الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الرمال تنتقل دون جواز سفر والرياح لا تعرف الحدود. في الدورة السادسة عشرة لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (COP16) التي تعقد في الفترة من 2 إلى 13 ديسمبر، اجتمع ممثلون من جميع أنحاء العالم في الرياض بالمملكة العربية السعودية، لمناقشة سبل مكافحة التصحر، وأكد وزير البيئة والمياه والزراعة السعودي المهندس عبدالرحمن بن عبدالمحسن الفضلي، أن هذه لحظة حاسمة للكوكب وشدد على الحاجة إلى جهود عالمية متضافرة في استعادة البيئة، وذلك أمر بالغ الأهمية لضمان مستقبل مزدهر للأجيال القادمة.
خلال المؤتمر، جذبت الصين أنظار العالم بإنجازاتها المتميزة وخبراتها الغنية، خاصة برنامج غابات الحزام الواقي في “المناطق الشمالية الثلاث”، وهو أكبر برنامج للتشجير في العالم لمعالجة التصحر في شمال وشمال غرب وشمال شرق الصين، الأمر الذي لم يغير النظرة البيئية لشمال الصين فحسب، بل وضع أيضا نموذجا لمكافحة التصحر العالمي.
قبل أكثر من 40 عاما، كانت الصحارى في شمال الصين تتقدم كغزاة، تبتلع الأراضي بلا هوادة. وفي مواجهة هذه الأزمة، فإن الصين عازمة على استخدام برنامج غابات الحزام الواقي في “المناطق الشمالية الثلاث” كسلاح لبناء “السور العظيم الأخضر” لمقاومة التصحر. وتمت زراعة آخر 100 متر من الأشجار في 28 نوفمبر من هذا العام، وبذلك أُغلق أخيرا الحزام الأخضر المحيط بالصحراء الذي يبلغ طوله 3000 كيلومتر، مما أدى إلى حجب الرمال عن ملايين الأسر. الأهم من ذلك، أن الصين، في هذه العملية، استكشفت مجموعة كاملة من الأساليب لمكافحة التصحر التي تتكيف مع الظروف المحلية مثل زراعة نباتات تتحمل الجفاف، وتحسين التربة المالحة والقلوية، وتطبيق تكنولوجيا الري بالتنقيط الدقيق. .. كل تفاصيل الاختراق هي بمثابة قطرة ماء تلتقي في نهر إنجاز عظيم في حكم الصحراء.
يتضمن برنامج غابات الحزام الواقي في “المناطق الشمالية الثلاث”، الذي يمتد من عام 1978 إلى عام 2050، ثلاث مراحل رئيسية وثماني دورات تنفيذية. وحتى الآن، تجاوزت مساحة الغابات المزروعة 300 ألف كيلومتر مربع، وارتفعت نسبة الغطاء الحرجي في المناطق المستهدفة من 5.05% عام 1977 إلى 13.57% اليوم. وفي الوقت نفسه، تمكنت الصين من علاج 53% من أراضيها المتصحرة القابلة للاستصلاح، وأصبحت أول دولة في العالم تحقق “صفر نمو” في تدهور الأراضي، مع تقليص مساحات التصحر وتدهور التربة.
وهذا الحوار بين الإنسان والطبيعة لم يقتصر على الإنجازات التقنية فحسب، بل خلق حلقة إيجابية تربط بين حماية البيئة وتحسين المعيشة. فإلى جانب استعادة النظم البيئية، دمجت الصين مكافحة التصحر مع التنمية الاقتصادية. على سبيل المثال، يزدهر “اقتصاد الغابات” في “المناطق الشمالية الثلاث”، حيث أسهم إنتاج العسل والأعشاب الطبية والفواكه وأعلاف عالية الجودة في توفير دخل ملموس للسكان المحليين. وفي قصة مكافحة التصحر في الصين، لا تشكل الأشجار حاجزاً ضد الرياح والرمال فحسب، بل إنها أيضاً رمز للأمل والثروة.
وفي هذا الصدد، أقر الدكتور أسامة بن ابراهيم فقيها، وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة لشؤون البيئة السعودية، بمساهمة الصين الكبيرة في استعادة الأراضي العالمية، مستشهدا على وجه التحديد بمشاريع واسعة النطاق مثل برنامج غابات الحزام الواقي في “المناطق الشمالية الثلاث”، وهو واسع جدا لدرجة أنه يمكن رؤيته حتى من الفضاء، وفقًا لوكالة ناسا.
تُعد هذه التجربة الصينية مصدر إلهام للدول الأخرى التي تعاني من التصحر. وقد أنشأت الصين مراكز تعاون دولية مع العالم العربي ومنغوليا لمكافحة التصحر، وأقامت قواعد نموذجية في منغوليا وآسيا الوسطى وإفريقيا، ونظمت دورات تدريبية لتعزيز التدريب الفني وتبادل الخبرات في مكافحة التصحر. علاوة على ذلك، قدمت الصين الدعم التقني لدول مبادرة “السور العظيم الأخضر” في إفريقيا لتعزيز قدرتها على استخدام تقنيات المراقبة عبر الأقمار الصناعية وتحليل البيانات الضخمة. تسعى هذه الجهود للمساهمة في تحقيق أهداف النمو الصفري لتدهور الأراضي بحلول عام 2030، وتحقيق رؤية مبادرة “G20” للحد من تدهور الأراضي، وبناء كوكب جميل وصالح للعيش.
إن مكافحة التصحر ليست سوى سباق تتابع بلا نهاية. ولا يوجد بلد محصن ضد هذا التحدي العالمي. وكما تشير مبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي أطلقتها السعودية، فإن العالم بحاجة إلى توحيد الجهود للانتقال من الصحارى إلى الواحات عبر مسار مستدام للتنمية الخضراء. يتماشى هذا الطموح مع مفهوم “بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية”، حيث يُعد بناء عالم نظيف وجميل هدفًا مشتركًا لجميع الدول. وفي هذا الإطار، يمثل مؤتمر “كوب 16” نقطة انطلاق جديدة لنسج شبكة خضراء عالمية لمواجهة الأزمات البيئية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال