الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في ظل التحديات المائية التي تواجه السعودية، يعد تساؤل حول مصير مياه الأمطار قضية مهمة تستحق النقاش. المملكة معروفة بأنها بلد قليلة الأمطار وتعتمد بشكل كبير على محطات تحلية المياه والمياه الجوفية. وعلى الرغم من قلة الأمطار، إلا أنها تهطل بكميات كبيرة في بعض المناطق، ومع ذلك، لا يتم الاستفادة القصوى من هذه المياه الثمينة.
يشير العديد من المواطنين إلى أن معظم مياه الأمطار تهدر بدلاً من أن يتم جمعها وتخزينها للاستخدام في الزراعة أو الري. ما يصل إلى السدود يعتبر قليلاً جداً مقارنة بما يهدر في الطرقات والشوارع والمجمعات السكنية والتجارية. هذه المياه المهدورة تمثل ثروة مائية كان يمكن استغلالها بشكل أفضل.
وفقًا لتقارير وزارة البيئة والمياه والزراعة، سجلت السعودية أعلى متوسط هطول الأمطار منذ 40 عامًا خلال الموسم المطير الذي يمتد من أكتوبر 2020 إلى أبريل 2023، حيث بلغ متوسط هطول الأمطار حوالي 110 ملم، مع زيادة تقدر بـ 40% عن أعلى متوسط تم رصده خلال الـ 40 عامًا السابقة، والذي بلغ 79 ملم. في عام 2023، سجلت منطقة الرياض أعلى متوسط عمق للهاطل المطري بلغ 222 ملم، بينما تم تسجيل أعلى هاطل مطري يومي بتاريخ 24 نوفمبر 2022 بمنطقة مكة المكرمة بلغ 167 ملم. كما بلغ حجم السيول الواردة لمناطق المملكة خلال الموسم المطير 2.15 مليار متر مكعب، وتم رصد 665 مليون متر مكعب منها لبحيرات السدود، في حين تم تصريف 385 مليون متر مكعب.
مع وجود أكثر من 8 ملايين مسكن وحوالي 7 الاف فندق ومئات الأبراج والمراكز التجارية في المملكة، يصبح من الضروري أن يتم إلزام هذه المكونات بوضع هندسة لتصريف مياه الأمطار بحيث لا تهدر. يمكن جمع هذه المياه لاستخدامها أو توجيهها إلى مسارات محددة للاستفادة منها بشكل أفضل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن وضع عدادات لقياس كميات المياه التي يتم جمعها من كل منزل أو مبنى تجاري، ومن ثم يتم بيعها إلى الجهات المعنية بمقابل مالي. هذا الأمر سيحفز الكثيرين على الاحتفاظ بمياه الأمطار وإعادة بيعها عبر مسارات تصريف مياه السيول.
من المهم أن نقوم بتقدير القيمة الاقتصادية للمياه المهدرة. بناءً على الحسابات، فإن الحجم التقديري للمياه المهدرة سنويًا في السعودية يبلغ حوالي 247.5 مليار متر مكعب. وإذا أخذنا في الاعتبار تكلفة إنتاج ونقل المياه المحلاة المقدرة بحوالي 2.5 ريال لكل متر مكعب، فإن القيمة الاقتصادية النهائية للمياه المهدرة يمكن تقديرها بما يقارب 618.75 مليار ريال سنويًا.
هناك تجارب دولية ناجحة تظهر كيف يمكن للدول الاستفادة من مياه الأمطار بطرق مختلفة لتحقيق استدامة المياه وتقليل الهدر. سنغافورة تستخدم تقنيات حصاد مياه الأمطار في المنازل والمطارات لتخزين المياه واستخدامها في المهام اليومية مثل المراحيض ومكافحة الحرائق. اليابان تعتمد على حصاد مياه الأمطار لتجنب نقص المياه وتوفيرها في حالات الطوارئ، بالإضافة إلى السيطرة على الفيضانات. أستراليا تعتمد على خزانات مياه الأمطار بجوار كل منزل تُستخدم لتخزين المياه واستخدامها في الزراعة والاستخدامات اليومية. الأردن، فلسطين، ولبنان يعملون على تعزيز مرونة القطاع الزراعي باستخدام تقنيات حصاد مياه الأمطار لتخفيف الضغط على مصادر المياه التقليدية وتعزيز المحافظة على النظم البيئية.
يتطلب هذا النهج جهدًا ومتابعة مستمرة من وزارة البلديات ووزارة المياه، ووضع ضوابط وشروط تضمن التنفيذ الفعّال. الفوائد المتوقعة من هذا النهج متعددة، منها تقليل هدر المياه، وزيادة الموارد المائية للاستخدام الزراعي، وتعزيز الأمن المائي. كما أن هذا سيساهم في تحقيق التنمية المستدامة التي تسعى إليها السعودية في رؤيتها 2030. نأمل أن تتبنى وزارة المياه هذه القضية بجدية وتعمل على تنفيذ حلول مبتكرة لضمان استغلال مياه الأمطار بشكل أفضل وتحقيق أقصى استفادة منها.
أخذاً في الاعتبار ضرورة التشجيع والتحفيز، يمكن وضع أنظمة حوافز تشجع الأفراد والمباني التجارية على جمع مياه الأمطار. على سبيل المثال، وضع عدادات لقياس كمية المياه التي يتم جمعها وبيعها، وتقديم تعويضات مالية للأفراد والشركات التي تساهم في هذه العملية. هذا النوع من التشجيع يمكن أن يحفز الكثيرين على الانخراط في هذا النظام والمساعدة في جمع المياه المهدورة. يتطلب هذا العمل جهدًا وتنسيقًا بين وزارتي البلديات والمياه لضمان التنفيذ الفعّال ووضع ضوابط صارمة تضمن تحقيق الأهداف المرجوة.
في النهاية، يعتبر التعامل مع مياه الأمطار بجدية وتطبيق حلول مبتكرة لجمعها واستغلالها خطوة ضرورية لتحقيق الأمن المائي في المملكة. هذه الثروة المائية يجب أن تستغل بشكل أمثل لتعزيز التنمية المستدامة وتقليل الاعتماد على المصادر التقليدية للمياه. إن وضع أنظمة تجميع مياه الأمطار وتقديم الحوافز يمكن أن يحدث تغييرًا كبيرًا في كيفية إدارة الموارد المائية في السعودية، مما يسهم في تحقيق رؤيتها الطموحة لمستقبل مستدام.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال