الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الصناعة هي العمود الفقري لاقتصادات الدول، وتصنف بموجبه الدول الدول الصناعية وغير الصناعية !
لقد تحولت معظم الأنشطة الاقتصادية إلى صناعات قائمة على تقنيات حديثة تحقق اضعاف ما كانت تحققه قبل ذلك. فاصبح البناء صناعة واصبحت الزراعة صناعة واصبحت الخدمات صناعة ايضا اضافة للصناعات الثقيلة كالطائرات والسفن واليخوت والمركبات الفضائية والمعدات الحربية والالات وغيرها .
بدأت الصناعة على خلاف بين المؤرخين عام 1760 تقريبًا في بريطانيا وفي بلدان أخرى لاحقًا، ويتميز بشكل رئيسي باستبدال الآلات التي تعمل اعتمادًا على الطاقة مثل المغزل الآلي والمحرك البخاري بالأدوات اليدوية، لكن بدأت الصناعة شكل آخر خلال عقود 1800م تبعاً للتقدم التقني الذي بدأ في ذلك العصر واستمر التطور إلى العصر الحالي. بدئاً باكتشاف الآلة البخارية وصناعة السفن القطارات وقضبان الحديد وسهل التنقل بين المدن والدول للأفراد والبضائع والأسواق وهذه سميت بالنهضة الصناعية الاولى حيث كانت بريطانيا تتسيد العالم وتحتل العديد من الدول وتوسع هذا النشاط ليشمل أوربا وأمريكا غرباً واليابان وكوريا والصين مؤخراً شرقاً.
أن الصناعة (أي صناعة) لابد لها مواد خام تقوم عليها حيث تتولى الصناعة تحويل هذه المواد الخام التي تكون عادة متدنية الثمن وتحويلها إلى منتجات نهائية لمتطلبات الحياة العصرية وتكون بعشرات أضعاف قيمة موادها الخام .
وحيث تفردت الدول العضمى المتقدمة علمياً وتقنياً بالسبق في ايجاد صناعات تحويلية معتمدة على مواد خام سواء من داخلها او تستوردها من دول تفتقر لهذه البنى والتقنيات، ولاشك ان الصناعات التحويلية تتطلب الاموال لإنشاءاتها فأستقطبت الاستثمارات اليها وبقيت الدول المنتجة للمواد الخام مزود لهذه الدول . بل اصبحت الدول الأخيرة أسواق رائجة لمنتجات الدول الصناعية التي تستورد منها موادها الخام !.
ومن هنا تسعى الدول الصناعية للتفوق الدائم في تطوير صناعاتها التحويلية وتعمل من خلال التكتلات الاقتصادية والسياسات لحماية أسواق منتجاتها ومصادر المواد الخام التي تزود مصانعها والحيلولة دون تحول هذه المصادر لصناعات تحويلية ما امكن ذلك ! لان في ذلك خطر على صناعتها بتقويضها أو رفع التكلفة عليها .
ان استيراد النفط الخام او خامات المعادن الطبيعية كالبوكسات واللقيم بكل أنواعه وتصنيعها وإعادتها للدول الاقل نمو او الاستهلاكية هو محور ازدهار اقتصادات الدول العظمى حالياً، وان استمرار تصدير الدول النامية لخاماتها ومصادرها الطبيعية دون وضع الاستراتيجيات والخطط لتطوير صناعاتها ينعكس سلباً على مجتمعاتها ويهدد مواردها بالنضوب ، فالصناعة تخلق الوظائف وتستقطب الاستثمارات وتجلب رؤوس الاموال وتزدهر بها المجتمعات .
ان المتأمل إلى ما تعيشه كثير من الدول الأفريقية وبعض دول أمريكا اللاتينية والآسيوية وبقائها رهينة لتزويد الدول الصناعية بموادها الخام بأثمان متدنية نتج عنه تخلف هذه الدول أقتصادياً وجعلها تعاني من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهجرة ابنائها للبحث عن العمل .
فحري بالدول النامية للمسارعة بعمل الخطط لتعظيم الفائدة من مصادرها الطبيعية وموادها الخام وخلق صناعات تحويلية وسد حاجاتها اولاً منها وتصديرها ثانياً وهذا يتطلب الاهتمام بالتعليم وتوطين التقنيات وانشاء البنى التحتية اللازمة للصناعة وتطوير ادوات الاستكشاف والاستخراج لثرواتها الطبيعية وأفضل السبل للاستفادة منها ولاشك ان انشاء المصانع قريب من مصادر المواد الخام فيه خفض لتكلفة الانتاج وهذا سوف يجلب الاستثمارات المحلية والأجنبية ويجعلها اكثر جدوى ومنافسة من استيراد المواد وتصنيعها واعادة تصديرها .
اليابان مثلاً من الدول الصناعية المتقدمة وهي من الناحية الاقتصادية واحدة من أكثر الدول تقدمًا في العالم، وهي ثاني أكبر دولة حصلت علي براءات إختراع بعد الولايات المتحدة. وتتمتع العلامات التجارية اليابانية مثل تويوتا وسوني وفوجي فيلم وباناسونيك بشهرة عالمية. يعد التصنيع أحد ركائز القوة الاقتصادية اليابانية، ولكن مع ذلك، تمتلك اليابان القليل من الموارد الطبيعية. لذلك فإن أحد الأساليب التي تتبعها الشركات اليابانية تتمثل في استيراد المواد الخام وتحويلها لمنتجات تباع محليًا و يتم تصدير معظمها. أصبحت اليابان بدءًا من 2012 ثالث أكبر دولة اقتصاديًا من حيث الناتج المحلي الإجمالي بعد الولايات المتحدة والصين، ورابع أكبر دولة اقتصاديًا من ناحية تعادل القدرة الشرائية بعد الولايات المتحدة والصين والهند. وتستورد لهذه الصناعات النفط والحديد والألمنيوم والزجاج بل حتى الأغذية والمشروبات والعصائر و 70% من مساحتها جبال بركانية فقيرة للمواد الخام أغلبها غير مأهولة وعدد السكان 123 مليون منهم 118 مليون يقطنون السواحل اليابانية ومع ذلك فهي من المجتمعات الغنية المزدهرة الذي يعتبر أفرادها من أعلى الدخل في العالم.
حجم الأقتصاد في اليابان 4.2 تريليون دولار 2023م ، ومتوسط النمو في الأقتصاد 3.5% بين عامي 2023 – 2023 ، وبلغت قيمة الصادرات 793 مليار دولار 2023م بلغ عدد صادرات السيارات لوحدها 5,970,000 سيارة في نفس العام أي 16,583 سيارة في اليوم! هذا عدى ما يتم تصنيعه من السيارات للسوق المحلي. ولك أن تتخيل ما تحتاجه صناعة السيارات فقط من المشتقات النفطية والحديد والبلاستيك والزجاج والنحاس والأقمشة والبويات وغيرها وكلها مواد مستوردة وبالتالي فأن هذا الأقتصاد المزدهر يستقطب الأستثمارات الأجنبية سنوياً وما له من تبعات إيجابية على أزدهار الصناعة وخلق الوظائف وجلب العملات وغيرها وبلغت تدفقات الأستثمارات الأجنبية لليابان العام الماضي 21 مليار دولار.
وما يقال عن اليابان يمكن القول عليه لدول أخرى مثل كوريا وسانغفورا والصين وغيرها.
ويأتي السؤال الملح، متى نتحول في صناعتنا من صناعة المواد الأساسية الى الصناعات التحويلية والمتناهية وخاصة المعتمدة على النفط لا سيما وأن عملاق الصناعات الكمياوية (سابك) ضمت الى عملاق النفط في العالم (أرامكو) ونحن ولله الحمد في مقدمة الدول المنتجة للنفط.
أن سابك بالفعل قد خطت خطوات متقدمة في تصنيع منتجات ثانوية مثل تصنيع بعض البلوليمرات الى منتجات نهائية وشبه نهائية مثل (ABS) ، (ASA) ، (PPT) ، (PMMA) ، (PVC) وغيرها من البلولميرات إلا أن المجال لا يزال في هذا الجانب متاح للمزيد من التنوع الأكثر متناهي لمتطلبات الأسواق العالمية وتعظيم الفائدة.
ومثل ذلك يمكن القول على منتجات سابك وغيرها من شركات البتروكيمياويات المحلية في تصنيع المواد الكمياوية مثل الأرومات وكلور الألكلاي ومشتقات الأيثانول والجلايكيول وغيرها ، والدخول في صناعة الأدوية والتوسع في صناعة المخصبات الزراعية والمبيدات للآفات الحشرية والزراعية.
أن الرؤية الجديدة للمملكة العربية السعودية وما نتج عنها من لفت أنظار العالم لما لدى هذه البلاد ولله الحمد من مقومات أقتصادية وموقع أستراتيجي ومواد خام وبنى تحتية وتهيئة لمناخ أستثماري مجدي وآمن تجعل لدينا خيارات طموحة لتحول الصناعة في بلادنا الى صناعات تخصصية ومتناهية وليست صناعات أولية وتعظم الفوائد لمواردنا الأقتصادية وبذلك نستقطب الأستثمارت ونوطن التقنيات وتتاح لأبنائنا المزيد من فرص العمل وتزدهر تبعاً كافة المنظومة الأقتصادية من حركة النقل وصناعة الخدمات وتكون منتجاتنا أكثر تنافسية ونحد من أستيراد مواد تصنع من موادنا الخام أصلاً وهكذا نحصل على سلسة من الفوائد الأقتصادية. والله ولي التوفيق.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال