعزيز التفاهم المتبادل والتبادلات الثقافية وتحقيق التناغم الاقتصادي. وفي نوفمبر الجاري، زار وزير الإعلام السعودي سلمان بن يوسف الدوسري الصين ووقع عددا من اتفاقيات التعاون الاستراتيجي مع مؤسسات إعلامية صينية مثل وكالة أنباء شينخوا ومنصة ويبو. يوفر إطلاق النسخة الصينية من موسوعة “سعوديبيديا”، منصة رقمية موثوقة للمستخدمين الصينيين لفهم تاريخ السعودية وثقافتها وإنجازاتها الاقتصادية.
وفي إطار التوجه نحو الأجيال الشابة، توسعت السعودية والصين في التعاون بمجالات مثل الرياضات الإلكترونية والمحتوى الرقمي. فبفضل الاتفاقيات الموقعة مع منصة ويبو، سيتم الترويج لفعاليات الرياضات الإلكترونية السعودية في الصين، مما يساهم في تقديم المنتجات الثقافية الرقمية السعودية إلى الجمهور الصيني. وتُعد هذه الخطوة علامة فارقة لتعزيز الحضور الثقافي السعودي دوليا وفتح آفاق جديدة للتعاون في الصناعات الناشئة.
ومن خلال التبادلات الثقافية والتعليمية والإعلامية، عززت الصين والسعودية التفاعلات الشعبية بين البلدين وزادتا فهم الشعبين والاعتراف ببعضهما البعض، مما يُمهّد الطريق لتعاون أوسع في مجالات الاقتصاد والتجارة. وبالتطلع إلى المستقبل، يمكن للصين والسعودية مواصلة تعزيز الحوار الثقافي والتعلم المتبادل بين الحضارات من خلال منصات متعددة الأطراف، والاستفادة الكاملة من موارد كلا الطرفين، وتحويل التفاهم الثقافي إلى زخم تعاون.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال