الاندماج والاستحواذ في الشركات

في كتابها الضخم “الشركات التجارية”، تناولت المؤلفة المصرية د. سميحة القليوبي العديد من المسائل القانونية والإدارية في صفحات تجاوزت 1500 صفحة. واعتمدت منهجية عند تناولها لمسائل الكتاب، وهي توضيح المسألة المطروحة، والاستدلال عليها، واستخلاص مقاصد النظام من تناولها، مدعمة ذلك بالقوانين ذات الصلة، مع استشهاد بالقضاء المصري والفرنسي عند الاقتضاء. الأمر الذي جعل كتابها مرجعاً مهماً في فهم قضايا الشركات، رغم ابتعادها عن المنهجية التحليلية النقدية كما هي عادة المؤلفين العرب في الأغلب.

في هذا المقال، أتناول قراءتي لمعالجتها مسألة (الاندماج والاستحواذ في الشركات)، حيث رأت القليوبي أن الاستحواذ لا يُعتبر اندماجاً حتى لو كان الاستحواذ بنسبة 100% من أسهم الشركة المستهدفة. كما أشارت إلى أن انضمام مشروع فردي إلى شركة قائمة لا يُعد اندماجاً، وكذلك نقل قطاع من نشاط شركة إلى أخرى كحصة عينية في رأس المال، حيث تظل الشركة الأصلية محتفظة بشخصيتها المعنوية. وتطرقت إلى إجراءات الاندماج، وموقف المساهمين منه، والمسؤوليات المترتبة عليه، خاصة فيما يتعلق بالالتزامات والديون.

ومع ذلك، لم تتناول المؤلفة مسألة العناية الواجبة ((Due Diligence والتي تُعد ركيزة أساسية في عمليات الاندماج والاستحواذ. إذ بدونها لا يمكن إتمام الصفقة بشكل سليم. وهذا لا يعيب الكتاب، فهو ليس معنياً بالتفاصيل الدقيقة لهذه المسائل، رغم العلاقة الوثيقة بين الاندماج والاستحواذ من جهة، والعناية الواجبة من جهة أخرى.

فالعناية الواجبة – أو ما يُسمى بالفحص النافي للجهالة – تُعد محوراً أساسياً تلجأ إليه الشركة قبل الشروع في أي عملية استحواذ أو اندماج، ولا غنى لها عن ذلك. بيدَ أنها قد تُطبق ذلك بشكل آخر، مثل: الاطلاع على  أنشطة الشركة المستهدفة، وأرباحها، ومركزها المالي، وقضاياها القانونية. وقد يقوم بهذه العملية موظفوا الشركة أو المستثمرون حال كانوا أفراداً، لكنها تظل إجراءات غير احترافية في كثير من الأحيان. ومع تعقد أعمال الشركات وتشعب إداراتها، ظهرت شركات استشارية متخصصة في إجراءات الفحص النافي للجهالة، لتسهيل إتمام صفقات الاستحواذ والاندماج.

ومن المهم العلم بأن العناية الواجبة لا تنحصر على عمليات الاندماج والاستحواذ فقط، بل يحتاجها المستثمرون، أفراداً كانوا أو صناديق استثمارية. بل حتى في أغراض أخرى مثل التمويل، نحتاج إلى إجراء الفحص النافي للجهال كما الحال في منصات التمويل الجماعي. إلا أن بعض المنصات خاصة تلك التي تعتمد على التمويل بالصكوك، لا تهتم بإجراءات الفحص النافي للجهالة، وربما ذلك بسبب تكلفتها. ومن المحتمل أن لا يدوم ذلك، إذ قد نشاهد في المستقبل إلزام هيئة السوق المالية هذه المنصات بإجراء مثل هذا الفحص.

الهدف الأساسي من العناية الواجبة هو التأكد من أن الشركة المستحوذة أو الدامجة قد أدركت وفهمت بشكل واضح ثلاثة أمور رئيسية: قيمة الشركة المستهدفة، ومخاطرها، والتزاماتها. هذا الفحص يزيد من فرص نجاح إتمام الصفقة، ويقلل من احتمالية مواجهة تحديات مالية أو قانونية أو تشغيلية بعد اكتمالها. وبدون فحص دقيق وشامل، قد تواجه صعوبات كبيرة قد تعرض استثمارها للخطر.