الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
إذا رأيت شعار جوجل أو أبل وتبادر لذهنك الابتكار والتقنية؛ فأنت مثل الأغلبية العظمى من سكان العالم، لكن كيف تحتفظ هذه الشركات لعقود بهذه السمعة والحيوية التي ترتبط عادةً بالشركات الناشئة Startups؟ إذا أردت الجواب البسيط فهذه الشركتين تمكنتا من التموضع في السوق بصورة متنامية، وحفرت هذا المفهوم في عقلية الناس.
لكن كيف تضخمت هاتين الشركتين ووصل العاملين فيهما لأكثر من ٣٣٠ ألف نسمة، ومع ذلك احتفظت بالرشاقة والمرونة الكافية للبقاء في نفس التموضع في عقلية المستفيدين Stakeholders، وكأننا نتكلم عن شركتين ناشئتين، بينما توجد منظمات لا يصل عدد موظفيها أصابع اليدين إلا وتعمل برتابة وبيروقراطية تشبه مصلحة بريد في الثمانينات، تتقدم بثقل وتفقد صورتها بسرعة، ولا يحتفظ مؤسسوها وموظفيها بروح البداية؟
خلال مسيرتي المهنية وقفت على مئات من نماذج الأعمال وخطط الاتصال والعلاقات العامة، واستراتيجيات الاتصال التسويقي التكاملي IMC، وفي كل مرة ألاحظ أن التموضع الديناميكي الرشيق والاستجابة للتغيير يتأثر بالمؤسسين، أسلوب التأسيس، نموذج العمل، خطط دخول السوق، إستراتيجية التموضع، خطط العلامة التجارية، كفاءة الكوادر، إدارة الأزمات، هذه العوامل تحتاج فقط لإهمالها لبعض الوقت؛ لتشكل مارداً عملاقاً قادراً على ابتلاع النجاح واختطاف المنظمة، ومحاولة إيقاف هذه التأثيرات يتطلب تحليل وتخطيط وعمل كبير محفوف بالمخاطر.
هل سمعت بمدير طبّق سياسة المكاتب المفتوحة والتي تنجح في الـ BBCبامتياز، لكنها فشلت معه؟، كم قيادي قرر تطبيق ساعات العمل المرنة على طريقة Google الناجحة، ولكنها فشلت أيضاً؟ كم مشروع استخدم الإدارة بالأهداف وانتهت بفوضى؟، وكم منظمة طبقت نموذج مصفوفة الصلاحيات للتخلص من المركزية، لتتحول إلى بيروقراطية أوسع تبدأ من أسفل التنظيم؟ باختصار لماذا لا تنجح الحلول المجربة في بيئات عمل أخرى؟
الجواب هو ذلك الغول الكاسر المعروف بالثقافة المؤسسية Corporate Culture، والتي تولد في يوم تأسيس المنظمة، وتكبر مع مراحل نمو الشركة ومنعطفاتها الرئيسية؛ لتصبح مع الوقت سيلاً جارفاً يدفع المنظمة للنجاح الباهر، أو يحصر النجاحات عند حد معين، أو يبعث على فشل يطارد منظمات أو مدراء معينين بشكل دائم.
حسب الدراسات فإن الثقافة المؤسسية تؤثر في استقطاب المواهب فـ ٧٧٪ من المتقدمين يأخذون بعين الاعتبار الثقافة المؤسسية عند التقدم للوظائف حسب Glassdoor. مروراً بالأداء المالي لأن ٨٤٪ من المديرين التنفيذيين في الشركات التي حققت نموًا ماليًا مستدامًا يعتقدون أن الثقافة المؤسسية هي عامل رئيسي في نجاحهم حسب PwC، وبشكل عام فإن ٩٠٪ من الرؤساء التنفيذيين شعروا بأن الثقافة المؤسسية كانت ضرورية لنجاح منظماتهم على المدى الطويل، وفقًا لاستطلاعDeloitte في العام الماضي.
أما قوة تأثير هذه الثقافة المؤسسية فتتوقف على عدة عوامل أهمها:
(١) درجة الإيجابية أو السلبية: في دراسة حديثة يؤكد ٩٤٪ من الموظفين أنهم “متحفزون للعمل بكل قوة” في المنظمات التي تمتلك ثقافة إيجابية حسب دراسة Harvard Business Review.
(٢) قوة تشبع الثقافة: على سبيل المثال في دراسة أجرتها Harvard Business Review، الشركات ذات الثقافة المؤسسية القوية تحقق عوائد أسهم أعلى بنسبة ٢٠٢٪ على مدار عشر سنوات مقارنةً بغيرها.
(٣) درجة انسجام الثقافة في المنظمة لأهدافها وتوجهات: حسب دراسة Gallup، فرق العمل التي تتفاعل في إطار عمل المنظمة (High-Engagement Teams) تزيد ٢١٪ في الربحية مقارنةً بالشركات ذات التفاعل المنخفض.
(٤) مناسبة الثقافة المؤسسية لطبيعة القطاع والسوق وما يعرف بمبادئ وأعراف السوق، وبشكل أوسع الثقافة المحلية ومفاهيم الممارسات المقبولة.
والسؤال إذا كانت الثقافة المؤسسية بهذا التأثير هل نتركها تتشكل بصورة عشوائية ودون تخطيط وقياس وتوجيه أو نخطط لها، ونقيس أثرها؟ وكيف نقوم بالتخطيط والقياس؟ وكيف نتصرف عند الحصول على النتائج الصحيحة؟ لفهم الثقافة لابد من معرفة الفارق Gap بين الإطار النظري للمنظمة (القيم Values، والرؤية Vision، ومهمة Mission، وسبب وجود المنظمة Value proposition) ورؤية المستفيدين (مؤسسين، مدراء، موظفين، مستثمرين، عملاء، إلخ) في التطبيق الفعلي أثناء مراحل التأسيس والتغيير والتطوير وإعادة التموضع، ووضع هذه القيم بصورة واعية، وفي شكل هدف واضح لتأسيس مقصود لثقافة المنظمة، وملاحظة مستويات الالتزام، والتدخل عند الحاجة وفق خطط إدارة أزمات معدة مسبقاً ومحدثة دائماً.
عملياً توجد نماذج وتطبيقات مختلفة لتحليل مؤشرات هذا الانحراف، ووضع التنبيهات، والتدخل حسب الحالة، وإن اختلفت حسب القطاع والتموضع والمنافسة والحوكمة والشفافية والموازنة، خبرة القائمين على التحليل، من هذه النماذج:
بقي أن أقول أن النتائج التي تقدمها هذه التحليلات إذا أُجريت بصورة صحيحة على حالة ثقافة المنظمة لا بد وأن تُؤخذ في عين الاعتبار في إدارة الاتصال المؤسسي وإدارة الأزمات للتعامل معها بشكل صحيح ومتابعتها من خلال مؤشرات أداء ثقافي (KPIs)، لتكون الصديق الأوفى بدلاً من أن نتركها تصبح العدو الأكبر في حياة المنظمة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال