الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
من وجهة نظر ترمب، يرتبط الرخاء الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر بصناعة قوية للطاقة مع انخفاض تكاليف الطاقة للمستهلكين، فهو ينظر إلى قطاع الطاقة خاصة النفط والغاز، باعتباره العمود الفقري للاقتصاد الأميركي، الذي يغذي الصناعات، ويخلق فرص العمل.
خلال حملته الانتخابية الثانية تبنى ترمب شعار Drill Baby Drill، وركز على تحرير القيود التنظيمية، وتعزيز الإنتاج المحلي، وتقليص البيروقراطية على شركات الطاقة المحلية، وتُركّز حجته على الفوائد الاقتصادية المباشرة لزيادة إنتاج النفط والغاز: خلق فرص العمل، وانخفاض تكاليف الطاقة، والحد من الاعتماد على النفط الأجنبي.
إذا عادت سياسة ترمب الاقتصادية بنفس النهج السابق، فقد تزداد الضغوط على “منظمة أوبك” للحفاظ على استقرار السوق مع احتمال تعقيد معادلات توازن العرض والطلب لاستقرار اسواق النفط العالمية، حيث بات ذلك جليا في خطاب النصر الذي ألقاه الرئيس الأميركي المنتخب “دونالد ترمب” في فلوريدا، قال “لدينا ذهب سائل (نفط وغاز) أكثر من أي دولة في العالم”. “أكثر من المملكة العربية السعودية، وأكثر من روسيا”. بذلك بدأ في تحدي العالم على الفور مؤكدا على أن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك احتياطيات نفطية أكبر من أي دولة أخرى، وهذا ليس دقيقا تماما، صحيح أن الولايات المتحدة الأمريكية حاليا تتصدر إنتاج النفط والغاز عالميا، إلا أنها قد لا تمتلك أكبر احتياطيات مؤكدة.
هل يظل زخم Drill Baby Drill على الورق؟
الرئيس ترمب يدعم ارتفاع إنتاج النفط في نفس الوقت الذي يوعد بأسعار نفط منخفضة وهذا قد لا يشجع على تعزيز استثمارات المنبع، حتى وإن كان منظور ترمب في انتخابات 2024 لتشجيع Drill Baby Drill، بزيادة كبيرة في إنتاج النفط الأمريكي فوق ذروة انتاج 13.4 مليون برميل يوميا، فإن قدرات الطاقة الاستيعابية الأميركية للتصدير لا تتعدى 4.1 مليون برميل يوميا مما يحتاج إلى ضخ استثمارات كبيرة لزيادة مرافق تصدير النفط وهذا يتطلب بيئة أسعار نفط مرتفعة تشجع على استثمارات المصب.
مع ثورة إنتاج النفط الصخري بسرعة في الولايات المتحدة الأمريكية، احتاج المنتجون المحليون إلى منفذ للنفط الخام الخفيف قليل الكبريت Light Sweet، ولأن مصافي التكرير الأمريكية على مدى عقود من الزمن انفقت استثمارات بمليارات الدولارات في بناء مصافي تكرير لمعالجة النفط الخام المتوسط والثقيل عالي الكبريت من منتجي الخليج العربي، هذا الوضع تسبب في إنهاء حظر تصدير النفط الذي دام عقود في شهر ديسمبر عام 2015 عندما وقع الرئيس أوباما على نهاية اي قيود على تصدير النفط الخام. ومع ذلك ظلت الولايات المتحدة مستورد صافي للنفط، ففي عام 2022 استوردت حوالي 6.28 مليون برميل يوميا من النفط وصدّرت حوالي 3.58 مليون برميل يوميا وكانت دول أوبك مصدر %85 من واردات النفط الخام الأمريكية.
هل رئاسة ترمب قد تؤدي إلى خفض أسعار النفط؟
بمنظور ترمب، سياساته المؤيدة لصناعة النفط من شأنها أن تخفض أسعار الطاقة للأميركيين، وتحفز النمو الاقتصادي، وتعيد الولايات المتحدة إلى مكانتها البارزة كقائدة في مجال الطاقة. ومن خلال زيادة إنتاج النفط، يعتقد أن الولايات المتحدة قادرة على التفوق على منتجي “أوبك بلس” لحماية مصالحها الاقتصادية. بالنسبة لترامب، فإن الحد من الأعباء التنظيمية على صناعة النفط من شأنه أن يطلق العنان لموجة من خلق فرص العمل والنشاط الاقتصادي الذي يعود بالنفع على كل أميركي، وخاصة في الولايات التي تعتمد على قطاع الطاقة.
عودة ترمب وزيادة الإنتاج الأميركي سيضع ضغوط هبوطية كبيرة على أسعار النفط، يُعتقد على نطاق واسع أن ترمب سيكون له تأثير هبوطي على الأسعار بسبب السياسات المشجعة لإنتاج المزيد من النفط والغاز، والضغط على منتجي “أوبك بلس” لضخ المزيد من براميل النفط في السوق لأنه يعتقد أن مستويات الأسعار الحالية مرتفعة.
احتمال عودة انسحاب ترمب من اتفاق باريس للمناخ
أثناء فترة رئاسته الأولى، كان ترمب فخور للغاية بانسحابه من اتفاقية باريس لتغير المناخ لأنها ستكلف تريليونات الدولارات، وأنها كانت عملية سرقة للولايات المتحدة قام بإنهائها، في الوقت الذي عاد فيه الرئيس بايدن للاتفاقية مع مطلع فترة رئاسته وأشاد بها مع دعم كبير لسياسات “تغير المناخ”، بضخ الأموال لتغيير سياسات الطاقة، بعد أن وصف تغير المناخ بأنه أكبر تهديد للإنسانية، وأكد على التزام إدارته بخفض انبعاثات الكربون إلى النصف مقارنة بمستويات عام 2005 بحلول عام 2030. لذلك قد تؤثر جدلية تغير المناخ مع تغير كل رئيس أميركي على استدامة الاستثمارات في الطاقة الخضراء والطاقة من الوقود الأحفوري على المدى المتوسط والطويل.
احتمال عودة فرض عقوبات اقتصادية على طهران
في عام 2018 بعد انسحاب ترمب من الاتفاق النووي بين طهران والقوى العالمية خلال فترة رئاسته الأولى، أعاد ترمب فرض العقوبات الاقتصادية على طهران بعد انسحابه من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين إيران والقوى العالمية لكبح جماح البرنامج النووي لطهران مقابل منحها امتيازات اقتصادية.
بالرغم من أن بعض البيانات تشير إلى أنه كان متوسط صادرات إيران من النفط والمكثفات أقل من 500 ألف برميل يوميا طوال النصف الثاني من عام 2019 مع دخول العقوبات التي فرضها ترمب حيز التنفيذ، لكنها بدأت في الارتفاع في عام 2021 واستمرت في الارتفاع منذ ذلك الحين. بلغ متوسط الصادرات حوالي 1.6 مليون برميل يوميا متوسط هذا العام. لذلك أثرت إعادة فرض العقوبات الأميركية في عام 2018 على صادرات إيران النفطية وأدت إلى خفض العوائد الحكومية وإجبار طهران على اتخاذ خطوات لا تحظى بقبول شعبي مثل زيادة الضرائب فضلا عن مواجهة عجز كبير في الميزانية، وهي السياسات التي أبقت التضخم السنوي مرتفع بالقرب من %40 أثناء فترة رئاسة ترمب الأولى.
التحول الرئيسي في أسواق الطاقة العالمية هو احتمال عودة خروج ترمب من اتفاقية باريس للمناخ في فترة رئاسته الثانية مطلع عام 2025، يأتي ثانيا احتمال إعادة العقوبات الاقتصادية على طهران والضغط عليها، وإن كان هذا تأثيره محدودا الا إذا تبنى ترمب مرة أخرى “الضغط الأقصى” اقتصاديا على طهران، فقد تنخفض صادرات النفط الإيرانية بنحو مليون برميل يوميا فقط دون مستواها الحالي 1.6 مليون برميل يوميا، مما قد يكون له تأثير ضئيل على حركة أسعار النفط خاصة في حال استمرار توجه براميل النفط الإيراني الى الصين خارج النظام المالي العالمي او مع استمرار عمليات المقايضة.
مناوشات منصة “X” قد لا تؤثر على نهج “أوبك+”
تستمر جهود منتجي “أوبك بلس” لتعزيز توازن السوق حتى مع مخاوف مواجهة تباطؤ الطلب، حيث تحتفظ بحوالي 5.5 مليون برميل يوميا، نحو 2.3 مليون برميل يوميا حتى نهاية عام 2025 ونحو 2.2 مليون برميل يوميا حتى نهاية ديسمبر 2024، وهذا ثاني أكبر خفض للإنتاج بعد الجائحة منذ عام 2008.
من المفترض أن استراتيجيات منتجي “أوبك بلس” لا تتأثر بالضغوط السياسية ولا بالمناوشات على مواقع التواصل الاجتماعي، نذكر أن تغريدات ترمب التي يطالب فيها “منظمة أوبك” بزيادة الإنتاج لخفض الأسعار بدأت في عام 2018 كلما ارتفع سعر خام برنت فوق 75 دولار. واستمرت تغريدات ترمب طوال عام 2018، حتى عندما وصل سعر خام برنت إلى أعلى مستوى له في أربع سنوات عند 86 دولار في أكتوبر 2018، قبل أن يمنح إعفاءات مفاجئة من العقوبات لأكبر مستوردي النفط الإيراني، والذي هبط بالأسعار إلى أقل من 55 دولار في نهاية عام 2018، واستمرت الأسعار في التحرك في نطاق ضيق بين 55 و 65 دولار حتى أوائل عام 2019.
في عام 2019، أرسل ترمب إشارة أخرى إلى “منظمة أوبك” بأنه لن يتسامح مع أسعار النفط فوق 70 دولار عندما غرد بأن “الأسعار ترتفع وأن الاقتصاد العالمي هش ولا يمكنه تحمل ارتفاعها”، في حين كانت مستويات الأسعار أقل بمقدار 10 دولار مما كانت عليه عندما غرد عن جهود أوبك في عام 2018. أما في ذروة الجائحة، بعد أكبر صدمة للطلب على النفط في التاريخ، أشاد ترمب بجهود المملكة العربية السعودية وروسيا في احتواء الجائحة بعد أكبر خفض للإنتاج في التاريخ لدورهما في استقرار سوق الطاقة أثناء الجائحة.
هل سيؤثر ترمب على سياسات “أوبك”؟
وعد ترامب بتعزيز استقلال قطاع الطاقة في الولايات المتحدة يُترجم بدعم صناعة النفط والغاز المحلية، مما سيؤدي إلى زيادة إنتاجها، خاصة أنها خارج جهود منتجي “أوبك بلس” خاصة وان أسعار النفط ومشتقاته في عهد ترمب أقل من متوسطها الحالي أثناء فترة إدارة بايدن.
قد يقترح البعض تحرك استباقي من منتجي “أوبك بلس” قبل وصول الحزب الجمهوري إلى السلطة في الولايات المتحدة مطلع عام 2025، على سبيل المثال من خلال دراسة أو ربما إعادة النظر في عودة خفض الإنتاج من مطلع عام 2025 حتى نهايته، لأن هذه ورقة مهمة للعب لاحقا، ولا ننسى أن مستويات أسعار النفط الحالية فوق 70 دولار تعتبر أسعار مرتفعة من منظور ترمب الا اذا تغير منظوره في فترة رئاسته الثانية لدعم استثمارات المنبع والمصب الأميريكية.
في الجهة المقابله، عودة الحزب الجمهوري تعني الابتعاد عن شيطنة النفط بشعار ترمب للحفر المستمر Drill Baby Drill، وهو ما سيعمل على ازدهار صناعة النفط والغاز في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الحفاظ على عودة الولايات المتحدة كأكبر منتج للنفط والغاز، وربما الخروج من اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ مرة أخرى، واستعادة مجد صناعة السيارات الأميريكية، وهو ما سيدعم توقعات الطلب على المنتجات البترولية المكررة ومن ناحية أخرى فرض ضرائب على السيارات الكهربائية الصينية.
لا تحتاج “منظمة أوبك” إلى تغيير سياساتها من أجل ترمب، حتى مع افتراض أن إعادة براميل الخفض من منتجي “أوبك بلس” إلى السوق تدريجيا من مطلع عام 2025 حتى نهايته إذا كانت ستضع مزيد من الضغط الهبوطي على الأسعار، اذا قد يحتاج منتجي “أوبك بلس” إلى أكثر من مجرد تأجيلات مؤقتة لزيادة الإنتاج لوضع أرضية أكثر صلابة للأسعار من جهة، ولمواجهة تحديات ترمب من جهة اخرى، حيث من المفترض أن لا تتأثر سياسات “منظمة أوبك” بتغريدات ترمب أو أي ضغوط سياسية أخرى.
توازن العرض والطلب ومتطلبات قوى وأساسيات السوق هو من سيحدد سياسات الإنتاج الملائمة القادمة. تغريدات ترمب قد تؤثر على معنويات وهدوء السوق. ومع ذلك، سيواصل منتجو “أوبك بلس” تقييم ظروف السوق وضبط إنتاج النفط وفقا لاحتياجات السوق واستقراره، حتى وإن أثرت ضغوط ترمب على هدوء السوق واحداث ضغط هبوطي على الأسعار، لكن هذا قد لا يؤدي بالضرورة إلى تحسين الاقتصاد الكلي. لذلك لا تحتاج “منظمة أوبك” إلى تغيير استراتيجيتها الإنتاجية بناء على نظرة ترمب، لكن سياسات ترمب قد تدعم صناعة النفط الأميركية وتتسبب في زيادة مضطرده لإنتاج النفط الأميركي قد تعيد إلى الاذهان ماحصل في عام 2015 من تفاقم المعروض وهبوط الاسعار، حيث هبط متوسط سعر خام برنت من 98 دولار في عام 2014 إلى 53 دولار في عام 2015 بسبب تفاقم المعروض.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال