الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أولاً: لا تجعل من نفسك الخيار الثاني لأحد كن الاول أو لا تكن – صموئيل بتلر
مع التوجه العالمي لوضع تشريع يحمي البيانات الشخصية للأفراد والحفاظ على سريتها وحماية حقوقهم، لم تلقى البيانات الضخمة (Big Data) لغير الأفراد حقها من التشريع والحماية والمحافظة عليها وعدم إساءة استغلالها بشكل مباشر ، ولما تمثله هذه البيانات الضخمة من أهمية كُبرى أمنياً واقتصادياً وهي تمثل النسبة الكبرى من البيانات في العالم ، فمن المهم أن يتم توفر لها إطار قانوني سليم يحافظ عليها ويحميها من التلاعب والاستغلال بأي هدف من الأهداف ، والاستفادة منها داخلياً أكثر مما هي مُستغلة خارجياً، فتوطين البيانات أصبح ضرورة قصوى أمنياً واقتصادياً واجتماعياً ،
فمن إيجابيات التشريعات القائمة حالياً على حماية البيانات الشخصية مثل نظام حماية البيانات الشخصية في المملكة العربية السعودية واللائحة العامة لحماية البيانات GDPR)) في الاتحاد الأوروبي ، اللذان يحتويان على العديد من الإيجابيات فالمحاور التالية:
• حماية البيانات الشخصية:
تضع هذه التشريعات إطارًا قانونيًا صارمًا لحماية البيانات الشخصية، مثل الحق في الوصول، التصحيح، والموافقة المسبقة على معالجة البيانات.
• المسؤولية والمساءلة:
تُلزم الشركات بإنشاء آليات للمساءلة، مما يعزز الشفافية فيما يتعلق باستخدام البيانات. كما تفرض غرامات صارمة على المخالفات، مما يحفز الالتزام بالقوانين.
• التعامل مع البيانات عبر الحدود:
تقدم التشريعات إطارًا لمعالجة البيانات في سياق دولي، مع تحديد آليات لنقل البيانات بين الدول بطريقة آمنة وقانونية.
ورغم أن هذه التشريعات توفر أسسًا قوية، إلا أن هناك جوانب أكثر أهمية من الناحية الأمنية والاقتصادية لم يتم التطرق إليها ومعالجتها بشكل كافٍ وهي:
• التركيز المحدود على البيانات غير الشخصية:
التشريعات تركز بشكل كبير على حماية البيانات الشخصية، لكنها لا تولي نفس القدر من الأهمية لحماية البيانات غير الشخصية التي قد تكون ذات قيمة اقتصادية أو أمنية، مثل بيانات البنية التحتية أو البيانات الصناعية وغيرها.
• غياب التشريعات الموحدة لتحليل البيانات الضخمة:
تفتقر التشريعات إلى إطار متكامل لتنظيم كيفية تحليل البيانات الضخمة باستخدام تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، والتي قد تتسبب في انتهاكات حقوق الأفراد أو تخلق فرصًا للتلاعب بالأسواق.
• إهمال الجوانب الاقتصادية:
هناك غياب لتوجيهات تشريعية حول كيفية استخدام البيانات الضخمة لتحفيز النمو الاقتصادي، أو كيفية مشاركة الفوائد الاقتصادية للبيانات بين الأطراف المختلفة مثل الشركات، الحكومات، والأفراد.
ومن أبرز التحديات التي تواجهه البيانات الضخمة:
التهديدات الأمنية والقرصنة أو جهات خبيثة، مما يهدد الأمن الوطني أو البنية التحتية الحيوية.
التنظيم الاقتصادي للبيانات الضخمة لتفادي استغلال البيانات الضخمة بشكل كبير في الاقتصاد الرقمي.
قد يواجه الابتكار عرقله بسبب الحماية الصارمة للخصوصية خاصة بعض الابتكارات التي تعتمد على تحليل البيانات الضخمة، مثل تطوير الذكاء الاصطناعي وتحسين الخدمات.
فمن الحلول لهذه التحديات وغيرها القيام بسن تشريع ينظم البيانات الضخمة يهدف إلى إيجاد إطار قانوني يتعامل مع التحديات الحالية المرتبطة بالبيانات الضخمة، لتحقيق التوازن بين حماية الأفراد وتحفيز استخدام البيانات الضخمة بطرق تساهم في تطوير الاقتصاد والمجتمع، على أن يتطرق التشريع للنقاط الهامة في هذا المجال ومنها:
1. الحماية الشاملة للبيانات الشخصية وغير الشخصية.
2. التنظيم الفعّال للتحليل والتنبؤات:
فمع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، تعتمد الكثير من الشركات على تحليل البيانات الضخمة لتقديم توقعات واتخاذ قرارات قد تؤثر على الأفراد أو الأسواق. ولكن، هذه التحليلات قد تكون عرضة للأخطاء أو التحيز، مما يطرح مخاطر قانونية وأخلاقية، فيجب وضع إطار قانوني لاستخدام الذكاء الاصطناعي ينص بوضوح على المسؤوليات القانونية المترتبة على تحليل البيانات باستخدام الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك مسؤولية الشركات عن أي أخطاء أو تمييز ينتج عن هذه التحليلات، وإعتماد آليات إشرافية تضمن أن الشركات التي تعتمد على التحليلات الكبيرة تتبع معايير واضحة ودقيقة تمنع الانتهاكات.
3. التنظيم الاقتصادي للبيانات الضخمة: لكونها أصبحت من أهم الموارد الاقتصادية في العصر الرقمي. والشركات الكبيرة تقوم بجمع واستخدام كميات هائلة من البيانات لتحقيق أرباح ضخمة، ولكن الأفراد أو المؤسسات الصغيرة قد لا يستفيدون بالشكل الكافي من هذه البيانات، وفرض رسوم أو ضرائب على استخدام البيانات الضخمة لتشجيع الشركات على استخدام البيانات بطرق تفيد المجتمع، ومعاقبة الشركات التي تستغل البيانات الكبيرة لأغراض تجارية بحتة.
4. التنظيم الأمني للبيانات الضخمة:
فمع تزايد حجم البيانات الضخمة، تزداد المخاطر الأمنية المرتبطة بتسريب أو سرقة هذه البيانات، القرصنة والهجمات السيبرانية تشكل تهديدًا على الأفراد والشركات والحكومات، فبعض البيانات يمكن أن تحتوي على معلومات حساسة، مثل البنية التحتية الوطنية، أو المعلومات المالية، أو بيانات الأفراد، وكلها قد تكون مستهدفة من قبل عصابات الجريمة المنظمة أو جهات متطرفة.
فيجب أن ينص التشريع على معايير صارمة للأمان السيبراني لجميع الأطراف التي تقوم بجمع أو معالجة أو تخزين البيانات الضخمة، يتضمن ذلك التشفير الإلزامي للبيانات، معايير لتخزين البيانات، وتحديد قواعد صارمة لنقل البيانات عبر الحدود.
6. الابتكار والحفاظ على التوازن.
إن الرؤية التشريعية المقترحة لتنظيم البيانات الضخمة تركز على تحقيق توازن بين حماية خصوصية الأفراد وأمن البيانات من جهة، وتحفيز الابتكار وتحقيق الفوائد الاقتصادية من جهة أخرى، فيجب أن يكون هذا التشريع شاملاً، ومرنًا، وقابلًا للتكيف مع التطورات السريعة في التكنولوجيا، والتعاون الدولي، والشفافية، والمسؤولية القانونية تعتبر محاور أساسية لإنجاح هذا الإطار التنظيمي الجديد.
أخيراً: يقول طرفه بن العبد:
إذا القومُ قالوا من فتىً خِلتُ أنّني
عُنِيتُ فلم أكسَل ولم أتبَلّدِ
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال