الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تتجه إرادة أصحاب المنشآت التجارية غالباً نحو تحقيق هدف رئيسي، وهو الربح المستدام، ويحتاج الوصول إلى هذا الهدف إلى الكثير من الجهد والتنظيم، إذ يتطلب توجيه العمليات وتنظيمها بطريقة تضمن استمرارية الأعمال وتخفيف المخاطر. ومع تشعب الأعمال وزيادة تعقيد العمليات في المنشآت، يصبح العمل التجاري أكثر صعوبة من حيث التحكم والتنظيم، مما يزيد احتمالية حدوث مشكلات مثل فقدان الموارد أو نقص المعلومات اللازمة لاتخاذ القرارات الحاسمة. وقد يؤدي هذا التعقيد في بعض الأحيان إلى تباطؤ في الأداء أو حتى إلى انهيار المنشأة، لا سمح الله.
ولذلك، نحن أمام مفهوم جديد يُعنى بالجوانب الاقتصادية والإدارية والتنظيمية، وهو مفهوم الحوكمة، الذي يهدف إلى توحيد مصالح المنشأة المختلفة في سبيل دعم استقرارها ونموها. تهدف الحوكمة إلى تحقيق الأمان التشغيلي للمنشأة من خلال وضع إجراءات واضحة للامتثال وتنظيم العمليات، كما تعمل على تعزيز الشفافية والتحكم الذي يوفر للمنشأة بيئة عمل تُدار بفاعلية وكفاءة، ما يسهم في الوصول إلى أقصى استفادة من موارد المنشأة وتوجيهها لخدمة الأهداف الاستراتيجية.
إن الغاية الأساسية من الحوكمة هي تحقيق الاستدامة الاقتصادية، حيث يرتبط الربح بشكل وثيق باستمرارية الكيان الاقتصادي واستقراره. فالمنشآت المزدهرة تنعكس على النمو الاقتصادي المحلي من خلال زيادة فرص العمل وانخفاض معدلات البطالة، وخلق فرص جديدة نتيجة التوسع الاقتصادي الذي يتحقق بفضل استقرار الأعمال ونموها المستمر. ويُعد دور الحوكمة مهماً في هذا السياق، إذ يضع المبادئ التي تحكم وتوجه إدارة المنشآت، بما يضمن تنظيم العمل وتحقيق الكفاءة في العمليات بعيداً عن الارتجال أو الفوضى.
كيف تبدأ الحوكمة ومتى تكون ضرورية. في بداية حياة الشركة، قد يتولى المالك كافة الأدوار؛ فهو المسؤول والمُساءل والمدير والمراقب لجميع العمليات. لكن مع تشعب العمليات وتعقيدها، تصبح القدرة على تولي جميع المهام بشكل منفرد أمراً غير ممكن، أو قد يرغب المؤسسون في التوسع وغالباً ما يكون ذلك بدخول مستثمرين جدد، وبطبيعة الحال يرغب هؤلاء بالأطلاع على كامل الأنشطة، أو على الأقل وضوح في كيفية إدارة تلك الأعمال، وهنا تظهر الحاجة إلى تطبيق الحوكمة لتجنب الوقوع في حالة من الارتجال وعدم اليقين. فالاستعانة بالحوكمة تساعد في تنظيم الأعمال وتحقيق رقابة شاملة، إذ تضمن إدارة رشيدة مبنية على مبدأ أساسي هو فصل الإدارة عن الملكية، مما يحمي المنشأة من تدخلات المصالح الخاصة ويضمن إدارة تستند إلى الشفافية.
علاوة على ذلك، ترسم الحوكمة مساراً دقيقاً لإدارة الشركة، وتحدد علاقات الأطراف المختلفة من سواء كانوا شركاء أو مساهمين أو مديرين، وتوضح حقوق وواجبات كل طرف. كما تحدد الحوكمة المسؤوليات والصلاحيات الممنوحة لكل جهة، مما يسهم في سير العمل داخل المنشأة بانسجام، ويجنب التعارضات والتكرار في العمليات. هذه الإجراءات تجعل المنشأة تتسم بالوضوح والسهولة في الإدارة، حيث يتم الاعتماد على أدلة وإجراءات واضحة تُلزم الجميع بأداء المهام بفعالية وكفاءة، دون مساحة للاجتهادات الفردية أو التهرب من المسؤوليات.
كما أن الحوكمة تجعل الممارسات داخل المنشآت قابلة للتطوير بفضل وضوح الإجراءات وسهولة الوصول إليها، بعيدًا عن الغموض أو التعقيد. ويظهر اليوم أن المنشآت التي تعتمد معايير حوكمة جيدة تستند إلى ركائز الحوكمة الأساسية، مثل مبدأ المسؤولية، ومبدأ المساءلة، ومبدأ العدالة، ومبدأ الشفافية، ومبدأ فصل الإدارة عن الملكية، ومبدأ احترام حقوق أصحاب المصالح، هي الأكثر نجاحًا وتطورًا في بيئتها.
ويعتبر مبدأ فصل الإدارة عن الملكية تحدياً سواء للمساهمين في شركات المساهمة أو للشركاء في أنواع الشركات الاخرى، وسواء كانوا من كبار المساهمين أو من المساهمين الأقلية، خصوصاً في حال غياب تمثيل حقيقي لهم في اجتماعات مجلس الإدارة والجمعيات العمومية. أما في الشركات العائلية، فيعتبر هذا المبدأ من المبادئ الجوهرية التي على الملاك تبنيها لضمان استمرارية الأعمال بشكل منتظم ومنظم، وتجنب المشكلات المحتملة التي قد تنشأ نتيجة التداخل بين الملكية والإدارة، مما يسهم في ضمان سير العمل بعيداً عن تضارب أو تعارض المصالح.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال