الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا شك في أن غسل الأموال من أخطر الجرائم المالية التي تهدد الاقتصاد العالمي والمحلي وتؤثر بشكل مباشر على استقرار المؤسسات المالية وغير المالية. على الرغم من الجهود الكبيرة المبذولة للحد منها، فإن التطور السريع للتكنولوجيا وظهور الابتكارات الرقمية يوفر بيئة خصبة لتطور الأساليب المتجددة لغسل الأموال. ومنها على سبيل المثال استخدام العملات الرقمية (العملات المشفرة) التي أصبحت من أدوات غسل الأموال الأكثر شيوعًا نظرًا لصعوبة تتبعها. ومنها كذلك التجارة الإلكترونية التي أدى ازديادها الى خلق طرقًا جديدة لغسل الأموال عبر عمليات شراء وبيع وهمية. ليس ذلك فقط بل أن الاستثمار في الأصول الافتراضية مثل شراء العقارات الافتراضية وأصول الألعاب عبر الإنترنت أصبح وسيلة من الوسائل المبتكرة لغسل الأموال.
ونظراً لما في ذلك من تأثير سلبي كبير على الاقتصاد العالمي وإضعاف للاستثمارات التي تؤدي إلى خلق بيئة غير مستقرة مما يؤثر على جاذبية الدولة للاستثمارات. وما فيها من تهديد للاستقرار المالي وتدفق الأموال غير المشروعة عبر الأنظمة المالية الذي من شأنه إحداث تذبذب لأسعار العملات وتضخم الأسواق. فإنه أصبح من الضروري تفعيل حلول مبتكرة لمعالجة قضايا غسل الأموال وتواكب هذا التطور الهائل للأساليب المتجددة لهذه الجريمة كاستخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات المالية بشكل أسرع وأكثر دقة. وتفعيل تقنيات التعلم الآلي القادرة على اكتشاف الأنماط غير العادية والمؤشرات التي قد تدل على عمليات غسل الأموال، وهو ما يجعل الرقابة أكثر فعالية. كما أن التقنيات المسماة بالبلوك تشين يُمكن لها أن تساهم بشكل كبير وفعال في تتبع الأموال، مما يجعل من الصعب إخفاء أو تغيير مسار الأموال غير المشروعة. حيث أنها تعتمد على تسجيل العمليات بطريقة لا يمكن التلاعب بها، مما يوفر شفافية ومصداقية أكبر.
ولا شك بأن التعاون بين المؤسسات المالية وتقنية مشاركة المعلومات عبر تقنية مشفرة ومخصصة لمشاركة البيانات بشكل آمن بين البنوك والمؤسسات المالية بصورة مباشرة، من شأنه توحيد المعلومات بشكل يسمح بالكشف المبكر عن العمليات المشبوهة قبل حدوث أي من أساليب غسل الأموال المتطورة. واستخدام تقنيات التعرف على الهوية البيو مترية، مثل بصمة الوجه أو العين، في العمليات المالية الذي بدوره يحد من عمليات انتحال الهوية ويصعّب على المجرمين استخدام حسابات الآخرين في غسل الأموال. إلا أن ذلك لن يكون كافياً لو لم يتم التوعية الرقمية والتدريب المكثف للتعريق بطرق غسل الأموال الحديثة وتدريب الكوادر في المؤسسات المالية و الأعمال والمهن الغير مالية المحددة في نظام مكافحة غسل الأموال ولائحته وذلك على كيفية التعرف على المؤشرات والأنماط غير الطبيعية الذي يساهم في الكشف المبكر عن هذه الجرائم. كما أنه لابد من تطوير أدوات التحليل السلوكية التي تجعلها قادرة على التنبؤ بتصرفات العملاء وتحليلها بحيث يمكن اكتشاف الأنشطة المشبوهة بناءً على سلوكهم غير المعتاد. ويجب أن لا نغفل الدور الهام بل الأهم في منظومة مكافحة جرائم غسل الأموال وهي التشريعات الحديثة في مكافحة غسل الأموال وتفعيل قوانين جديدة تتماشى مع التطورات التكنولوجية، مثل فرض قوانين لتنظيم العملات الرقمية، وتحديث السياسات بحيث تشمل الابتكارات الحديثة في الاقتصاد الرقمي.
ولا ننسى بأن جرائم غسل الأموال تظل تحديًا عالميًا يتطلب حلولاً متكاملة تجمع بين التكنولوجيا الحديثة والتعاون الدولي. من خلال تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعزيز التعاون بين المؤسسات، مما يجعل البيئة المالية أكثر أمانًا، حيث يمكن أن تلعب الابتكارات دورًا أساسيًا في تعزيز الرقابة وكشف الجرائم المالية حتى قبل وقوعها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال