الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تضم القائمة النهائية للمرشحين لجائزة “فايننشال تايمز” لأفضل كتب الأعمال لعام 2024: “الشركة في القرن الحادي والعشرين” لجون كاي، و“القَبَلِيّة” لمايكل موريس، و“التفوق: الذكاء الاصطناعي” لبارمي أولسون، و“حتمية طول العمر” لأندرو سكوت، و“الوحدة العاشرة” لراج شاه وكريستوفر كيرشوف، و“النمو” لدانيال سوسكيند. وقد تم اختيار هذه العناوين الستة المتنافسة على الجائزة من بين قائمة طويلة تضم ستة عشر كتابًا، وسيتم تقديم الجائزة في لندن في 9 ديسمبر المقبل.
تشمل الموضوعات المثيرة للاهتمام وذات الصلة، التي تناولها المتأهلون الستة للتصفيات النهائية، سعي الشركات لتحقيق نمو أفضل، واستخدام التكنولوجيا، وفهم الاقتصاد القائم على الغرائز القبلية، وتحسين جودة الحياة. ما يلفت النظر هو الترابط بين مواضيع الكتب الستة المرشحة، حيث تدور حول الهوية الجديدة للمؤسسات والشركات، وثقافتها في عصر الرقمنة وهيمنتها في القرن الحادي والعشرين. على سبيل المثال، يناقش كتاب “الشركة في القرن الحادي والعشرين” كيف تتغير طبيعة الأعمال، وأن غرض الشركات يتجاوز تحقيق الأرباح ليشمل المساهمة في المجتمع والبيئة، بالإضافة إلى التحديات الأخلاقية، والقيادة، والإدارة، والاستدامة، والابتكار.
بينما يناقش كتاب مايكل موريس “القَبَلِيّة“ فحصًا حيًا لمفهوم مبتكر يعيد تكييف مفهوم القبيلة في مجتمع الأعمال. الكتاب محاولة لتطوير مفهوم القبيلة التقليدي الذي غالبًا ما يُستخدم بشكل سلبي، لكنه في الحقيقة قوة كامنة قد تحدث تغييرًا إيجابيًا إذا تمكن القادة في مجالات الأعمال والسياسة من تسخير الغرائز البشرية الأساسية لخلق تجمعات قبلية ذات مصالح وقيم مشتركة، كما يراها موريس. من المهم ملاحظة مدى ترابط موضوعي الكتابين في تعريف هوية الشركة في عصر ما بعد الحداثة، وإن اختلفت زوايا الرؤية للفكرة وطرحهما عند كل مؤلف.
تُعتبر القبيلة في المجتمعات الحديثة من أكثر المفاهيم التي يساء فهمها، حيث يشتكي معارضوها من صعودها ويُلقى اللوم عليها في قضايا مثل الاستقطاب السياسي والاجتماعي، والتمييز، والعنصرية في مكان العمل، على غرار “المناطقية“. لكن كما يجادل عالم النفس الثقافي الشهير والأستاذ في جامعة كولومبيا، مايكل موريس، فإن غرائزنا القبلية قد تكون سلاحًا سريًا ناجحا للبشرية. سعى الدكتور عبد الله الغذامي في كتابه “القبيلة والقبائلية أو هويات ما بعد الحداثة” إلى توضيح الفرق الاصطلاحي بين القبيلة والقبائلية. فالقبيلة تُعتبر مفهومًا محايدًا اجتماعيًا وثقافيًا واقتصاديًا، بينما القبائلية هي قيمة غير محايدة تقوم على الإقصاء والتمييز. ولكن مصطلح “القَبَلِيّة” يتناول فكرة خلق قبيلة افتراضية على غير أسس إثنية أو عرقية، وليس لها وجود اجتماعي أصلاً، بحيث يمكن للغرائز والاختلافات الثقافية أن تجمعنا من خلالها.
يجادل موريس بأن مفهوم القبيلة يتميز بثلاث صِبَغٍ رئيسية: أولاً، غريزة الأقران التي تدفعنا للتوافق مع سلوك معظم الأفراد في التجمع البشري القبلي (الانتماء)؛ ثانيًا، غريزة البطل التي تدفعنا للعطاء للمجموعة ومحاكاة الأكثر احترامًا (القائد الرمز)؛ وثالثًا، غريزة الأجداد التي تدفعنا لاتباع طرق الأجيال السابقة (الإرث). تمكننا هذه الغرائز القبلية من تبادل المعرفة والأهداف والعمل كفريق واحد لنقل المعرفة الثقافية إلى الأجيال القادمة. ويرى موريس أن أي تجمع بشري يتميز بهذه الغرائز الثلاث من الممكن أن يطلق عليه مسمى قبيلة، بما في ذلك الشركات، والمؤسسات، والجمعيات غير الربحية. ويقول: “إن الغرائز القبلية تفسر ولاءنا لها، والطرق الخفية التي تؤثر بها على أفكارنا وأفعالنا وهوياتنا“. ويؤكد قائلًا: بدلاً من السخرية من الدوافع القبلية بسبب عدم عقلانيتها، يمكننا الاعتراف بها كمفهوم متجدد لقوى قوية تُعزز الأداء، وتُعالج الانقسامات، وتُحدث تغييرات ثقافية“.
من خلال دمج الأبحاث العميقة، والأحداث الحالية، والقصص من مجالات الأعمال والسياسة، يُعيد موريس صياغة كيفية تفكيرنا في قبائلنا غير التقليدية، وخلقها، والحفاظ عليها. في “القَبَلِيّة“، يستكشف موريس أسرار علم النفس البشري والاجتماعي، ويمنحنا الأدوات اللازمة لإدارة قوتنا العظيمة التي غالبًا ما يُساء فهمها. في جوهره، يُعد الكتاب استكشافًا مثيرًا لمفاهيم المجتمع والانتماء والحالة الإنسانية، ويتعمق في تعقيدات العلاقات، سواء كانت شخصية أو اجتماعية، وتأثير الحياة الحديثة على القيم التقليدية. الكتاب مُنظم حول مجموعة من القصص المتصلة التي تعرض وجهات نظر متنوعة. يواجه كل شخصية تحدياتها الخاصة، سواء كانت توقعات عائلية، أو ضغوط اجتماعية، أو أزمات شخصية. ويجيد موريس نسج هذه السرديات معًا، موضحًا كيف يمكن أن يؤدي السعي للانتماء إلى الإشباع والصراع. كما يتناول موريس الديناميكيات المتغيرة للحياة الحديثة، حيث تتعرض الهياكل القبلية التقليدية للتقويض بفعل التكنولوجيا والعولمة. ويطرح أسئلة حاسمة حول مستقبل الاتصال البشري والاحتمالات لفقدان المجتمعات المتماسكة، مشيرًا إلى أن الحداثة، رغم ما تقدمه من راحة، قد تقلل من الإحساس العميق بالانتماء الذي توفره القبائل التقليدية أو المُخَلَّقة. وفي ثنايا كتابه، يستخدم موريس صورًا غنية وحوارات مؤثرة، مما يجلب الحياة إلى المشاعر المعقدة لشخصياته. تدعو كتاباته القراء للتفكير في اتصالاتهم الخاصة والقبائل الافتراضية التي ينتمون إليها، وتتحدى طروحاته القارئ للتفكير في كيفية زراعة علاقات ذات مغزى في عالم متزايد التفكك.
في الختام، يُعد “القَبَلِيّة” استكشافًا مثيرًا للتفكير حول معنى الانتماء، وأهمية المجتمع، والسعي المستمر للهوية في مجتمع يتغير وتتغير قيمه ومكوناته وثقافاته بسرعة فائقة . تتردد صدى رؤى موريس حول الطبيعة البشرية وتعقيدات العلاقات بشكل عميق، مما يجعل كتابه فرصة لقراءة ذات صلة وتأثير لأي شخص يتأمل مكانه الشخصي ضمن نسيج الحياة الأوسع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال