هرمونات إدارية!

في كتاب “القادة هم آخر من يأكل” للمؤلف سيمون سينك، يستعرض الكاتب مبادئ القيادة الفعالة وأهمية بناء ثقافة من الثقة والأمان داخل المؤسسات. ويؤكد سينك على مجموعة من المبادئ الأساسية، من بينها إنشاء القادة “دائرة أمان” تحيط بفِرَقهم، وهو ما يتضمن حماية الموظفين من التهديدات الخارجية والمنافسة الداخلية، مما يعزز بيئة يشعر فيها الموظفون  بالأمان والقيمة والتقدير . كما يتطرق في ثنايا كتابه إلى مفاهيم أخرى مثل الثقة، والتعاون، والإيثار، وضرورة خلق ثقافة متجانسة، بالإضافة إلى الرؤية المستقبلية، والتعاطف، والتواصل.

ما يثير الانتباه في هذا الكتاب، وهو ما يميزه عن العديد من كتب الإدارة الأخرى، هو مناقشته لتأثير البيولوجيا الحيوية البشرية على سلوك الأفراد في بيئة العمل. يسلط سينك الضوء على دور بعض المواد الكيميائية مثل الكورتيزول (هرمون الضغط) والأوكسيتوسين (هرمون الثقة) في تشكيل العلاقات الشخصية بين الموظفين وتشكيل ثقافة المؤسسة.

يتناول سينك الأسس البيولوجية للقيادة وسلوك منسوبي المنظمة، موضحًا كيف تؤثر بعض المواد الكيميائية في أجسامنا على التفاعلات والعلاقات في مكان العمل، ومن أبرز تلك التفاصيل الكيمائية  الحيوية:  الهرمونات الرئيسية وأدوارها.

على سبيل المثال، يستشهد بهرمون الضغط (الكورتيزول)، الذي يُفرز استجابةً للتوتر، والذي يعد الجسم للرد على المخاطر، مما يزيد من اليقظة ومستويات الطاقة. وقد تؤدي المستويات المرتفعة من الكورتيزول إلى القلق وانخفاض الأداء في بيئات العمل المليئة بالضغوط، حيث قد يشعر الموظفون بالتهديد وأمانًا أقل ،  مما يقلل من استعدادهم للتعاون فيما بينهم وضعف الابتكار. ولتجنب هذا الخطر الإداري، ينصح سينك القادة بتقليل مصادر التوتر في البيئة من خلال خلق ثقافة آمنة وداعمة، مما يسهم في خفض مستويات الكورتيزول ويعزز جوًا أكثر إيجابية وإنتاجية.

أما بالنسبة لهرمون الثقة (الأوكسيتوسين)، الذي يعزز مشاعر الثقة والتعاطف والترابط، فيُفرز غالبًا خلال التفاعلات الاجتماعية، مثل العناق أو قضاء الوقت مع الأحباب. ويؤكد سينك أن ارتفاع مستويات الأوكسيتوسين يمكن أن يعزز التعاون والولاء بين أعضاء الفريق الواحد داخل المنظمة . ويعتقد أنه عندما يشعر الموظفون بالثقة والقيمة، يكونون أكثر استعدادًا للانخراط بشكل كامل والمساهمة في تحقيق أهداف المنظمة. وينصح القادة بتبني أساليب إدارية متعددة لتعزيز إنتاج الأوكسيتوسين، من خلال تعزيز التفاعلات الإيجابية، وتشجيع العمل الجماعي، والاعتراف بالمساهمات الفردية. وهذا يساعد في بناء فريق قوي ومتماسك حيث يشعر الأعضاء بالأمان للتعبير عن أفكارهم بعيدًا عن الخوف من النقد أو العقاب.

يعزز سينك فكرة أن فهم الجوانب البيولوجية للقيادة يمكن القادة من خلق بيئات تعزز الثقة والأمان والتعاون. ويقول: “عندما يكون القادة على دراية بكيفية تأثير هرمونات الضغط والثقة على فرقهم، يمكنهم اتخاذ قرارات واعية لتشكيل ثقافة عمل أكثر إيجابية.”

من خلال معالجة التأثيرات البيولوجية على السلوك، يؤكد سينك أن القيادة الفعالة ليست مجرد استراتيجيات وتكتيكات، بل تتعلق أيضًا بفهم ورعاية العناصر الإنسانية التي تدفع الأداء. ويشدد على أن القادة الذين يعتنون برفاهية أعضاء فرقهم ويعززون ثقافة الثقة يمكنهم تحقيق نجاح كبير للمؤسسة بشكل عام.

من جهة أخرى، يسعى بعض القادة الذين يعملون تحت الضغط إلى طرق علاجية خارجية للحفاظ على الدافع الداخلي المستمر  والتركيز، من خلال استخدام الأدوية المشروعة، بينما يلجأ آخرون إلى المحفزات المؤقتة الممنوعة. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن استخدام الأدوية أو المواد المحفزة قد يختلف بشكل كبير من حيث الشرعية والفعالية والاعتبارات الأخلاقية. تساعد المكملات الذهنية والطبيعية، بالإضافة إلى الأدوية الموصوفة لعلاج اضطراب نقص الانتباه، في تحسين التركيز والإنتاجية، وتعزيز اليقظة والوظائف الإدراكية، وتحسين الذاكرة، والحفاظ على التوازن العاطفي وخلق الدافع الذاتي.

لكن استخدام الأدوية المعززة للأداء يثير، خاصة في البيئات التنافسية، تساؤلات أخلاقية ويمكن أن يؤثر على ديناميات الفريق وتناسق أدائه . الاعتماد على الأدوية للتحفيز قد يخفى القضايا الأساسية مثل الإرهاق أو الصحة النفسية السيئة، والتي تحتاج إلى معالجة شاملة، لذا، من الضروري استشارة المتخصصين في الرعاية الصحية بشأن أي شخص يفكر في استخدام الأدوية أو المكملات لتعزيز الإدراك أو التركيز أو رفع مستوى التحفيز.

الإيمان العميق – لاشك – والتوكل على الله واليقين بالقدر ، هي أعظم مايمكن أن يحافظ على نفسية القائد وأقوى معين له في مواجهة ضغوطات العمل المرهقة وتحديات إدارة المنظمة . ثم تأتي وسائل طبيعية بسيطة  مثل قضاء أوقات أطول مع الأسرة، والتغذية المناسبة، والرياضة ، وإدارة الوقت، واتقان تقنيات التحكم بالضغط، تساعد في  التركيز ورفع الدافع الداخلي للمدير بشكل كبير دون المجازفة  في المخاطر المرتبطة باستخدام المواد الكيمائية، أو التدخين الشَرِه أو إدمان الكحول.