الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في المخطط الأكبر للوجود البشري، تأتي المعرفة والسعي الدؤوب لاكتسابها ونشرها وكأنه خيط خفي يربط بيننا وينسج شبكة معقدة تجمعنا في هذه الحياة، ومع انطلاق المملكة العربية السعودية في تنفيذ رؤيتها الطموحة 2030، لا يظهر هذا المفهوم – “استخلاص المعرفة من العالم واستخلاص العالم من المعرفة” – كفكرة فلسفية مجردة فحسب، بل كاستراتيجية محورية تدعم الرحلة التحولية للأمة. وفي الحقيقة فإن هذه الفكرة إنما تتلامس مع الروح الإسلامية وتعكس قيمها ومبادئها، حيث لا تقتصر المعرفة على أنها وسيلة لتحقيق غاية، بل نعمة إلهية تشكل المجتمع ونظام الحكم.
الأساس: اشتقاق المعرفة من العالم
في النموذج الإسلامي، ينبع السعي وراء المعرفة من النصوص المُقدسة للقرآن الكريم والسنة النبوية. هذه المصادر المقدسة، التي تُعتبر المبادئ التوجيهية النهائية، تؤسس لإطار أخلاقي وفكري يدعم جميع أشكال اكتساب المعرفة. إن مبادئ الشريعة الإسلامية، المستمدة من هذه النصوص، تشكل الأساس الذي يرتكز عليه صرح الأعراف المجتمعية والهياكل القانونية بكاملها. وتُعد حياة النبي الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) شاهداً حياً على تطبيق هذه المبادئ، حيث تقدم نموذجاً للسلوك الأخلاقي والحكم الرشيد.
في سياق رؤية المملكة العربية السعودية 2030، يكتسب هذا الفهم التأسيسي لاكتساب المعرفة أهمية خاصة. فلا تقتصر المبادرة على تحديث اقتصاد البلاد والنسيج الاجتماعي فحسب، بل تسعى أيضًا إلى مواءمة هذه التطورات مع القيم الأساسية المتأصلة في التعاليم الإسلامية. ومن خلال تعزيز بيئة تزدهر فيها مجالات التعلم والبحث العلمي، تهدف المملكة العربية السعودية إلى تنمية مجتمع يكرم تراثه، بينما يواصل الطموح نحو المستقبل.
مرحلة الصعود: اشتقاق العالم من المعرفة
بعد أن أرست المملكة العربية السعودية قاعدة قوية للمعرفة، تأتي المرحلة التالية والمتمثلة في اشتقاق العالم من المعرفة كضرورة حتمية. هذه المرحلة تشمل مجموعة واسعة من التخصصات، تتراوح بين المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقانونية والثقافية. هنا تكمن الإمكانيات التحويلية للمعرفة التي، عندما تكون متجذرة بعمق في المبادئ الإسلامية، يمكن أن تقود الأمة نحو التقدم الشامل.
واليوم، تقف المملكة العربية السعودية عند نقطة تحول هامة، حيث تمتلك العطية الإلهية المتمثلة في القرآن الكريم وخلاصة الحكمة والعلم النبويين ليشكلا السند والدعم اللازم لها لتشرع في هذه الرحلة التحويلية. إن دمج البحث العلمي والفكر الابتكاري في النسيج الاجتماعي والاقتصادي يُعد أمرًا بالغ الأهمية. تعد رؤية 2030 بعصر جديد، ليس فقط لإعادة تشكيل الاقتصاد ولكن أيضًا لتغيير المشهد الثقافي والاجتماعي، مما يضمن أن تكون ثمرة هذه المعرفة لها تأثير واسع في المجتمع.
إن ثروة المعرفة المستمدة من مختلف المجالات يمكن أن تُحسن بشكل كبير من نوعية الحياة لجميع المواطنين. من خلال الجمع بين الحكمة التقليدية والابتكارات المعاصرة، يمكن للمملكة العربية السعودية أن تفتح الطريق نحو مجتمع مزدهر وشامل. تتطلب هذه العملية التزامًا جماعيًا، استجابة “الدولة بأكملها”، حيث لا يكون كل مواطن مجرد مراقب بل مشارك نشط في عملية تحول الأمة.
دور المواطنين وعلماء القانون
بينما تمضي الأمة قدمًا في رحلتها التحويلية، تبرز أهمية مشاركة المواطنين كعنصر لا يمكن المبالغة في تقديره. يتحمل كل فرد مسؤولية تنمية مهاراته واكتساب المعرفة ليصبح جزءًا أساسيًا في منظومة التقدم المجتمعي. هذا التمكين ليس مجرد مسعى فردي، بل هو التزام جماعي تتعاضد فيه الجهود لتحقيق هدف واحد. وجود مجتمع متماسك وموحد يُعد عاملًا جوهريًا لنجاح تنفيذ رؤية 2030.
في هذا السياق، يبرز الدور المحوري للمهنيين القانونيين والعلماء، الذين يتحملون مسؤولية كبرى في تشكيل المشهد القانوني المتطور. إن التقاطع بين القانون والمجتمع هو المساحة التي تتجلى فيها القوة التحويلية للمعرفة بشكل أكثر وضوحًا. الإصلاحات القانونية الأخيرة التي تشهدها المملكة العربية السعودية تعكس تحولًا تدريجيًا نحو إطار قانوني أكثر شمولية وحداثة، بما يتماشى مع القيم الإسلامية ويلبي الاحتياجات المجتمعية المعاصرة.
يُدعى المحامون والعلماء وغيرهم من المهنيين إلى أن يكونوا نماذج يُحتذى بها، من خلال ضمان أن التطورات القانونية تنطلق من اعتبارات أخلاقية مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية. إن خبرتهم تعد ضرورية لصياغة قوانين لا تقتصر على معالجة التحديات الحالية، بل تتجاوز ذلك إلى استشراف الاحتياجات المستقبلية. بذلك، يُصبح النظام القانوني متطورًا بما يتناغم مع الأهداف الكبرى لرؤية 2030، ويضمن تحقيق توازن بين الالتزام بالقيم الراسخة والاستجابة للمتغيرات العالمية.
رؤية مشتركة لمستقبل أكثر إشراقا
إن رحلة استخلاص المعرفة من العالم واستنباط العالم من المعرفة تمثل علاقة تكافلية يمكن أن تدفع المملكة العربية السعودية نحو عصر من التقدم غير المسبوق. وتعمل رؤية المملكة الطموحة 2030 كمنارة مضيئة، ترسم الطريق نحو مستقبل مشرق تكون فيه المعرفة، المستمدة من المبادئ الإسلامية، الأساس الذي يُنير كافة جوانب الحياة.
ومع تبني المملكة لهذا التحول الجذري، يصبح إدراك كل مواطن لدوره في هذه المسيرة العظيمة ضرورة ملحة. إن الجمع بين المعرفة المتأصلة في تعاليم الإسلام العميقة يعِد بمستقبل أكثر إشراقًا – مستقبل يتسم بالازدهار، والعدالة، والغنى الثقافي.
في هذا التفاعل الديناميكي بين المعرفة والمجتمع، تقف المملكة العربية السعودية على أعتاب تحقيق تطلعاتها الكبيرة، لتصبح نموذجًا يُحتذى به للدول الأخرى التي تسعى لتحقيق التوازن بين تعقيدات الحداثة والوفاء لتراثها. ومع صعود المملكة لمواجهة هذه التحديات، سيظل صدى هذا التفاعل بين المعرفة والتنمية المجتمعية شاهدًا على صفحات التاريخ، مسجلًا فصلًا بارزًا في السجل المتواصل للإنجازات التي تحققها المملكة العربية السعودية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال