الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
اجتمع قبل أيام حوالي 1500 مسؤول حكومي وكبار رجال الأعمال وواضعوا السياسات من جميع أنحاء العالم في مدينة الجبيل من أجل حضور المؤتمر الدولي السادس لمدن التعلم الذي عقدته منظمة اليونيسكو. بالإضافة إلى كونها أكبر مدينة صناعية على وجه الأرض، تتمتع مدينة الجبيل بالبنية التحتية وجميع المرافق وسبل الراحة التي تحتاجها أي مدينة من أجل استضافة فعالية ذات طراز عالمي، حيث تضم أنظمة النقل العام، والطرق السريعة والطرق السريعة محدودة الدخول، والفنادق الفاخرة، والمطاعم، والمستشفيات، والجامعات، وقاعة جديدة تمامًا وحديثة للغاية من أجل أن يجتمع بها الحاضرين.
ما يلفت الانتباه، هو أنه قبل 50 عامًا فقط، كانت هذه المدينة الكبرى المترامية الأطراف الآن — التي تساهم بواقع 7% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية — ليست أكثر من شريط ساحلي مهجور على الخليج العربي، والذي كان في السابق موقعًا لقرية صيد قديمة. لم تكن بنيتها التحتية صغيرة أو قديمة فحسب، بل كانت غير موجودة عمليًا.
ومع ذلك، على مدار خمسة عقود، شهدت مدينة الجبيل نموًا لتصبح قوة عظمى في مجال البتروكيماويات حيث أنها مجهزة بالمصانع ومصافي النفط والمجمعات الصناعية، وليس ذلك فحسب، بل تضم أيضًا منطقة سكنية مزدهرة تتسم بجميع تجهيزات المدينة الحديثة. لكن على عكس المدن المزدهرة التي تنشأ حول اكتشاف مورد ثمين، لم يكن مسار مدينة الجبيل عشوائيًا، بل كان شيئًا أكثر طموحًا: مدينة مخططة بدقة تم إنشاؤها من خلال واحدة من أكثر الشراكات المثمرة بين القطاعين الحكومي والخاص في القرن العشرين وما بعده.
على الرغم من أصولها الفريدة، كما سيرى الحاضرون هذا الأسبوع، يمكن للمدن في جميع أنحاء العالم أن تستخلص الرؤى من تاريخ الجبيل المبتكر في التعاون والنمو المذهل – بل والمستقبل الواعد.
نوع جديد من المدن الصناعية
وُضعت أسس مدينة الجبيل مبكرًا وذلك من خلال لقاء محوري في عام 1944، حيث سافر الأمير فيصل بن عبد العزيز – آن ذاك- من المملكة العربية السعودية إلى سان فرانسيسكو لمقابلة الرئيس التنفيذي السابق لشركة بكتل، ستيفن بكتل الأب، في حوض بناء السفن التابع للشركة، حيث كانت شركة بكتل تقوم ببناء سفن بحرية للحرب العالمية الثانية. تأثر الأمير بما شاهده، واستعان بشركة بكتل للعمل على عدة مشاريع بنية تحتية رئيسية في المملكة.
منذ البداية، كانت شراكة تجمع بين رؤية المملكة الجريئة والقدرة التنفيذية لشركة بكتل. وبعد ما يقارب ثلاثة عقود من العمل الناجح معًا على مشاريع بارزة تتراوح بين خط الأنابيب العابر للجزيرة العربية والعديد من المطارات الرئيسية، وضعت المملكة نصب عينيها على شيئًا غير مسبوق: تنويع الاقتصاد القائم على النفط في المملكة من خلال بناء مدينة صناعية من الصفر في مدينة الجبيل، ومع ثقته في التاريخ الطويل للتعاون بين المملكة و بكتل، كلفهم بإدارة ما أصبح المشروع الهندسي المدني الأكثر طموحًا في العصر الحديث.
من الصعب وصف حجم ما حققته شركة بكتل والمملكة لأن لا يوجد ما يعادل ذلك في العصر الحديث. معًا، شكلت شركة بكتل والهيئة الملكية للجبيل وينبع فريقًا متكاملًا تمامًا لإدارة المشروع والإنشاءات اللازمة في الجبيل. بالإضافة إلى بناء المصانع ومصافي النفط حيث قام الفريق ببناء البنية التحتية الأساسية — مثل أنظمة الاتصالات، ومحطات الطاقة، والطرق السريعة — من الصفر. بحلول عام 1987، اقتبست صحيفة نيويورك تايمز تصريحًا من مسؤول أمريكي كان يواجه صعوبة في وصف الجهد المبذول، حيث قال: “ربما هناك شيء في العالم القديم يمكن أن يكون منافساً.”
مدينة بنيت من أجل المستقبل
لو انتهت القصة عند هذا الحد، ربما لم تكن مدينة الجبيل لتصبح اليوم تلك المدينة النظيفة والمزدهرة و المتطورة للعيش . لكن الهيئة الملكية للجبيل و ينبع لم تتوقف عند بناء مركز صناعي مزدهر، لقد توقعوا متطلبات المستقبل، مدركين أن استيعاب عدد السكان المتزايد يتطلب توفير فرص متنوعة في اقتصاد عالمي متغير، مع جعل المدينة مكانًا مرغوبًا للعيش والعمل وتربية الأسر.
ولتحقيق ذلك، استثمرت الهيئة الملكية للجبيل و ينبع في مشروع موسع آخر مع شركة بكتل في عام 2005، حيث تم مضاعفة مساحة المدينة لتصل إلى 687 ميلاً مربعًا، وتم إطلاق عليها اسم مدينة الجبيل 2 وتم إضافة مجمعات صناعية، ومراكز طبية، ومراكز تسوق، ووحدات سكنية، ومدارس ثانوية، وجامعات. وفي الآونة الأخيرة، قامت شركة بكتل ببناء كلية الجبيل الجامعية، وهي موقع مؤتمر مدن التعلم، والتي تقدم تدريبًا فنيًا ومهنيًا يهدف إلى تنمية المواهب لخدمة الصناعات في مدينة الجبيل. حتى الآن، أدى تركيز المنطقة على التعليم إلى نتائج متميزة: ففي عام 2023، حصلت مدينتي الجبيل وينبع على المرتبتين الأولى والثانية على مستوى المملكة في اختبارات التحصيل.
كما أصبحت البنية التحتية المستدامة محور اهتمام رئيسي في مدينة الجبيل، فهي تضم واحدة من أكبر محطات تحلية المياه في العالم، والتي تزود سكان مدينة الجبيل وسكان المدن الأخرى مثل الرياض بالمياه العذبة، مع وجود محطة أكبر قيد الإنشاء حاليًا. ومع سعي المملكة العربية السعودية لتحقيق هدفها المتمثل في الوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2050، تستكشف الدولة أيضًا منشآت لاحتجاز الكربون وتخزينه للحد من الانبعاثات في المناطق الصناعية مثل مدينة الجبيل.
مشاريع ضخمة تستطيع مواجهة التحديات
التحديات التي تواجهها المدن اليوم – مثل التوسع الحضري السريع، وتغير المناخ، وندرة الموارد، وأولويات الاقتصاد المتغيرة – غير مسبوقة من حيث الحجم والتعقيد. ويجب أن يرتقي مستوى الحلول إلى مستوى الطموح من أجل التغلب على هذه التحديات. في العديد من الجوانب، كانت مدينة الجبيل سابقة عصرها، حيث أقامت شراكات مبتكرة لتسريع التحول والتطور في ظل وجود عالم متغير.
ومع تجمع الحاضرين في مؤتمر مدن التعلم الذي تنظمه مؤسسة اليونيسكو لمناقشة الاستدامة والمرونة الحضرية، تقدم قصة مدينة الجبيل تذكيرًا قويًا: أن القيادة الملهمة، والتعاون، والابتكار ليست مجرد خيارات – بل هي أمور ضرورية. إذا كانت المدن ترغب في الازدهار، فلا يمكنها أن تخشى الأفكار الجريئة التي تمهد الطريق لمستقبل مزدهر. وتثبت مدينة الجبيل أن ذلك ممكن تحقيقه.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال