الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يُعتبر “الكساد العظيم” في الثلاثينيات من القرن العشرين واحدة من أعظم الأزمات الاقتصادية في التاريخ. بدأت هذه الأزمة في الولايات المتحدة عام 1929 واستمرت حتى أواخر الثلاثينيات، مما أثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي. من أبرز أسباب هذه الأزمة هو انهيار سوق الأسهم الأمريكية، حيث انهار هذا السوق في 29 أكتوبر 1929، مما أسفر عن خسائر ضخمة في الثروات الشخصية والاستثمارات.
كان أحد أسباب هذا الانهيار هو المضاربة المفرطة التي أدت إلى ارتفاع أسعار الأسهم، إلى جانب الاقتصاد المحموم الذي شهد تراكمًا كبيرًا للديون بين المستهلكين خلال العشرينات الصاخبة. أدت حالة الذعر النفسي بين المستثمرين، بالإضافة إلى الاعتماد على القروض، وخاصة الاستثمار بالهامش، إلى سحب المستثمرين لأموالهم بشكل جماعي. وفي نهاية المطاف، فقد مؤشر داو جونز 89% من قيمته بحلول عام 1932، ولم تتعافَ الأسعار بالكامل حتى عام 1954، وفقًا للاحتياطي الفيدرالي.
في تلك الأثناء، لم تكن العديد من البنوك مستعدة لمواجهة الانهيار، مما أدى إلى إفلاس العديد منها وفقدان المدخرات. وزاد الطين بلة أن الحكومة الأمريكية اتبعت سياسات نقدية متشددة، مما زاد من تفاقم الأزمة بدلاً من تخفيفها.
تأثرت العديد من الدول حول العالم بهذه الأزمة الكبيرة، مما أدى إلى ركود اقتصادي عالمي. وقد أسفرت الأزمة عن تغييرات جذرية في السياسات الاقتصادية، بما في ذلك تدخل الحكومة في السوق وتطبيق برامج الرعاية الاجتماعية. من بين الأفكار الاقتصادية التي ساهمت في استجابة الحكومة الأمريكية للكساد العظيم كانت أفكار جون مينارد كينز، الذي دعا إلى زيادة الإنفاق الحكومي لتحفيز الطلب الكلي. وقد تم تطبيق هذه الأفكار من خلال “الصفقة الجديدة” التي أطلقها الرئيس فرانكلين روزفلت.
بعد الحرب العالمية الثانية، اعتمدت الولايات المتحدة بشكل متزايد على السياسات الكينزية كوسيلة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، مستخدمة أدوات مثل تخفيض الضرائب وزيادة الإنفاق الحكومي لتحفيز النمو. تركز المدرسة الكينزية على أهمية الطلب الكلي في تحديد مستوى النشاط الاقتصادي، وتؤكد أن الفجوات في الطلب يمكن أن تؤدي إلى الركود، مما يستدعي تحفيز الطلب لتفادي الأزمات الاقتصادية.
تؤمن الكينزية بأن الحكومة يجب أن تتدخل في الاقتصاد، خاصة خلال فترات الركود، ويمكن أن يتم ذلك عبر السياسات المالية (كالإنفاق الحكومي وتخفيض الضرائب) أو السياسات النقدية (تعديل أسعار الفائدة). تعتبر المدرسة الكينزية الاستثمارات إحدى المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي، وتسلط الضوء على كيفية تأثير التوقعات المستقبلية للمستثمرين على قراراتهم الاستثمارية.
في حالة الكساد أو الركود، تدعو الكينزية إلى ضخ الأموال في الاقتصاد لزيادة الطلب، سواء من خلال مشروعات حكومية أو برامج اجتماعية. وفي الوقت نفسه، تنتقد المدرسة الكينزية الافتراضات الكلاسيكية التي تفترض أن الأسواق دائمًا ما تكون في حالة توازن، مشددة على أن التدخل الحكومي ضروري في بعض الظروف.
رغم تطور مدارس اقتصادية جديدة حاولت أن تحل محل الكينزية، إلا أن هذه المدرسة لا تزال تُعتمد خلال الأزمات المالية، مثل الأزمة المالية العالمية في 2008، حيث تم تطبيق سياسات كينزية مثل حزم التحفيز المالي لدعم الاقتصاد.
في قطاع الخدمات المصرفية والمالية، يحذر العديد من الاقتصاديين من الاعتماد المفرط على النماذج الرياضية التي اعتُبرت من بين الأسباب المساهمة في أزمات 2008-2009، خاصةً بسبب سهولة استخدام صورها المرقمنة. وعلى الرغم من تخصص كينز في الرياضيات، ظل متشككًا في فائدة النماذج الرياضية، التي كانت تكتسب أهمية متزايدة في الاقتصاد خلال مسيرته المهنية، واستمرت في ذلك حتى العقود التي تلت وفاته.
من جهة أخرى، أساء الإفراط في استخدام الأفكار الكينزية إلى سمعتها في فترة ما بعد الستينيات، مما أدى إلى بروز العديد من النظريات الاقتصادية الشهيرة التي تنتقد مدرسة كينز وتحاول استبدالها.
لتصور الأمر في مجمله، يجب أن ننظر إلى المشهد الاقتصادي من ثلاث زوايا: العرض والطلب (محركا الاقتصاد)، والتوازن الطبيعي بينهما (يد آدم سميث الخفية)، ثم اليد العليا (يد كينز الحكومية الظاهرة) التي يجب أن تتدخل عند اضطراب توازن العرض والطلب أو في حالة شلل يد سميث الخفية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال