الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الاقتصاد الذي بقي مثيرًا للجدل على مدى سنوات طويلــة وحتى اليوم، بالرغم من تطور علوم المال والمدارس الاقتصادية والأنظمة والقوانين والتشريعات التي تعمل على ضبط النسق الاقتصادي والتحكم به ومراقبتـــه، ويُـــعتبر قوة دافعة هائلة لم تظهر للعلن حتى اليوم ولم يتم الأعتراف بها، لتبقى في خفاء مستديم، جاء البقاء في الظل بسبب الغموض الأحصائي له وبيانته الغير متوفرة والأيدي الخفية العديدة التي تعمل على أن يكون متواري عن الأنظار لأطول فترة ممكنة، الحديث هنا في السطور القادمـــة عن الاقتصاد الخفي أو الأســود أو مايسمى باقتصــــاد الظل. المصطلح الذي أتفق الجميع على أنه مفهوم غامض، ولم يُصاغ حتى الأن بشكل جيد، ولكن أتفق الجميع على أن له تأثير هائل على الأقتصاد الرسمي المنظم، ليكون بذلك اقتصاد يعمل بلا صياغة ولا نظرية وحتى بلا أجوبة على العديد من الأسئــــــلة المطروحة.
على الرغم من أن تعريف اقتصاد الظل يُعد تحديــًا كبيرًا على الجميع، الا أنه ظهرت بعض التعاريف العامة التي تحاول شرح هذا الهائل الغامض، جاء التعريف على أنه نشاط اقتصادي لا يقع ضمن المحاسبة الحكومية، وليس له أي بيانات يمكن الأستناد عليها لدراسته وتحليله، ويمكن أن يكون هذا النشاط قانونيــًا بشكل كامل مثل العمل اليومي غير المسجل، والأنتاج المنزلي، ويمكن أن يكون غير قانوني وهو يمثل الجزء الأكبر من اقتصادات الظل مثل تجارة الممنوعات. يتم اخفاء هذا النوع من الأنشطة لأسباب عديدة منها تجنب الضرائب بكافة أنواعها، الملاحقة القانونية، نظام التقاعد، وأنظمة العمل والعمال مثل الحد الأدنى للرواتب والحد الأعلى لساعات العمل وغيرها. تعتمد بلدان عديدة وخاصة في أمريكا اللاتينية على اقتصاد الظل بشكل هائل بسبب مشاركته القوية بالتوازي مع الاقتصاد المنظم في التوظيف، لذلك تعتمد بعض تلك البلدان على البقاء ساكنًـــا دون تدخل في محاربة هذه الأنواع من الأنشطة، أذا تم القضاء عليها من سيعمل على توظيف كل من يخرج من هذه الأنشطة!
بسبب صعوبة قياس حجم اقتصاد الظل، يعمل الاقتصاديين على دراسة بعض العوامل والمؤشرات التي من خلالها يمكن القاء نظرة ولو مبسطة على حجم وشكل ونوعية هذا الاقتصاد الخفي. أولى الطرق هي قياس نسبة النقد خارج البنوك على نسبة النقد خارج البنوك بالأضافة الى الودائع (M0/M1)، حيث أن من يعمل في هذه الأنشطة يستخدم النقود كوسيلة للتبادل الوحيدة، زيادة نسبة النقد خارج البنوك دليل على حجم هذه الأنشطة الخفية. أيضًا يمكن النظر على مؤشرات القوى العاملة في سوق العمل من خلال معدل مشاركة القوى العاملة في الاقتصاد ومعدل نمو هذه القوى، على سبيل المثال، لو أن معدل القوى العاملة في الاقتصاد حسب إحصائيات الحكومة هي 100 شخص داخل عمر العمل القانوني وقادر على العمل، ولكن هناك 70 شخصًا من هولاء هم فقط من يبحثون عن العمل، بالتالي هناك أشارة على أن الــ 30 شخصًا المتبقين يعملون في أنشطة الظل. بعض الدراسات العلمية تُشير الى أن أقتصاد الظل هو العدل الأول في الاقتصاد الحديث، حيث أنه يتواجد في جميع اقتصادات العالم المتطورة والنامية والتي في طور التحول من متطورة الى ناميــــة، هذا الأستنتاج رفع درجة التعقيد في فهم اقتصاد الظل ومداخيلـــــه.
جاء الرائع عالم الاقتصاد البيروفي دي سوتو بكتاب – الطريق الأخــر – لتأييد ودراسة هذا النوع من اقتصادات الظل في البيرو، حيث قام بعمل تجربة على محاولة فتح محل للملابس في ليما – عاصمة البيرو وأكبر مدنها – ولكن وبسبب التنظيم المفرط والأجراءات البيروقراطية الهائلة في تشريعات وقوانين البيرو أخذ هذا العمل أكثر من سنة وأكثــــر من مائة أجراء قانوني لتصريح هذا المحل الصغير والبدء في أعمالة، بسبب هذه التعقيدات – كما يقول دي سوتو – لجأت دول أمريكا اللاتينية لأقتصاد الظل كطريق مختصر للهروب من كل هذه الشروط المعقدة والطويلة. دي سوتو في كتاب أخر له – لغز رأس المال – يقول بأن هذه الأجراءات جعلت البيرو من العالم الثالث بسبب عدم قدرتها على تسجيل الملكية الفكرية والعقارية وملكية رأس المال بشكل سريع وفعال، وبذلك تملك الناس الكثير من الأراضي والحقوق الفكرية دون المقدرة على الأستفادة من أنتاجها – على سبيل المثال لا يستطيع أخذ تمويل بنكي ليستفيد منه في تشغيل الأرض والانتاج من لم يملك حقوق ملكية مسجلة عليها ومعتمدة في كافة أجهزة الحكومة البيروفية.
بدأ العالم والاقتصاد الحديث على العمل لأحتضان تمرد اقتصاد الظل والعودة به تحت مظلة الاقتصاد الرسمي أو على الاقل تخفيف أنتشارة والسيطرة عليه، حيث بدأ في بعض الدول تخفيف أو تسريع عملية وأجراءات التسجيل والمطابقة والألتزام وتخفيض أيضًــا معدلات فرض الضرائب وتنويعها وزيادة مستويات التعليم والوعي، ولكن في الجانب الأخـــر أزدادت كفاءة البحث والكشف عن هذه الأنشــطة وحوكمتها بشكل فعال للأستفادة منها ولدعم الاقتصاد الرسمي، وعلى المدى البعيد من المتوقع أن يصبح هذا النوع من الأنشطة المتمردة محوكمة بشكل أفضل، ولكن تُمارس كما هي الان في الظل!.
اقتباس اقتصادي: ” على الرغم من صعوبة تقدير حجم الاقتصاد الخفي، إلا أنه ليس مستحيلاً ” – فريدريش شنايدر ودومينيك إنستي
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال