الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يعتــبر المحرك الأهم لكل عمليات المال والأعمــال والعنصر الأول في كل حكاية، وهو الجانب الذي لابد من النــظر له بتمعن وبشكل جيد قبل بناء أي عمل وتحليل وقراءة للأسواق، الحديـــث عن توقعات النمو في الاقتصــاد، حيث أن هذا العــامل الذي يُــشكل تحدي كبيــر في تخمينــه وتحديد توجهــاته القادمة لقرون طويــلة من الزمن، حيث كانــت البدايــات معقدة وغير مفهومــة وتعتمد بشكل كامل على مُتغيــر وحيد، مع الزمن وتغير شكل اقتصاد العالــم والقوى المحركـة له، جاء النموذج الحديث لتوقع مستقبل النمــو في الاقتصاد، ليكون عبارة عن مُتغيريــن ومتغير مجهــول يعمل في كل مرة على موازنــة دالــة النمو، جاء العصــر الجديد للاقتصاد ليعمل على تحليل هذا المجهــول ليُفســر كيف له أن يعمل، وكيف له أن يتغيــر بتغير الدول وشكل التحرك التجاري والسكــاني وخطوط الإنتاج، كل النظريــات المطروحة لتوقع نمو الاقتصاد في الأمد البعيــد قابلــة للنقض كما هي العادة على طول طريق الاقتصاد القديم والحديث، لكنهــا وعلى مدى طويل بدأت تشرح وبشكل قليل مستقبل النمو الاقتصادي، ولكن ليس بيقين تـام، لتبقى هناك تحركات مجهولة لم يتم تفسيرهـــا حتى الان.
يشكل توقع النمو الاقتصاد عامل مهم للغايــة على مستــوى الأمد البعيد والقريب لكل من الأسواق والأوراق المــاليـــــة، فعلى المدى البعيد فأن النمو الاقتصادي يعمل على تحديد الأســعار العادلة للأوراق الماليــة للشركات بعمل خصم للتدفقات النقدية الخاصة بها، هذه التدفقــات يوف تنعكس بشكل سلبي أو إيجــابي على سعر السهم في المستقبل. أيضًا يعمل على تحديد مستوى معدلات الفائدة في المستقبل، وبذلك معدل الدخل الحقيقي (الفائدة الأسميــة مخصوم منها معدل التضخم المتوقع). على المدى القريب تعمل توقعات النمو الاقتصادي على تحديد معدلات الدخل الثابت – السندات – وذلك من خلال العلاقة بين النمو الفعلي والنمو المتوقع – معدل الركــود – والذي تتأثر به السندات بدرجــة عالية، معدلات الركود المرتفعــة تعمل على تعزيز دور أسواق السندات والعكس صحيح في معدلات الركود المنخفضــة أو الوضع الطبيعي للاقتصاد. جاء العصر الحديث للاقتصاد بنظريات عديدة تحاول توقع النمو الاقتصادي في المستقبل، وهي الكلاسيكية، والكلاسيكية الجديدة، والنظرية التداخل أو النظريــة الحديثة.
يُقاس معدل النمو الاقتصادي بالناتج المحلي الأجمالي – راجع مقال الناتج المحلي الإجمالي.. المؤشر المَبْتور – وهو يقيس مدى سرعة توسع الاقتصاد الكلي في دولة ما خلال وقت محدد، ويمكن قياس النمو من خلال زيادة القدرة الإنتاجية المتوقعة في الاقتصاد. وتتفاوت هذه المؤشرات بشكل هائل بين الدول، وتتفاوت معه بذلك أسواق الأسهم والسندات وعلى الأغلب جميع الأوراق الماليــة، لوجود ترابط كبير بين نمو الاقتصاد وتلك الأوراق، ولكن على أي حال لا يمكن لهذه الأوراق أن تتجاوز نمو الناتج الأجمالي المحلي في الأمــد البعيد. يمكن أيضًا قياس معدل النمو من خلال قياس معدل النمو في الايدي العاملة على المدى البعيد مضاف إليه معدل الإنتاجية للعمل. وتعتمد الركائز الرئيسية لدالة النمو في أي اقتصاد – على الأقل في الحديث – على الأيدي العاملة وكميتها وجودتها بالإضافة الى رأس المال المتوفــر، والعامل المضاف حديثــًا والذي كان مجهولًا هو التطور التكنولوجي، لتكون الصورة أوضح لدالة النمو، لنقول أن بلد ما الناتج المحلي له 100، جاءت 50 منها بسبب الأيدي العاملة، و 30 بسبب رأس المال، فأن المتبقي 20 هو قادم من خلال التطور التكنولوجي – الذي لم تستطيع النظريات الكلاسيكية تفسيــره.
النموذج الكلاسيكي للنمو الاقتصادي يقول بأن النمو يرتبط بشكل مباشر في الأمد البعيد على النمو السكاني، وليس لرأس المال أي تأثير على دالة النمو، حيث إن النموذج يقول بأن زيادة رأس المال في الأمد القريب يصاحب معه انفجار هائل في عدد السكان، وبالتالي نصيب الفرد في الأمد البعيد لا يرتفع ويكون ثابت – النمو الحاصل في الناتج الإجمالي المحلي يتقسم على عدد أكبر من السكان، وبالتالي لا يكون هناك تغيير على مستوى الفرد. النموذج الكلاسيكي الجديد يقول بأن نمو الاقتصاد يعتمد على النمو السكاني – كما تقول النظرية الكلاسيكية – ولكن يضاف إليها الإنتاجية للعمال، حيث إن هذان العاملان يؤثران في النمو على المدى البعيد، ولكن المدى القريب يتأثر بكل من زيادة رأس المال والنمو السكاني وبالإضافة للإنتاجية، ويقول النموذج بأن التطور التكنولوجي هو عامل خارجي لا يمكن التحكم به، وبالتالي لا يؤثر على دالة النمو. نطرية التداخل الحديثة تقول بأن دالة النمو في الناتج الأجمالي أو في الاقتصاد تعتمد على كل من النمو السكاني والإنتاجية كما تقول النظرية الكلاسيكية الحديثة، ولكن نظرية التداخل تقول بأن التطور التكنولوجي يمكن التحكم به وهو عامل داخلي وليس خارجي في النمو.
من النتائج المهمة للغاية والرائـــعة لنظرية التداخل هي أن النمو في اقتصاد الدول النامية سوف يعمل على اللحاق بمعدلات النمو في الدول المتطورة، وبالتالي سوف يعمل هذا على تقليص الفوارق بين معدلات النمو بين هذه الدول – المثال الأبــرز لهذا هو الصين في شرق العالم والتي تعتبر الى وقت قريب من الدول النامية، ولكن وبعد مرور وقت طويل عملت على اللحاق بمستويات النمو المتواجدة في دول متطورة مثل الولايات المتحدة، وفي بعض الأحيــان فأن النمو في الصين تجاوز النمو في الولايات المتحدة – ولكن تبقى الأدلة على هذا ” التقارب ” غير كافيــة على أن هذا اللحاق هو تفسيـــر جيد للنظرية. التقارب بين البلدان النامية والمتطورة سوف يؤول الى الفشل وعدم التحقيق بسبب أمور عديدة من أهمهــا عدم الاستقرار السياسي، انخفاض معدلات الادخار والاستثمار، فرض قيود على التجارة الدولية، ضعف مستوى التعليم والقطاع الصحي. ومن أكثر العوامل تأثيرًا ونجاحــًا لنظرية التقارب هو فتح باب التجارة العالمي وتسهيل الوصول للضفة الأخرى من العالم، وهذا ما فعلته الصين على مدى عقود سابقة من الزمن.
على الرغم من تطور النظريات العلمية التي تعمل على تفسير وتحديد ظواهر النمو الاقتصادي والتقارب، الا أنه لا تزال بعض النقاط لم تجد الحروف المناسبة لها، فبعض الدول النامية تزداد نمو، ولكن في شكله السالب وتبتعد أكثر عن اللحاق في الدول المتطورة على الرغم من مواردها الطبيعية والبشرية الهائلــــة، أيضًا اللحاق في الدول المتطورة لا يعني الاستدامة، فالصين على الرغم من أنها تلاحق الولايات المتحدة بشكل متواصل وعلى مدى السنوات الماضية الا أنهــــــا بمجرد فرض قيود عليها بسيطة سوف تعود الى دولة ناميـــة من جديد، من الواضح بأن هناك شيء مــــا لم تستطيع دالة النمو بمدارسها الثلاثة على الأقل المذكورة تفسيــــره، ليبقى لغزًا سيظهر جوابه يومًا ما.
اقتباس اقتصادي: ” إن العولمة والتجارة الحرة تحفزان النمو الاقتصادي، وتؤديان إلى انخفاض أسعار العديد من السلع ” – روبرت ريش
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال