الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تخيّل أنك تجلس مع مجموعة من أفضل العقول المالية في العالم في قاعة اجتماعات، كلهم غارقون في جداول الأرقام والمعادلات المعقدة. فجأة، يدخل “طفل عبقري” يضع أمامهم ورقة صغيرة ويقول: “وجدت الحل في دقائق!”. هذا “الطفل” هو الحوسبة الكمومية، التقنية التي قد تجعل حتى عباقرة المال يتساءلون: “هل نحتاج كل هذه السنوات من الخبرة بعد الآن؟”
الحوسبة الكمومية ليست مجرد جهاز كمبيوتر “أسرع” من الحواسيب التقليدية؛ بل هي طريقة تفكير جديدة كليًا. بدلاً من التفكير المنطقي البسيط الذي يعتمد على 0 و1 فقط، الحوسبة الكمومية تستخدم “الكيوبتات” التي يمكن أن تكون في حالة 0 و1 في نفس الوقت. بلغة أسهل، هذا يعني أنها تستطيع حل ملايين الاحتمالات والسيناريوهات دفعة واحدة، في الوقت الذي يحتاج فيه العقل البشري لسنوات لحل معادلة واحدة.
فكر مثلاً في “تداول الأسهم”. اليوم، أفضل المتداولين يستخدمون الخوارزميات لتحليل البيانات الكبيرة والتنبؤ بحركة السوق. لكن في النهاية، هذه الخوارزميات بطيئة نسبيًا مقارنة بسوق يتحرك في أجزاء من الثانية. الحوسبة الكمومية قادرة على تحليل الأسواق لحظيًا والتنبؤ بأفضل الفرص الاستثمارية في وقت قد لا تتجاوز مدته رمشة عين.
أما في جانب إدارة المخاطر، فهنا تكمن القوة الحقيقية. من محاكاة آلاف السيناريوهات في المستقبل لتقييم المخاطر المحتملة، إلى تحسين المحافظ الاستثمارية المعقدة، الحوسبة الكمومية ستجعل الأرقام تعمل بطريقة مختلفة. بدل أن نقول: “هذا النموذج أعطى نسبة 60% نجاحًا”، سنقول: “هذه النتيجة هي الأقرب للواقع بنسبة 99%”.
لكن السؤال هنا: هل الحوسبة الكمومية ستُغني عن خبراء المال والمحللين؟ الجواب باختصار: لا. التقنية وحدها لا تستطيع اتخاذ القرار، لكنها ستغير دور الإنسان في العملية. بدلاً من الغرق في الحسابات اليدوية والنماذج التقليدية، سيُصبح دور الخبير المالي هو استخدام نتائج الحوسبة الكمومية لرؤية الصورة الأوسع، واتخاذ قرارات استراتيجية أكثر ذكاءً.التحدي الحقيقي اليوم ليس في قوة الحوسبة الكمومية بحد ذاتها، بل في الاستعداد لها. هل البنوك والشركات الاستثمارية جاهزة للتخلي عن الطرق التقليدية واحتضان هذه الثورة التقنية؟ وهل الأفراد العاملون في القطاع المالي يمتلكون المهارات اللازمة للعمل مع هذه التكنولوجيا؟
نحن نقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة، حيث لم يعد السؤال: “متى ستصل الحوسبة الكمومية؟”، بل أصبح: “من سيسبق إلى تبنيها ويقود المستقبل؟”. الشركات التي ستتأخر قد تجد نفسها خارج اللعبة أسرع مما تتخيل، لأن المال، كما تعلمون، لا يعترف بالمتأخرين. في النهاية، الحوسبة الكمومية ليست مجرد تهديد أو فرصة؛ إنها التغيير نفسه. وكما كان الإنترنت ثورة في التسعينيات، ستكون الحوسبة الكمومية مفتاح الثورة القادمة. الفرق هذه المرة؟ من يفهم اللعبة مبكرًا سيحصد المكاسب أولاً.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال