الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لقد بات واضحًا جليًّا للمسؤولين وصنَّاع القرار وراسمي السياسات حول العالم الأهمية الحيوية للبيانات الدقيقة الموثوقة في وضع الخطط التنموية، وفي إطار رؤية 2030 تعمل المملكة العربية السعودية على إنجاز تطور جذري وجوهري في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتمثل الإحصاءات ركيزة أساسية وعنصرًا محوريًّا في تحقيق هذا التطور والتقدم المنشود بما توفره من بيانات ومؤشرات إحصائية دقيقة وشاملة، حيث إن برامج الرؤية تعتمد على بيانات دقيقة وإحصاءات علمية لإطلاق وتوجيه المبادرات الكبرى، مثل تنويع الاقتصاد، ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وتعزيز الشفافية؛ ولذلك فإن الحاجة ملحة لتعزيز القدرة على تحليل البيانات الضخمة وإنتاج إحصاءات دقيقة تساعد في تحديد أهداف واقعية، ورسم سياسات صحيحة، تسهم في تحقيق التنمية المستدامة.
وفي هذا السياق، لابد الاشارة إلى أن القطاع الإحصائي لا يتكوَّن فقط من الجهاز الإحصائي الرسمي (ويمثله في المملكة الهيئة العامة للإحصاء)، بل يتشكل من مكوِّنات عديدة لكل منها دوره الحيوي في مجال العمل الإحصائي بمعناه الواسع، ومن هذه المكونات القطاع الغير ربحي ويمثله الجمعيات المهنية والعلمية الإحصائية المتخصصة في علوم البيانات، وأقسام الإحصاء في الجامعات، والمراكز البحثية الإحصائية. وتعدُّ الجمعيات الغير ربحية المهنية المتخصصة في الإحصاء والبيانات حلقة الوصل بين المجتمع الأكاديمي الإحصائي والقطاعين الحكومي والخاص، ومن أدوارها الأساسية توفير التدريب والتطوير المهني، حيث تقدم الجمعيات برامج تدريبية وورش عمل متخصصة للعاملين في مجال الإحصاء والبيانات، مما يسهم في تطوير مهاراتهم لمواكبة أحدث الأدوات والتقنيات في التحليل الإحصائي، وتتيح للشباب والخريجين فرص تطوير مهاراتهم. كما تسهم الجمعيات الإحصائية في بناء الشرَاكات مع الجامعات، سواء فيما يتعلق بتطوير المناهج الأكاديمية الإحصائية، أو المشاركة في مشاريع بحثية تهدف إلى جسر الفجوة – أو لنقل الهوة الكبيرة – بين الجانب النظري وبين التطبيقات العملية، وذلك من خلال تطوير حلول عملية للمشاكل الفعلية الموجودة في المجتمع، عبر جمع وتحليل ومعالجة البيانات.
ومن الأدوار المهمة التي يمكن أن تقوم بها الجمعيات الإحصائية الغير ربحية دعم السياسات الحكومية بالاستشارات العلمية والبحوث التطبيقية المتخصصة في الإحصاء المبنية على دراسات إحصائية دقيقة وواقعية، كما تقوم هذه الجمعيات بالتوعية الإحصائية المجتمعية، ونشر الوعي بأهمية البيانات والإحصاء في المجتمع من خلال عقد الندوات، الملتقيات والمؤتمرات الإحصائية، التي توضح للناس بأسلوب بسيط أهمية الإحصاء والبيانات في تعاملهم مع أمور حياتهم المختلفة، من خلال جمع وتحليل البيانات التي تسهم في اتخاذ القرارات السليمة، وتوضيح أن ما يتم على المستوى الفردي البسيط، هو عينه ما يتم على نطاق واسع وشامل عند التعامل مع المواضيع الاجتماعية والاقتصادية الكبرى، حيث تساعد البيانات والمؤشرات الإحصائية الدقيقة صناع القرار وراسمي السياسات على فهم الوقع في مختلف القطاعات والتخطيط لتطويره بشكل علمي يعتمد على البيانات والمؤشرات الإحصائية الموثوقة.
وحتى نفهم عن كثب دور الجمعيات المهنية الإحصائية المتخصصة في تحقيق مستهدفات رؤية 2030 سوف أضرب هنا بعض الأمثلة التي توضح لنا الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الجمعيات، مثل إمكانية إسهامها في دعم مشروعات التحول الرقمي من خلال توفير قاعدة بيانات متكاملة ومحدثة تساعد في تحسين الخدمات العامة وتطوير البنية التحتية الرقمية، كما أن هذه الجمعيات تسهم بالفعل في تدريب وتأهيل الكوادر الوطنية المتخصصة في التحليل الإحصائي وعلوم البيانات، مما يرفع من جاهزيتهم لسوق العمل ويعزز من مستوى التوظيف.
وبالرغم من كل هذه الأدوار الإيجابية التي تقوم بها الجمعيات المهنية والعلمية الإحصائية تجدر الإشارة هنا إلى إنها تواجه عدة تحديات، من أبرزها نقص الكوادر والكفاءات المتخصصة في التحليل المتقدم للبيانات، وهذا يتطلب العمل على جذب وتطوير كوادر وطنية تمتلك مهارات عالية في هذا المجال، كما تواجه الجمعيات الإحصائية تحديات تقنية كثيرة، حيث يتطلب العمل في مجال البيانات والإحصاء تحديثًا مستمرًّا للأدوات والمنهجيات، وهو أمر مكلف اقتصاديا، ويتطلب إمكانيات تقنية عالية لا تقدر عليها هذه الجمعيات؛ لأنها تعاني بالأساس من نقص في التمويل وتوفير الموارد المالية، وبالقطع فإن هذه الجمعيات تحتاج إلى توفير مصادر دعم مالي مستدام لضمان استمرار قيامها بأنشطتها وتقديم برامجها التدريبية المختلفة.
وفي الختام أود أن أشير هنا إلى أن الهيئة العامة للإحصاء – بحكم تنظيمها – هي الجهة الرسمية الوحيدة المعنية بتنظيم القطاع الإحصائي في المملكة، كما أنها المشرف الفني عليه، ومن المؤكد أنها تحرص على تحقيق التكامل الإيجابي الفعَّال بين مكوِّنات القطاع الإحصائي، سواءً على المستوى الأكاديمي ممثلا في الجامعات، أو المستوى المهني ممثلا في الجمعيات المهنية الإحصائية التي تشرف عليها الوحدة الإشرافية بالهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، والمركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي لتنظيم دور الجمعيات غير الربحي وتفعيله في المجالات التنموية من تقديم تراخيص واشراف مالي واداري.
حيث ان الجمعيات المهنية الإحصائية تعد همزة الوصل بين الأوساط الأكاديمية وبين قطاعات العمل والإنتاج في المجتمع، فهي بلا شك بحاجة ماسة إلى دعم وعناية واهتمام كلٍّ من: المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) والهيئة العامة للإحصاء للنهوض بها والاستفادة من مخرجاتها، وتمكينها من القيام بدورها على أكمل وجه ممكن؛ حتى تستطيع أن تؤدي دورها المنشود والمأمول في تعزيز ثقافة الاعتماد على البيانات والمؤشرات الإحصائية الدقيقة، الأمر الذي سيسهم بإذن الله في نجاح مبادرات التنمية والتطوير التي تتبناها المملكة لتحقيق رؤيتها المستقبلية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال