الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
هذا المقال متولد من مقالي الأخير حول (حوكمة البحث والتكنولوجيا والابتكار في الشركات) المنشور في 19 أكتوبر 2024، في هذه الصحيفة. فالابتكار في التكنولوجيا كما أدّى إلى تقنية مالية؛ أيضاً أثار اهتمام المنظمة الدولية للاقتصاد والتنمية OECD بتخصيص فصل عن “حوكمة الشركات في ما يتعلق بالتكنولوجيا والابتكار”. وأحد ابتكارات التكنولوجيا هو دخولها في القطاع المالي.
وعند تأملي للمقالات المنشورة مؤخراً في صحيفة مال حول هذا القطاع؛ لحظت عناوين مختلفة، ومتظافرة حول التقنية المالية. وسأسرد تلك العناوين دون أسماء أصحابها: 1- كيف تعيد البرمجة تشكيل مستقبل القطاع المالي؟، 2- التكنولوجيا المالية… قانون جديد لعالم المال. 3- جهود بنك التنمية الاجتماعية لدعم ريادة الأعمال في التكنولوجيا المالية في السعودية، 4- مستقبل المالية بين السلوك والتقنية
وفي مقابل تلك المقالات، ثمة مقالات أخرى حول الرقابة المالية، مثل: 1- دور دليل الحسابات في تعزيز الرقابة المالية، 2- هل تلعب إدارة المخاطر دوراً في الاستدامة المالية؟ 3- بين الموثوقية والشكوك حول القوائم المالية…الجزاء الرادع يعيد الثقة للمستثمر.
هذا النوع من الكتابة عن التقنية المالية (FinTech)، والرقابة المالية؛ هو انعكاس لما يشهده القطاع المالي عالمياً في هذا المجال؛ لارتباطه بالاقتصاد والتكنولوجيا. وقد تولد عن هذا التزاوج مصطلح “التحول الرقمي والابتكار التكنولوجي”. والمملكة تدعم هذا التحوّل إلى درجة أن بنك التنمية الاجتماعية يُقرض شركات هذا القطاع لتعزيز الاستثمار في التقنية المالية، مما يؤكد كونها جزء رئيسياً في النمو الاقتصادي. ولا يخفى ما نشهده من دخول التقنية المالية في حياتنا اليومية، وأوضح مثال على ذلك: تطبيقات الدفع الرقمي، والخدمات المصرفية عبر الإنترنت.
وعلى هذا الطريق سلك المستثمرون مسلك الدولة فكان أثرهم واضحاً في هذه الصناعة. فبعض صناديق الاستثمار لدينا تكاد تحصر استثماراتها على قطاع التقينة فقط، بما فيها التقنية المالية. غير أن هذا التحوّل السريع أثار مخاوف البعض فظهرت كتابات مضادة تدعو إلى الرقابة على هذا القطاع لضمان الاستدامة المالية، وحماية أموال المستثمرين.
وهذا المقال وإن حاول قراءة ما تعكسه عناوين المقالات – آنفة الذكر – حول التقنية المالية؛ فهو يهدف أساساً إلى قراءة المخاطر المحتملة سواء في تلك المقالات أو في القطاع المالي التقني، ويختصرها في النقاط الآتية:
إبراز الجانب الإيجابي في التقنية المالية:
تلك المقالات وغيرها تصيغ المفاهيم المعقدة في هذا المجال بأسلوب يسهل على القارئ فهمه. بيدَ أن تبسيط المفاهيم المعقدة يجلب ضرراً على القارئ بإيجاد تصور قاصر حولها. إضافة إلى أن بعضها قد يركز على الجوانب الإيجابية في هذا القطاع دون إشارة للجوانب السيئة أو المخاطر المحتملة.
مخاطر محتملة:
لا تنفك هذه التقنية عن المخاطر خصوصاً وأنها ترتبط بأموال العملاء وبياناتهم. وتسرب بياناتهم أحد المخاطر، لذا فالتوسع في التقنية المالية دون أن يرافقها تشريعات مناسبة يزيد نسبة احتمالية هذه المخاطر. على سبيل المثال، المصرفية المفتوحة تشترك في بيانات العملاء مع عدد كبير من شركات التقنية المالية. وقد أصدر البنك المركزي الشهر الماضي النسخة الثانية من إطار المصرفية المفتوحة يتضمن التعليمات والمعايير الفنية – وفق أفضل الممارسات العالمية-؛ لتمكين البنوك وشركات التقنية المالية من تقديم خدمات المصرفية المفتوحة في المملكة.
فجوة بين التحوّل الرقمي المالي والرقابة عليه:
فالقطاع المالي لدينا بطيء الخُطى، غير أن ولوج التقنية إليه، حلّقت به عالياً، إلى درجة عدم لحوق التشريعات به، فضلا عن الإحاطة. فحدثت فجوة أثرت على المستثمرين. وأقرب مثال على ذلك إلزام البنك المركزي – مؤخراً – لمنصات التمويل الجماعي بالإفصاح عن المشاريع المتعثرة. فهذا النوع من منصات التقنية المالية حصلت على أموال المستثمرين، بتصريح من الجهة المختصة التي غاب عنها طريقة الرقابة عليها. مما يؤكد وجود هذه الفجوة.
معلومات مضللة أو إفصاحات ناقصة:
ثمة إفصاح ناقص في بعض إعلانات منصات التقنية المالية. على سبيل المثال، يُعلن عن فرصة استثمارية بعائد 50%. وبعد قراءة الشروط والأحكام يتضح أن من شروط الاستثمار دفع 20% رسوم للصندوق العقاري من الربح المحقق. إضافة إلى أن العائد المذكور ليس سنوياً، بل هو مجموع نسبة الأرباح المتوقعة خلال سنتين ونصف أو أكثر. أيضاً يصاحب هذا النوع من المنصات ممارسات تسويقية تثير استفهاماً، مثل: “ربحك من أول يوم”! كل ذلك يؤكد الحاجة إلى توحيد وتوضيح طرق حساب العوائد، مع إفصاحات دقيقة. وجمعيات الادخار الإلكترونية، ليست بعيدة عن خضوعها لمثل تلك المطالبات!
منافسة غير عادلة:
لوحظ في قطاع التمويل الاستهلاكي دخول مصرف الراجحي لهذا القطاع باستحواذه على جزء كبير من السوق في سنوات قليلة عن طريق شركته التابعة إمكان. في حين أن شركات هذا القطاع (التمويل الاستهلاكي) ليست مصارف – تستقبل ودائع مجانية – كي يكون لديها قدرة على منافسة البنوك. فهل السماح للبنوك بالدخول في قطاع تمويل غير مصرفي مثل التمويل الاستهلاكي عن طريق شركات التقنية المالية يؤثر على المنافسة بين البنوك وشركات التمويل الاستهلاكي؟ إذ تنوي شركة إمكان الدخول بقوة في مجال (ادفع الآن، واشترِ لاحقاً)، وهذا من مصلحة العميل، بلا شك.
الربح الكبير أو الاستدامة:
ما ندركه هو وجود ربح سريع في الاستثمار في هذه التقنية، والكتابات حول ذلك تؤكد هذا الواقع. غيرَ أن التساؤل المشروع هو مدى وجود الاستدامة المالية في هذه التقنية؟ ولا نعلم ما إذا كانت تؤوي إلى ركن شديد كالرقابة الإدارية، والتنظيم التشريعي. لذا، فالأمل في المقالات التي تهتم بهذا القطاع أن توضح لنا ذلك بما يجيب عن مثل هذه التساؤلات.
ختاماً، الاهتمام بالكتابة حول تكنولوجيا الأموال ينبغي أن يكون متوازناً، فإبراز الجوانب الإيجابية لا يقل أهمية عن إبراز الجوانب السلبية. كما أن إدخال التكنولوجيا في القطاع المالي ينبغي أن تصحبه رقابة تشريعية وإدارية؛ لزيادة الاستدامة، وحفظ حقوق المستثمر، وتحقيق المنافسة العادلة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال