كيف تساهم الكتب المتخصصة في توجيه المستثمرين نحو الاقتصاد السعودي؟: دراسة في كتاب Doing Business with Saudi Arabia

في ظل التحولات الاقتصادية الكبيرة التي تشهدها المملكة العربية السعودية بفضل رؤية 2030، أصبحت بيئة الأعمال والاستثمار فيها من أكثر البيئات جذبًا واهتمامًا عالميًا. خلال بحثي على جوجل سكولار، وقعت عيني على كتاب بعنوان Doing Business with Saudi Arabia للمؤلف أنتوني شولت، وهو كتاب شامل يتناول بيئة الأعمال في المملكة من جوانب متعددة، بدءًا من الفرص الاستثمارية وانتهاءً بالتحديات. جذب الكتاب فضولي، ليس فقط بسبب محتواه، بل أيضًا بسبب تخصص الكاتب وخبرته التي تزيد عن 20 عامًا في تقديم الاستشارات الاستراتيجية للشركات الدولية، مع تركيز خاص على السوق السعودي.

الكتب المتخصصة كأدوات لتعزيز الاستثمار

تلعب الكتب المتخصصة في بيئات الأعمال، مثل كتاب Doing Business with Saudi Arabia، دورًا حيويًا في بناء قاعدة معرفية حول السوق السعودي، وتساعد المستثمرين المحتملين على اتخاذ قرارات مدروسة. هذه الكتب توفر معلومات عن الأنظمة القانونية والأنماط الثقافية، كما تلقي الضوء على التغيرات والتحديثات التي تجريها المملكة في إطار تعزيز مناخ الاستثمار. من خلال شرح هذه العوامل، تستطيع الكتب المتخصصة توجيه المستثمرين نحو أساليب التعامل مع التحديات بشكل يجعل دخول السوق السعودي عملية ميسرة.

تعتبر هذه الأدلة مرجعًا مهمًا يساعد المستثمرين على تحقيق النجاح وبناء شراكات مثمرة، خاصةً في الأسواق التي تميزها بعض الخصوصيات الثقافية والقانونية. وبالنسبة للسعودية، تُعتبر هذه الكتب وسيلة ممتازة للترويج للإمكانات الاقتصادية الهائلة التي توفرها للمستثمرين العالميين. كما أن السعودية وجهة واعدة ومثيرة للاهتمام بفضل المبادرات الحكومية لتحسين بيئة الأعمال وتنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد الكامل على النفط.

نقاط مثيرة للاهتمام في الكتاب

أثناء قراءة الكتاب، وجدت بعض النقاط المثيرة التي يمكن أن تكون مفيدة لأي مستثمر يضع عينيه على السعودية. ومن أبرز هذه النقاط:

1. أهمية الثقافة المحلية: شدد الكاتب على ضرورة فهم المستثمرين للثقافة السعودية، وكيفية تأثير العادات والتقاليد على بيئة العمل. أشار إلى أن احترام الثقافة والقيم المحلية يُعد عنصرًا أساسيًا لنجاح الاستثمار في السعودية. يبدو أن الكاتب كان حريصًا جدًا على إبراز “الحذر الثقافي”، وكأنه يُخبر المستثمرين أن عليهم أن يصبحوا خبراء في العادات والتقاليد المحلية قبل حتى أن يعرفوا قوانين البلد. بالطبع، الاحترام مهم، لكن القليل من المرونة يمكن أن يقطع شوطًا طويلًا.
2. التغيرات القانونية والتشريعية: سلط الكتاب الضوء على الإصلاحات الجديدة التي أجرتها المملكة بهدف جذب الاستثمارات، مثل تقليل البيروقراطية وتحسين الأنظمة القانونية. هذا التوجه يعكس الجهود المبذولة لتحسين بيئة الأعمال وتسهيل الاستثمار. بالنسبة للمستثمرين، يُعد فهم هذه القوانين خطوة أولى أساسية لتجنب العوائق القانونية المحتملة. من الواضح أن الكاتب يعتقد أن الحصول على الترخيص هو نصف النجاح.
3. الفرص الاستثمارية الواعدة: يُبرز الكتاب بعض القطاعات الاقتصادية ذات الإمكانيات الكبيرة، مثل الطاقة المتجددة، التكنولوجيا، الصحة، والسياحة. وتُعد هذه المجالات من أبرز أولويات رؤية 2030، حيث توفر المملكة فرصًا هائلة لتحقيق النمو والتنوع الاقتصادي. مع هذا الطموح الكبير، قد يتساءل المستثمر: هل سيأتي يوم تصبح فيه السعودية عاصمة السياحة والترفيه؟ قد يكون من الجيد أن نحلم بهذه اللحظة، حتى لو كانت قيد الإنجاز حاليًا.
4. التحديات المتعلقة بالتنافسية والبنية التحتية: أشار شولت إلى التحديات التي تواجه المستثمرين الأجانب في السوق السعودي، بما في ذلك المنافسة القوية ومتطلبات الامتثال. كما ذكر أهمية تطوير البنية التحتية بما يتماشى مع نمو الاستثمارات. المشكلة أن المؤلف يجعلك تشعر وكأنك ستحتاج إلى خطة معركة كاملة للدخول في السوق. لحسن الحظ، التنافسية أمر طبيعي، وحتى مطلوبة، وتطور البنية التحتية هو تحدٍ مشترك في أي سوق نامٍ.

الاختلافات والتحديات غير الدقيقة في الطرح

رغم أن الكتاب يسلط الضوء على الكثير من الجوانب الأساسية لبيئة الأعمال، إلا أن هناك بعض النقاط التي لاحظت فيها اختلافًا عما يجري على أرض الواقع في السعودية، وخاصة في ضوء التحديثات المستمرة التي تجريها المملكة:

1. التحديات البيروقراطية: أشار الكاتب إلى أن البيروقراطية قد تعيق الاستثمار وتزيد من صعوبة الوصول إلى التراخيص المطلوبة. لكن مؤخرًا، أجرت المملكة إصلاحات كبيرة لتقليل البيروقراطية وتسريع الإجراءات، وقد أطلقت منصة “مراس” لتسهيل إجراءات بدء الأعمال، مما يتعارض مع ما أورده الكاتب. يبدو أن الكاتب ما زال يتحدث وكأن الطوابير لا تزال خارج أبواب المكاتب الحكومية، بينما الواقع يقول إن معظم الإجراءات اليوم تتم بشكل رقمي وسريع.
2. التغيرات الثقافية: تناول الكتاب الفروق الثقافية بنظرة ربما تكون مبالغًا فيها، حيث ركز على أن الاختلافات الثقافية قد تشكل حاجزًا للمستثمرين. في الواقع، هناك مرونة أكبر وانفتاح على ثقافات جديدة في المملكة، خاصة مع الجيل الجديد من الشباب السعودي الذي يتفاعل بشكل إيجابي مع ثقافات الأعمال المختلفة. فهل نحتاج إلى “شهادة في الثقافة السعودية” للقيام بأعمال تجارية هنا؟ لا أعتقد ذلك.
3. الاستقرار والسياسات الاقتصادية: أشار الكاتب إلى أن التغيرات السريعة في السياسات قد تخلق بيئة غير مستقرة للمستثمرين. لكن بفضل رؤية 2030، أصبحت السياسات أكثر استقرارًا، حيث تتبع المملكة استراتيجيات طويلة الأمد واضحة المعالم، تعطي المستثمرين رؤية أوضح للمستقبل. قد يكون الكاتب محقًا من وجهة نظر الماضي، لكن الأمر تغير اليوم، والمستثمرون يجدون في المملكة استقرارًا ملموسًا يتيح لهم التخطيط على المدى البعيد.
4. التوسع في القطاعات غير النفطية: كان الكاتب متحفظًا نوعًا ما حول مدى تقدم المملكة في مجال التنوع الاقتصادي خارج قطاع النفط. في الواقع، يشهد الاقتصاد السعودي تطورًا كبيرًا في عدة مجالات مثل السياحة والترفيه، مما يعكس التزام المملكة الفعلي بتطوير قطاعات غير نفطية قوية ومستدامة. ربما كان المؤلف لا يزال يعتقد أن المملكة تقتصر على النفط، لكنه قد يُفاجأ اليوم بالتقدم الهائل في القطاعات غير النفطية.

دعم الكتب المتخصصة من قبل الجهات السعودية

ولا أقصد هنا التقليل من جهود وزارة الاستثمار في تعزيز بيئة الأعمال، لكن نشر مثل هذه الكتب من جهات غير رسمية قد يسبب بعض المخاوف غير المبررة لدى المستثمرين. إذ قد يتم التركيز على بعض التحديات أو التحديات الماضية بشكل مبالغ فيه، مما قد يعطي المستثمرين صورة غير واقعية.

ولذلك، لو كانت هذه الكتب تُنشر بدعم من وزارة الاستثمار، لتكوّنت نظرة أكثر شمولية وموثوقية، ولأصبحت مصدرًا رسميًا يعطي المستثمرين الأجانب الطمأنينة والمعلومات الكاملة حول بيئة الأعمال السعودية. وقد تكون هذه خطوة كبيرة نحو تعزيز الاستثمار الأجنبي، إذ تقدم هذه الكتب شرحًا شفافًا للوائح والسياسات والتحديثات التي تجري في المملكة.

الخلاصة: الكتب المتخصصة كأدوات حيوية للترويج للبيئة الاستثمارية السعودية

في الختام، يُعتبر كتاب Doing Business with Saudi Arabia مثالًا على نوعية الكتب التي يمكن أن تساهم في تعزيز الاقتصاد السعودي. ورغم بعض الملاحظات والتحفظات التي أوردها الكاتب، إلا أنه يقدم رؤية شاملة تتيح للمستثمرين فهم بيئة الأعمال المحلية وتوجيههم نحو كيفية الاستفادة من الفرص الاستثمارية. ومن خلال تبني ورعاية هذه الكتب من قِبل الجهات الرسمية في المملكة، يمكن تحسين الشفافية وتسهيل دخول المستثمرين الأجانب إلى السوق السعودي، ما يجعل السعودية وجهة مثالية للاستثمار والتنمية الاقتصادية.