الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مطلع القرن الجديد – القرن الواحد والعشرين – وبين ثنايا أرباح استثنائية ليس لها مثيل لقطاع التكنولوجيــا الأمريكيـــة، ظهــر روبرت شيلر الأمريكي أبن جائزة نوبـــل وجامعــــة ييل، بأيقونته ” النشوة غير العقلانيـــــة “، الكتاب الذي بعد أعوام عديدة من ظهوره الأول حصل به شيلــر على جائزة نوبل للاقتصاد مناصفــة مع الابن الأخــر فاما. ظهر الكتاب في مارس 2000م، كانت الفقاعة التكنولوجيـة في أوج عداها، حيث كان الشركات تتداول على مضاعفات 44 مرة تقريبًا، العام الذي في نهايته أنهار كل شيء تمامـــًا في الأسواق الأمريكية لتسجل بذلك خسائر هائلة تُــقدر بنصف قيمة أرباحها في القمــة، كما توقع شيلـــر في المولود الجديد! لكن مع كل هذا الهبوط الذي حصل، قد تظن أن المستثمرين كما يقول شيلـــر ” سيسارعون بالخروج من السوق بعد أن أصابتهم النيران “، لكن لم يكن الأمـــر كذلك! فقد أستمر الارتفاع والتعافي للسوق الأمريكي حتى 2005م، لتنتقل الحُمى لأسواق العقارات!
موضوع كتاب شيلـــــر يهتم بالبُعد النفسي للاقتصادات والسوق، وقد كتب سطوره الأولى قبل فقاعة التكنولوجيا بأعوام عديدة، وتوقع فيه كل ما حدث في بداية القرن الجديد. قام شيلـــــر بطرح أفكاره في الكتاب التي تتناقض تمامًا مع واقع السوق الأمريكي حينها، فقد كان الجميع يرى بأن العوائد ستسمر في الارتفاع في المستقبل، لكن شيلر يقول بأن السوق سوف يعمل على تحقيق عوائد أقل في المستقبل وأن الوضع الراهن هو مجرد ” تمادي ” صنعه المستثمرين من أنفسهم سيسقط حتمًـــا في القريب العاجل. كان شيلــر يرى بمنطقـــية لم يملكها المستثمرين وخاصة الأفراد في وقتها، كانت المؤشرات الأمريكية خلال فقط 7 سنوات قبل الفقاعة متضاعفة ثلاث مرات تقريبـــًا، لكن في الجانب الأخر فأن الناتج المحلي لم ينمو الا 30% تراكمي لنفس المدة! كان تساؤل شيلر هو هل هذا الأداء المضاعف للأسواق مبني على أُسس قويمة وحقيقة أم هي فقط تفاؤل مبالغ فيه من المستثمرين! شيلر يريد أن يثبت بأن الأسعار الأن لا تعكس كل المعلومات الاقتصادية المتاحة، وبالتالي نظرية رفيق الطريق يوجين فاما عن كفاءة السوق هي خاطئة ومضللة.
كان النمو الاقتصادي والارباح هما المتغيران الذي لم يكن هم السبب الأبرز في نمو الأوراق المالية الأمريكيـــة في مطلع القرن الجديد كما شاهدنا، ذهب شيلــــر الى دراسة متغيرات أخرى في الاقتصاد الأمريكي التي قد تساعد في تفسيـــر بعض الجنون الذي حصل في الأسواق، هذه العوامل هي ظهور الأنترنت، التغيرات الثقافية، تراجع المنافسة الاقتصادية على الولايات المتحدة، التخفيضات الضريبية ومعدل النمو السكاني، هذه العوامل عززت من تفاؤل المستثمرين في السوق الأمريكي على مدة الخمس سنوات الماضية قبل أن تتدخل في دوامة الانهيار الأخيــــر. وبحسب شيلـــــر فإن لو أن الأسواق ذات كفاءة وتعكس أسعار الأصول بدقة كما هي فإن ليس هناك “فقــــاعة” على الأطلاق، لكن هذا لم يحدث، فقد كانت الأصول – أسهم الشركات – ذات تقييمات مبالغ فيها بشكل هائل، حيث إن بعض شركات الإنترنت تسجل نمو في أسعار أسهمها على الرغم من استمرارها في الخسائر.
ينتـــقد شيلر الأعلام الأمريكي، حيث يقول إنه هو من يعزز الفقاعات الاقتصادية بسبب أن لهذه الوسائل الإعلامية توجهات محددة تقريبًــــا وواحدة، مما تدعم ثقافة “القطيـــع” لدى المستثمرين الأفراد والذين يعتبرون بأنهم هم المحرك الرئيسي لسيولة الأسواق المالية. ويرى شيلر أيضًــــا أن التفاؤل الذي يأتي مع كل عصر جديد يصاحبه تشاؤم وانهيار بسبب الغلو في نتائج مخرجات هذا العصر، قد يكون الذكاء الاصطناعي اليوم هو العصر الجديد اليوم على لسان شيلر!.
ناقش شيــلر أن ثقافة القطيع تؤثـــر بشكل هائل على الأسواق، حيث إن الآراء الشخصية والتحليل ليس لها مكان عندما يكون التيار في اتجاه واحد، ويرى هذا بأنه غريزة بشرية، فنادر ما يفكر المستثمرين بشكل مختلف ومستقل عما هو سائد لدى الجميع. ويقول شيــــلر إن الارتفاع في أسعار الأوراق المالية جاء من أن الناس والمستثمرين أدركوا مزايا وضع رؤوس أموالهم في أسواق الأسهم، ولكن هذا اليقين والإدراك يتبدد عندما تبدأ تيارات البيع فيها تظهر بين الجميع.
بدأ شيلر منهمكًـــــا في دراسة فقاعات الأسواق والتسعير الخاطئ على الرغم أنها من التقاليد والموروث المتأصل في النظام الرأسمالي بسبب أن هذه الفقاعات كما يرى شيلر بأنها “محـرقة ” للمدخرات التي لو أنها وضعت في مكان مناسب لها وصحيح لاستفاد منها الإنسان والعالم، لكن جزء منها ضخم تبخر بين أحضان أسواق ليس لها كفاءة تُذكــــر على الإطلاق. كل النقد لنظرية الكفاءة من شيـــلر إلا أنها في السنة التي حصل على جائزة نوبل فيها شاركه فيها المؤسس الأول للنظرية يوجين فاما، ليكون بذلك الاقتصاد هو الخِصــــام الناعم الطويل.
اقتباس اقتصادي: ” تعتمد مستويات السوق نظريًا على قيمة الأصول الأساسية، لكن موجات الصعود والتأرجح والانخفاض المفاجئة تُشير إلى أن النسبة البشرية هي المحرك الرئيسي ” – روبرت شيلر
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال