الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يواجه الاقتصاد الصيني تحديات مقلقة نتيجة وقع السياسات التحفيزية غير الفعّالة واعتماده المفرط على السندات الحكومية، والتي تحمل أوجه تشابه مع ما وصلت إليه اليابان في مرحلة زمنية سميت “العقد الضائع” – في التسعينيات ميلادية – وما مرّت به أوروبا أيضا، إذ تقدم هي الأخرى أمثلة متشابهة ربما أكثر وضوحا.
تصاعد الإقبال على السندات الحكومية في الصين كملاذ آمن بسبب الشكوك الاقتصادية، مما يعوق تدفق الأموال نحو القطاعات العضوية التي تعزز النمو الحقيقي، وهذه الظاهرة تستحضر إلى الأذهان ما حدث في اليابان أعقاب انفجار فقاعة الأصول في أواخر الثمانينيات، حيث لجأت اليابان إلى سياسات نقدية توسعية وخفضت أسعار الفائدة بشكل حاد، مما أدى إلى تدفق السيولة إلى السندات الحكومية بدلًا من القطاعات الإنتاجية، وتعرض الاقتصاد الياباني لعدة عقود من النمو البطيء، وأصبحت مشكلته هيكلية أكثر منها مجرد أزمة مؤقتة.
أيضا في أوروبا أعقاب الأزمة المالية العالمية وأزمة الديون السيادية، اتجهت السيولة نحو السندات الحكومية، ولتواجه دول منطقة اليورو مثل اليونان، إيطاليا، وإسبانيا تحديات هيكلية، ومع بداية 2020 عاشت العديد من دول الاتحاد أزمة ديون سيادية خانقة، فلجأت إلى إصدار سندات حكومية بكم هائل، معتمدين على دعم البنك المركزي الأوروبي (ECB) من خلال برامج شراء السندات، وعلى الرغم من أن هذه السياسات ساعدت في تحقيق الاستقرار المالي لها، إلا أن السيولة الزائدة التي تدفقت إلى السندات الحكومية أثرت على الاستثمار في القطاعات الإنتاجية.
ومع برامج التيسير الكمي التي أطلقها البنك المركزي الأوروبي – كما كان الحال في اليابان – والذي شمل خفض أسعار الفائدة إلى مستويات تاريخية، أجبر النمو الاقتصادي ليكون بطيئًا فيها، خاصة في دول مثل إيطاليا وإسبانيا، وذلك بسبب عدم قدرتها على معالجة مشاكلها الهيكلية، مثل ارتفاع معدلات البطالة وتراجع الإنتاجية، مما جعل السياسات النقدية غير كافية لتحفيز النمو.
تباعا وبعد الأزمة المالية العالمية، انخفضت ثقة المستثمرين في قدرة الحكومات اليابانية والأوروبية على إدارة أزماتها المالية، مما أدى إلى ارتفاع الفوائد على السندات الحكومية في بعض دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن تدخل البنك المركزي الأوروبي أعاد الاستقرار النسبي، لكن استمر الحذر يهيمن على سلوك المستثمرين، ما دفعهم للاستثمار في أدوات مالية آمنة.
الحاصل اليوم في الصين يشابه ما حدث في اليابان وأوروبا، فهناك أزمة ثقة في قدرة اقتصادها على تحقيق نمو مستدام، والإشارات تدل على أن الصين تواجه تحديات هيكلية مشابهة، مثل أزمة قطاع العقارات وارتفاع مديونية الشركات، مما يعوق استفادتها الكاملة من السيولة النقدية المتدفقة في الاقتصاد، واستمرارها في مسارها الحالي يعني تباطؤ طويل الأمد في النمو.
لكن تظل الصين صاحبة مزايا خاصة بها، مثل سوق محلية ضخمة وقاعدة صناعية قوية وقدرة على الابتكار المتفوق، ولا يستبعد – لتجنب خطر درب “العقد الضائع” – أن تبدأ في تقديم حوافز جاذبة للاستثمار في القطاعات الصناعية والابتكارية بدلًا من الاعتماد الثقيل على السياسات التحفيزية والعائدات المحدودة للسندات، فالدول الأوروبية التي نجحت في تقليل الاعتماد على الديون الحكومية – مثل ألمانيا – ركزت على التنويع الاقتصادي من خلال دعم الصناعات والابتكار.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال