الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تشهد الرياض هذه الأيام حدثاً تاريخياً مميز وهو تدشين مشروع مترو الرياض، المعروف أيضًا بـ “قطار الرياض الكهربائي”، كجزء أساسي من مشروع الملك عبد العزيز للنقل العام، ويُعتبر من أكبر مشاريع النقل ليس على المستوى الإقليمي بل على مستوى العالم، ويعكس تأثيره العميق على البيئة والمجتمع والصحة والإدارة والاقتصاد لسكان العاصمة. ومترو الرياض يتكامل مع شبكة حافلات المدينة، مما يمثل نقلة نوعية في نظام النقل العام، ويقدم خيارات نقل حديثة ومتنوعة تسهم في تحقيق رؤية الرياض المستدامة.
ويشكل قطار الرياض خطوة جبارة نحو تطوير بنية تحتية متقدمة ومستدامة، حيث يساهم في تقليل الازدحام المروري وتوفير الوقت وتحسين جودة الهواء، مما يعزز من جودة الحياة. فالمترو يوفر وسيلة نقل سريعة وفعالة وآمنة للمواطنين والمقيمين، ويتيح الوصول السهل إلى المناطق الحيوية كالأحياء السكنية والمراكز التجارية والمقرات الحكومية والشركات، مما يعزز الاتصال بين مختلف أنحاء المدينة ويعكس التزام الحكومة بتوفير بيئة تنقل متطورة ومستدامة.
كما أن شبكة حافلات الرياض تمثل دورًا حيويًا في دعم شبكة المترو وذلك من خلال توسيع المسارات وزيادة عدد الحافلات، بالإضافة إلى تحسين جودة الخدمة بإدخال حافلات حديثة ومكيفة وتطبيق أنظمة ذكية لتتبعها حيث يساهم هذا التكامل في توفير تجربة تنقل متكاملة وأكثر سلاسة وراحة كما يتيح للمستخدمين خيارات متعددة تناسب احتياجاتهم اليومية.
وفي هذا المقال سنعطي نبذة مختصرة عن قطار الرياض وأهميته ومساراته الست بألوانها المختلفة والتي تربط جميع أنحاء المدينة وكذلك لمحة عن التحديات الفنية والابتكارات التكنولوجية ومشاركة شركات المقاولات العالمية الكبرى والمحلية وتجاوزهم للتحديات والعقبات التي واجهتهم في التنفيذ ونظرة عامة على الطاقة التشغيلية للمترو، وإعطاء بعض الضوء على الأثر البيئي واسهام المشروع في تحسين جودة الهواء وتقليل الانبعاثات الكربونية.
وكذلك مردوده الاقتصادي على المجتمع بتعزيزه النمو وزيادة في كفاءة الوقت، ودوره الاجتماعي بتوفيره وسيلة نقل عامة آمنة وسريعة تسهم في تحسين جودة الحياة وتعزيز التفاعل الاجتماعي لهذا المشروع الوطني الكبير، أي أنه باختصار، يشكل قطار الرياض بالتعاون مع شبكة الحافلات نموذجًا متكاملًا للنقل العام الحديث والمستدام، ويعزز من مكانة الرياض كمدينة عالمية تطمح لتحقيق رؤية تنموية شاملة ومستدامة.
نبذة عن القطار الكهربائي
يتألف هذا المشروع من 6 خطوط رئيسية تمتد عبر العاصمة بطول 176 كيلومترًا، مغطية بذلك جميع الاتجاهات من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، وهذه الخطوط الستة مدعومة بـ 84 محطة موزعة عبر العاصمة ويستخدم القطار أنظمة تشغيل حديثة بقيادة أوتوماتيكية ذاتية، أي بدون سائقين مما يجعلها الخيار الأمثل للمدن الحديثة لسلامتها وكفاءتها وراحتها واستدامتها، وتعتمد على الطاقة الكهربائية.
مما يقلل الضجيج ويساعد في بيئة نظيفة من دون عوادم تلوث الهواء التي هي من أحد المخاطر البيئية الكبرى على صحة الإنسان، وستبلغ سرعته 80 كيلومترًا في الساعة، مع القدرة على نقل مليون ومائة وستون ألف راكب يوميًا في بداية تشغيله، وبطاقة استيعابية تصل إلى ثلاثة ملايين وستمائة ألف راكب يوميًا خلال عشر سنوات من تشغيله.
وقطار الرياض هذا لا يقتصر فقط على وسائل النقل فوق الأرض، أي السطحية، بل أن حوالي 40% من مسارات القطار ستكون تحت الأرض، وهذا سيساهم في المحافظة على استمرارية وانسيابية للحركة المرورية في المدينة. وهو بحق منظومة نقل متكاملة يجعل من مترو الرياض أكبر مشروع لشبكات النقل العام في الشرق الأوسط وفي العالم، مع تكاليف تصل إلى 22.5 مليار دولار.
أهمية قطار الرياض وفوائده
لابد ان نشير الى أنه من المتوقع أن ينمو عدد سكان الرياض من حوالي ستة ملايين نسمة إلى أكثر من ثمانية ملايين ونصف المليون نسمة في السنوات القليلة القادمة والطاقة الاستيعابية للطرق تكاد لا تكفي سكان الرياض الحاليين وبالتأكيد لا يمكنها استيعاب أي زيادة، وكما هو معروف أن مدينة الرياض كعاصمة تشكل المركز السياسي والثقل الاقتصادي والتجاري من بين سائر مدن المملكة وحركتها المرورية وتكدس المركبات ليس عند مفترق الطرق فحسب بل حتى على الطرق السريعة في تزايد على كافة الأصعدة.
وهذا النمو يتطلب توفير وسائل نقل حديثة وفعالة تلبي الاحتياجات المتزايدة للتنقل حيث يعاني نظام النقل الحالي من الضغط الناجم عن الكثافة السكانية المتزايدة وازدحام مروري يؤدي إلى زيادة استهلاك الوقود وبالتالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون واضراره الصحية.
وذكرت بعض التقارير ونشرت في (مجلة التنمية الإدارية) بأن الازدحام المروري يؤخر دوام 30% من الموظفين ويهدر الوقت والجهد، كما أن تزايد ظاهرة الازدحام المرورية وتكدّسً المركبات لها كثير من الآثار السلبية الاقتصادية والإدارية والصحية ليس فقط من جراء تلوث الهواء الخطر على الصحة بل حتى على الحالات النفسية المتزايدة.
وتؤكّد بعض التقارير الطبية المنشورة بوجود علاقة وثيقة بين الازدحام المروري والضغوط النفسية والقلق والاكتئاب نظرا لمساهمة الازدحام المرورية في رفع مستوى الضغوط النفسية والإرباك المستمرّة لإدارة الأوقات وبالتالي التقليّل من مستوى جودة الحياة إضافة الى أن الازدحام المروري يتسبب في زيادة نسبة التلوث البيئي بزيادة في المواد الملوثة من عوادم السيارات في الجو، والتي تحتوي على مركبات كيميائية تضر بالصحة العامة.
لذا فالقطار سيعمل على تقليل الازدحام المروري وسرعة التنقل حيث سيسهم المشروع في تقليل عدد رحلات السيارات بما يعادل ربع مليون (250 ألف) رحلة يوميًا، مما يقلل من الازدحام ويساعد في تحسين تدفق حركة المرور في المدينة.
وبالتالي سيخفض استهلاك الوقود حيث من المتوقع أن يوفر المشروع ما بين اربعمائة ألف لتر الى حوالي نصف مليون لتر من الوقود يوميًا، مما يؤدي إلى تخفيض استهلاك الطاقة وانبعاثات كربونية أقل، وسيسهم في خفض نسبة الانبعاثات الملوثة للهواء وتحسين جودة الهواء وذلك عبر تقليل الاعتماد على السيارات التقليدية التي تعمل بالوقود إضافة إلى أن المترو سيسهم في رفع المعاناة للأسر الغير مقتدرة على اقتناء المركبات الخاصة والعمالة الوافدة…الخ
___________
المسارات
تغطي شبكة قطار الرياض مجموعة واسعة من المناطق الحيوية في المدينة، منها المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، والمنشآت الحكومية والتجارية، والجامعات الكبرى، بالإضافة إلى مطار الملك خالد الدولي وهذه المسارات على النحو التالي:
المسار الأزرق (شارع العليا – البطحاء): يمتد بطول 38 كيلومترًا ويضم 22 محطة، وهو أكبر مسار ضمن الشبكة. يمر المسار تحت الأرض في معظمه ويمتد على طول شارعي العليا والملك فيصل، ليصل في النهاية إلى حي الدار البيضاء جنوبًا.
المسار الأحمر (طريق الملك عبد الله): يمتد بطول 25.3 كيلومترًا ويحتوي على 13 محطة. يمر المسار من الغرب إلى الشرق ويمتد على طول طريق الملك عبد الله.
المسار البرتقالي (طريق المدينة المنورة – طريق الأمير سعد بن عبد الرحمن الأول): بطول 40.7 كيلومترًا ويضم 20 محطة. هذا المسار يمتد على طول طريق المدينة المنورة ويصل إلى منطقة خشم العان بالقرب من معسكر الحرس الوطني.
المسار الأصفر (طريق مطار الملك خالد الدولي): يمتد من المطار إلى مركز الملك عبد الله المالي، بطول 29.6 كيلومترًا ويضم 8 محطات.
المسار الأخضر (شارع الملك عبد العزيز): يمتد بطول 12.9 كيلومترًا ويضم 10 محطات. يعمل هذا المسار تحت الأرض على طول طريق الملك عبد العزيز.
المسار البنفسجي (طريق عبد الرحمن بن عوف – طريق الشيخ حسن بن حسين): يمتد بطول 29.9 كيلومترًا ويحتوي على 8 محطات، ويمر عبر منطقة جامعة الإمام محمد بن سعود.
خطوات جديدة نحو تشييد المسار السابع
هذه الأيام، تستعد الهيئة الملكية لمدينة الرياض لطرح مناقصة تصميم وبناء الخط السابع ويأتي هذا الإعلان بعد فترة تأهيل مسبق، مما يشير إلى تقدم كبير في هذا المسار الإضافي. حيث يمتد المسار السابع لمسافة 65 كيلومتراً، منها 47 كيلومتراً تحت الأرض و19 كيلومتراً فوق الأرض. وسيشمل 19 محطة، منها 14 محطة تحت الأرض و5 محطات فوق الأرض ويتوقع إصدار المناقصة خلال الأسابيع المقبلة من شهر أكتوبر، بعد استلام طلبات التأهيل المسبق في فبراير الماضي.
ويشهد هذا المشروع منافسة قوية بين كبرى الشركات العالمية والإقليمية. تشمل التحالفات المتنافسة كل من تحالف Alstom: وتقوده شركة Alstom الفرنسية، بالتعاون مع شركات عالمية مثل FCC الإسبانية وشركات محلية مثل Freysinnet Contracting و Nesma.
وكذلك تحالف Siemens: يضم شركة Siemens الألمانية، بالتعاون مع Samsung C+T الكورية الجنوبية و Acciona الإسبانية و Alayuni المحلية.
بالإضافة إلى تحالف Hitachi Rail: والذي يضم شركة Hitachi Rail اليابانية، بالتعاون مع شركات من كوريا الجنوبية وإسبانيا، بالإضافة إلى مقاولين محليين مثل Almabani و Albawani.. ويشارك في هذا المشروع نخبة من الاستشاريين العالميين، حيث تقوم شركات مثل Typsa و Ayesa من إسبانيا و Aecom من الولايات المتحدة بتقديم خدمات الاستشارات الهندسية لفريق Alstom..
وتعتبر توسعة مترو الرياض بخط سابع مشروعا استراتيجيا يساهم في تطوير البنية التحتية للمدينة. مع المنافسة الشديدة بين كبرى الشركات العالمية والإقليمية.
_____________
التحديات الفنية ومشاركة شركات المقاولات العالمية الكبرى والمحلية
يعتبر مترو الرياض واحدًا من أضخم المشروعات العالمية في مجال النقل العام، وهذا الحجم الكبير من المشروع يعني أيضًا تحديات فنية ضخمة ومعقدة. تتطلب مواجهة هذه التحديات تعاونًا بين الشركات المحلية والعالمية الرائدة في مجال الهندسة والبناء، وذلك لضمان تنفيذ المشروع وفقًا لأعلى المعايير التقنية وفي الوقت المحدد.
ومن أبرز التحديات الفنية في تنفيذ مشروع مترو الرياض كانت البنية التحتية للمدينة ذاتها، حيث تطلب المشروع بناء أنفاق تحت الأرض على أعماق كبيرة وفي مناطق مكتظة بالسكان. هذا الأمر استدعى استخدام تقنيات متقدمة لحفر الأنفاق دون التأثير على المباني والمنشآت المحيطة.
بالإضافة إلى ذلك، كان من الضروري التعامل مع التربة الرملية والطبيعة الجيولوجية للمنطقة، وهو ما يتطلب استخدام تقنيات حديثة للحفر والبناء. كما أن تشغيل القطارات الأوتوماتيكية (بدون سائقين) يُعد تحديًا تقنيًا آخر، حيث تطلب هذا النوع من التشغيل بناء شبكة معقدة من أنظمة التحكم والمراقبة لضمان تشغيل القطارات بأمان وكفاءة.
هذه الأنظمة تشمل تقنيات التحكم الذكي في حركة القطارات، والتحكم في الإشارات والاتصالات بين المحطات والمركبات والتي تم تطويرها لتقليل المخاطر البشرية وزيادة الكفاءة في التشغيل، الأمر الذي ساهم في تحقيق أحد الأهداف الرئيسية للمشروع وهو الأمان والكفاءة التشغيلية.
مشاركة شركات المقاولات العالمية الكبرى والمحلية
لتنفيذ هذا المشروع الضخم بنجاح، تم الاستعانة بمجموعة من الشركات العالمية والمحلية ذات الخبرة الكبيرة في تنفيذ مشروعات النقل الحضري والبنية التحتية الكبرى. وقد تم تقسيم المشروع إلى ثلاثة ائتلافات رئيسية، كل منها مكلف بتنفيذ جزء محدد من شبكة المترو.
2.ائتلاف فاست (FAST): يضم ائتلاف فاست شركات إف سي كونستركسيون الإسبانية، وألستوم الفرنسية، وسامسونغ الكورية، وتم تكليف هذا الائتلاف بتنفيذ ثلاثة مسارات هي الأصفر والأخضر والبنفسجي. بلغت التكلفة الإجمالية لتنفيذ هذه المسارات حوالي 7.82 مليار دولار. كان على هذا الائتلاف التعامل مع تحديات بناء أجزاء من المترو تمر عبر مناطق مكتظة بالسكان، ما تطلب تقنيات حديثة في الحفر والبناء، بالإضافة إلى تركيب أنظمة القطارات الأوتوماتيكية.
3.ائتلاف الرياض نيو موبيليتي (ANM): هذا الائتلاف بقيادة شركة أنسالدو أستياس الإيطالية، ويضم شركات بومبارديه الكندية ولارسين وتوبرو الهندية. تم تكليف هذا الائتلاف بتنفيذ المسار البرتقالي بتكلفة إجمالية بلغت 5.21 مليار دولار. يتطلب هذا المسار بناء محطات وتجهيزات متقدمة لضمان تشغيل القطارات بكفاءة عالية، بالإضافة إلى ربطه بباقي المسارات لضمان التكامل بين جميع أجزاء الشبكة.
وبفضل من الله ومشاركة هذه الشركات العالمية المتقدمة والمحلية، تم التغلب على العديد من التحديات الفنية وضمان تنفيذ المشروع وفقًا للمعايير العالمية.
_______
الجدول الزمني للتنفيذ وتأخر المشروع
بدأ مشروع مترو الرياض في 2014 وكان من المتوقع أن يُنجز خلال خمس سنوات. خُطط له بثلاث مراحل رئيسية: الأولى، مرحلة التصميم والتحضير التي استغرقت ثمانية أشهر، تضمنت تخطيط المسارات والدراسات الجيولوجية، بالإضافة إلى التنسيق مع الجهات المعنية لتسهيل عمليات البناء. الثانية، ومرحلة التنفيذ الفعلي التي امتدت لأربع سنوات وشملت بناء الأنفاق والمحطات وتقسيم العمل بين مقاولات عالمية ومحلية، وأخيرًا، مرحلة التشغيل التجريبي التي استمرت أربعة أشهر لاختبار الأنظمة وضمان جاهزيتها.
لكن المشروع تأخر لأسباب عدة، منها التحديات الفنية والجغرافية التي أثرت على سرعة الحفر، والتعديلات التصميمية لتلبية التطورات الحديثة. كما واجه المشروع صعوبات لوجستية بسبب ضخامة العمليات وتوزعها في أنحاء المدينة، بالإضافة إلى تأثير الجائحة العالمية (COVID-19) التي أبطأت وتيرة العمل بسبب القيود الصحية.
وبعد الانتهاء من البناء في 2023، بدأت مرحلة التشغيل التجريبي، حيث ظهرت بعض المشكلات الفنية التي تطلبت وقتًا إضافيًا لحلها، ورغم التأخير، يُعد المشروع خطوة هامة نحو توفير نظام نقل متطور، وبسبب هذه التحديات والمعوقات التي واجهت المشروع، تم تأجيل الإطلاق الرسمي إلى عام 2024. ومع ذلك، يُعتبر هذا التأخير مقبولاً في ضوء حجم وتعقيد المشروع، بالإضافة إلى التحديات غير المتوقعة مثل الجائحة العالمية.
______
الطاقة التشغيلية
مشروع مترو الرياض يعد من أكبر مشاريع النقل الجماعي عالميًا، وقد صُمم لتلبية احتياجات العاصمة السعودية المتزايدة في النقل اليومي، وكما ذكرنا فإنه عند تشغيله، سيستوعب حوالي 1.16 مليون راكب يوميًا، وعلى مدى السنوات العشر المقبلة، يُتوقع أن يرتفع عدد الركاب ليصل إلى 3.6 مليون يوميًا، نتيجة للنمو السكاني السريع في الرياض وتزايد الطلب على خدمات النقل الجماعي ومن المتوقع أن يتجاوز عدد سكان الرياض 8 ملايين نسمة بحلول عام 2030، مما يعزز الحاجة إلى بنية تحتية متطورة للنقل.
ويدعم زيادة الطاقة التشغيلية عوامل عدة، منها النمو السكاني، التوسع الحضري، والتخفيف من الازدحام المروري، كما سيساهم المترو في تحقيق أهداف الاستدامة البيئية عبر تقليل الانبعاثات الكربونية ولمواكبة هذه الزيادة، سيتم توسيع شبكة المترو وزيادة عدد العربات وتشغيل المزيد من القطارات في أوقات الذروة كما أن التكامل مع وسائل النقل الأخرى، مثل الحافلات العامة، سيسهل انتقال الركاب ويعزز جاذبية المترو كوسيلة نقل يومية سريعة فعالة.
الأثر البيئي والاقتصادي لقطار الرياض
يعتبر قطار الرياض من أهم المشاريع التي ستحدث تأثيرات بيئية واجتماعية واقتصادية واسعة في المملكة، فمن الناحية البيئية، سيسهم المشروع في تقليل الانبعاثات الكربونية الناتجة عن الاستخدام المكثف للسيارات، ما يساهم في تحسين جودة الهواء وتقليل التلوث كما أنه سيقلل المترو من الاعتماد على الوقود الأحفوري من خلال استخدام الطاقة الكهربائية، مما يعزز الاستدامة البيئية.
كما ستنعكس الفوائد الاقتصادية للمشروع بشكل ملحوظ من خلال توفير آلاف فرص العمل خلال مراحل الإنشاء والتشغيل لأنه سيحتاج إلى كوادر محلية ودولية لإدارة وصيانة المترو، مما ينعش قطاعي الخدمات اللوجستية والصيانة. بالإضافة إلى ذلك، سيساهم المترو في تحسين الإنتاجية من خلال تقليل زمن التنقل، مما يعزز من أداء عمل الأفراد والشركات.
وعلى صعيد الاستثمار، يعد المترو أحد المؤشرات في الاستقرار الاقتصادي في المملكة، مما سيشجع الاستثمارات الأجنبية نظراً لأن المشروع يُظهر تقدم الرياض كبنية تحتية حضرية حديثة تدعم التنقل الفعال وتعزز جاذبية المدينة للاستثمار فهو من الركائز الحضرية في تحسين البنية التحتية، وتقليل الضغط على الطرق والشوارع، مما سيخفض تكاليف صيانة الطرق ويزيد من فعالية تقديم الخدمات وبالإضافة إلى ذلك سيساهم في تنشيط القطاع السياحي عبر تسهيل تنقل السياح بين معالم المدينة بيسر وسهولة، مما يزيد من إيرادات السياحة ودعم الاقتصاد المحلي بشكل مستدام.
إن مترو الرياض وباختصار، سيعمل على تعزيز النمو الاقتصادي طويل الأجل من خلال تحسين البنية التحتية للنقل، وتوفير فرص عمل جديدة، وتقليل التكاليف التشغيلية للمؤسسات التجارية والصناعية في العاصمة وتوفير في الوقت.
الابتكارات التقنية لقطار الرياض
القيادة الذاتية: مترو الرياض يدمج العديد من الابتكارات التكنولوجية المتقدمة التي تسهم في تعزيز فعاليته واستدامته ومن بين هذه الابتكارات، فهو نظام كهربائي بدون سائق، أي أنه يعتمد على التشغيل الآلي الكامل، وهذه القطارات تسير باستخدام أنظمة إلكترونية متطورة تضمن كفاءة تشغيلية عالية، بالإضافة إلى معايير السلامة المتقدمة، فهي معتمدة على نظام آلي متطور يتيح التشغيل الدقيق والفعال على مدار الساعة، وهذه التقنية تعزز من الكفاءة التشغيلية وتخفض التكاليف، إذ تعمل القطارات وفق جداول زمنية دقيقة ومنتظمة.
ومن جانب آخر، تساهم هذه الأنظمة في تعزيز معايير السلامة، حيث تستخدم تقنيات استشعار ورادارات لمراقبة المسافات بين القطارات والتأكد من خلو المسارات من العوائق، إضافة الى ذلك فهي مزودة بأنظمة توقف أوتوماتيكية للطوارئ، إلى جانب ذلك فإن هذه القطارات صديقة للبيئة حيث تعمل بالكهرباء، مما يقلل من انبعاثات الغازات الضارة ويحسن من استدامة المشروع.
السلالم والمصاعد الكهربائية: يضم مترو الرياض حوالي 1000 سلم كهربائي و600 مصعد تسهم في تسهيل حركة الركاب داخل المحطات. هذه الأنظمة مصممة بأحدث التقنيات لضمان كفاءة الطاقة وتوفير تجربة تنقل مريحة لجميع فئات المستخدمين، بما في ذلك كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.
أنظمة البوابات الذكية: تتيح هذه البوابات للركاب الدخول والخروج بسرعة وسهولة، معتمدة على تقنيات الدفع الذكية التي تعمل عبر التذاكر الرقمية أو تطبيقات الهواتف. تساهم هذه الأنظمة في تقليل الازدحام وتحسين تدفق الركاب داخل المحطات، مما يسهل تجربة التنقل في المترو.
الخلاصة
تعد الابتكارات التكنولوجية التي تم دمجها في مشروع قطار الرياض ركيزة أساسية لنجاح المشروع واستدامته على المدى الطويل، متمثلة في القطارات الكهربائية التي تعمل بدون سائق، إلى أنظمة السلالم والمصاعد الكهربائية المتطورة، وحتى أنظمة الدفع والبوابات الذكية، فإن هذه الحلول التقنية تسهم في تقديم خدمة نقل عام سريعة وفعالة وصديقة للبيئة.
ويُعد افتتاح مشروع قطار الرياض الكهربائي حدثًا تاريخيا استثنائيا وإنجازا هندسيًا واقتصاديًا بارزًا، يعكس طموحات المملكة في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز كفاءة النقل في العاصمة السعودية فالمشروع بحق يمثل خطوة استراتيجية عملاقة نحو مستقبل أكثر استدامة وفعالية.
حيث يتجاوز دوره مجرد توفير وسيلة نقل إلى كونه استثمارًا طويل الأجل في نمو العاصمة الرياض ومجتمعها واقتصادها لما له من تأثير في تحولات نوعية اجتماعية وصحية واقتصادية وتأثيرات عميقة تتجاوز جوانب النقل كونه بالإضافة الى توفيره وسائل نقل عامة موثوقة ومريحة وسريعة، مما يعزز من الوصول إلى المرافق والخدمات الأساسية بيسر وسهوله، انه سيقلل من الوقت الذي يقضيه المواطنون والمقيمون في التنقل، مما يتيح لهم المزيد من الوقت للاستفادة من أنشطة الحياة اليومية وتحسين إنتاجيتهم.
وبالتالي سيسهم في تعزيز جودة الحياة في الرياض، ويعزز من التنقل الاجتماعي من خلال توفير فرص العمل وتنشيط الاقتصاد المحلي، فمن الناحية الصحية، سيقلل الاعتماد على السيارات الخاصة، مما يساهم في خفض التلوث وتحسين جودة الهواء هذا بالإضافة إلى أن زيادة استخدام وسائل النقل العامة ستقلل من مستويات التوتر والضغوط النفسية الناتجة عن الازدحام المروري وقضاء الساعات محجوزاً في المركبة، وسيحسن الصحة العامة ويقلل من مخاطر الأمراض المرتبطة بالتلوث، ومن الناحية الاقتصادية.
يُعتبر المشروع استثمارًا استراتيجيًا في النمو المستدام للمدينة وسيسهم في تعزيز الاقتصاد المحلي من خلال خلق فرص عمل جديدة في مجالات متعددة مثل البناء، والصيانة بتوفير كوادر متخصصة، مما يفتح المجال للعديد من الوظائف الجديدة، كما أن المشروع سيسهم في تحسين البنية التحتية الحضرية.
أي أنه بطريقة غير مباشرة سيشجع على نمط حياة أكثر صحة من خلال توفير ممرات للمشي واستخدام الدراجات والتي كانت مقتصرتاً فقط على الطرق للمركبات مما يعزز من الصحة العامة ويقلل من الاعتماد على السيارات الخاصة، بالإضافة إلى ذلك، سيؤدي إلى زيادة الإنتاجية للموظفين والعمال، حيث يتيح لهم قضاء وقت أقل في التنقل، مما يرفع من مستوى الأداء والإنتاجية في مختلف المجالات.
ويبرز مشروع مترو الرياض كمثال ناجح لنظام نقل عام متكامل ومبتكر ونموذجًا إقليمي ورؤية مستقبلية يُحتذى بها في المنطقة، ويعزز من تكامل وسائل النقل في المملكة من خلال ربط المترو بشبكات السكك الحديدية المتجهة إلى مدن رئيسية مثل الدمام، القصيم، وحائل.
مما يوسع نطاق الخدمات المتاحة ويتيح وصولاً سهلاً وفعالاً بين مختلف مناطق المملكة وسيكون لتطوير المحطات لتكون جزءًا من شبكة النقل الكبرى يعكس خطوة استراتيجية نحو تحقيق رؤية الرياض كمدينة ذكية ومستدامة والعمل على جعل المحطات تتضمن مرافق متطورة تلبي احتياجات المواطنين الاجتماعية والإدارية والاقتصادية، مما يعزز من مكانة الرياض كمركز عالمي للنقل المستدام.
ومع استمرار التطورات التكنولوجية، من المتوقع أن يواصل مشروع مترو الرياض تقديم مزيد من الابتكارات التي تعزز كفاءته وتوسع نطاق خدماته فالقطارات الكهربائية التي تعمل بدون سائق، ستظل تتطور، مما يسهم في تحسين تجربة الركاب وزيادة فعالية التشغيل. هذا المشروع يمثل نواة استثمارًية استراتيجيًة في مستقبل العاصمة والمملكة بشكل عام، حيث يسهم في تحقيق أهداف الاستدامة البيئية والاقتصادية ويوفر بيئة أكثر نظافة وصحة وأمانًا للأجيال الحالية والمستقبلية.
أخيرًا وليس آخر، يُعتبر مشروع قطار الرياض الكهربائي ليس مجرد وسيلة نقل فعالة وهي الأهم، بل هو ركيزة أساسية لتحقيق النمو الاقتصادي والصحي والاجتماعي للمملكة من خلال تحسين نوعية الحياة وتعزيز الرخاء المستدام لسكان العاصمة والمناطق الأخرى ولما لهذا المشروع العملاق كنموذج متقدمًا في مجال النقل المستدام ويعزز من قدرة المملكة على تحقيق رؤيتها الطموحة نحو التنمية الشاملة.
نختتم هذا العرس الوطني الكبير بأن ننظر إلى المستقبل بمزيد من التفاؤل والعمل على تشييد شبكة من السكك الحديدية المتداخلة والتي تمتد إلى كل قرية ومدينة، فبلادنا المترامية الأطراف في حاجة ماسة إلى مشروع وطني كبير يصل الأطراف بالمركز عبر شبكة من السكك الحديدية لتفعيل النهضة الاقتصادية والزراعية وذلك بنقل المنتجات الزراعية والصناعية بسهولة ويسر بين أرجاء المملكة والقفز بها إلى مصاف الدول الكبرى، نعم إن هذا المشروع وبأبعاده المتعددة وتأثيراته الواسعة، يمثل خطوة عملاقة نحو مستقبل أكثر إشراقًا وازدهارًا للمملكة وشعبها، ويعكس التزام المملكة بتحقيق الازدهار المستدام للأجيال الحالية والمستقبلية.
البيانات والرسوم التوضيحية للمقال:
1 رسم بياني يوضح خطوط مترو الرياض ويعرض طول كل خط من الخطوط (الخط الأزرق، الأحمر، البرتقالي، الأصفر، الأخضر، والبنفسجي).
2. رسم بياني يوضح الطاقة الاستيعابية الحالية والمتوقعة ,يوضح الزيادة المتوقعة في عدد الركاب اليومي من 1.16 مليون في عام 2024 –2025 إلى 3.6 مليون راكب يوميًا في عام 2034.
خريطة للمسارات (Map)
خريطة توضح توزيع المسارات (الأزرق، الأحمر، البرتقالي، الأصفر، الأخضر، البنفسجي) في الرياض.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال