الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
طبقاً لخطة الدين المقرة للعام المالي 2025 فإن احتياجات الاقتراض قدرها 139 مليار ريال تغطي العجز المالي وقدره 101 مليار ريال و38 مليار ريال لسداد الديون التي حل أجلها والفوائد المترتبة، وبالأمس طرح مكتب إدارة الدين صكوكاً بآجال 3 سنوات وست سنوات وعشرة سنوات بقيمة 12 مليار دولار قوبلت بتغطية تجاوزت 30 مليار دولار.
تجدر الإشارة أن الميزانية العامة السعودية العام 2025 ذات سمة توسعية تسعى لتوفير متطلبات التمويل لبرنامج التنويع الاقتصادي، وعند التمعن في العجز، وهو ضمن مستويات الجدارة المعتبرة في منظمة التنمية الاقتصادية والتنمية، نجد أنه عملياً يعتبر عجزاً اختيارياً، حيث أن وجوده يقوم على المفاضلة بين أمرين: إما الإنفاق وفق ما هو متاح من إيرادات بحيث يكون هناك توازن تام بين الإيرادات والمصروفات، وعند اتباع هذا الخيار فلن تسجل الميزانية عجزاً لكنها لن توفر احتياجات إنجاز مبادرات رؤية 2030..
والخيار الثاني، هو الانفاق لتمكين تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، وليس وفقاً لما هو متاح من إيرادات واردة للخزانة العامة. والدافع لذلك أن ما يمول هو برامج مداها حتى 2030 وليس التمويل من عام لعام، فالعام الواحد هو حلقة من سلسلة زمنية ضمن حلقات تبدأ بطموح وتنتهي بتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030. وهكذا، فالعام المالي ليس مدى لمستهدف بل وحدة زمنية محاسبية تفيد في التخطيط والتقنين والضبط وعليه، فالمنظور هو تمويل الانفاق على مدى الرؤية ومستهدفاتها التي لا تحتمل التأجيل ريثما تسمح إيرادات النفط.
وتملك السعودية الجدارة الائتمانية للتحرك ضمن فسحة مالية (fiscal space) مريحة، تمكنها من الاقتراض من السوق الدولية بأسعار من بين الأكثر تنافسيةً، حيث تشهد الاصدارات تغطيات بأضعاف السقف المطلوب استدانته، كما هو الحال في السندات التي طرحت يوم أمس وحظيت بتغطية 250 بالمائة. والفسحة المالية تعني قدرة الحكومة -أي حكومة- تمويل مبادراتها دون المساس باستدامتها المالية أو بالاستقرار الاقتصادي. وهنا تجدر الإشارة أن تعزيز هذه الفجوة المالية لم تتأتى مصادفةً بل كإحدى ثمار برنامج التحول الاقتصادي ومبادرات برنامج الاستدامة المالية الذي انطلق في العام 2017 الذي أعاد هيكلة المالية العامة من الجذور. وهكذا فإن الحفاظ على متانة الفسحة المالية نتجت عن القدرة على الموازنة بين الاستقرار الاقتصادي حتى في أحلك الظروف (كوفيد 19 رغم انهيار أسعار النفط) وبين الالتزام بتمويل المبادرات التي انطوت عليها مستهدفات رؤية 203، وذلك من خلال المزاوجة بين تدابير مالية على المدى المتوسط وإصلاحات هيكلية في المدى الطويل.
وقد وظفت الحكومة هذه الفسحة بالمعايرة بين الاقتراض الداخلي والخارجي حسب الاحتياج، وحالياً فثلثيّ الدين العام داخلي وثلثه خارجي، وقد بلغ حتى نهاية الرابع الثالث قرابة 1.2 مليار ريال وهو ما برح دون السقف المحدد بثلاثين بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. وفي المنظور متوسط المدى، فسيبقى العجز ملازماً الميزانية حتى العام 2027 وفقاً لتقديرات وزارة المالية، ولن تتجاوز نسبته 3 بالمائة في أيٍ من السنوات وفقاً لتلك التقديرات، وبالمقارنة فإن متوسط نسبة العجز لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تجاوز 7.5 بالمائة للعام 2021.
وفيما يتصل بالدين العام فوفق التقديرات الرسمية، فمن المتوقع أن يكسر قوام الدين العام حاجز 30 بالمائة في العام 2026 ليصل إلى 32.3 بالمائة وإلى 33.3 بالمائة في العام 2027، وعلى الرغم من النهج المتحفظ الذي تنتهجه المملكة لتحقيق الاستدامة المالية من خلال تنمية إيرادات مستدامة للخزانة ناتجة عن تصاعد النشاط الاقتصادي وزيادة عوائد الاستثمارات، فمن المناسب الإشارة إلى أن متوسط نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يتجاوز 120 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.
ومن جانب آخر، فمن أهم سمات بناء سعة الاقتصاد هو الحفاظ على سمت الإنفاق الرأسمالي، إذا من الملاحظ بلوغ الانفاق الرأسمالي للحكومة 186 في العام 2023 وهو في حدود من كان مخططاً (189 مليار ريال) وارتفع في بنحو 5.9 بالمائة عما كان عليه في العام 2023. وقد رصدت ميزانية العام 2025 مبلغ 186 مليار ريال للإنفاق الرأسمالي. وتمارس الحكومة دوراً محورياً في هذا الجانب وذلك من خلال ثلاثة أذرعة: (1) الانفاق الحكومي الرأسمالي، (2) استثمارات صندوق الاستثمارات العامة، (3) الضخ الاستثماري الداعم من صندوق التنمية الوطني والصناديق المنضوية تحت مظلته بما في ذلك صندوق البنية التحتية، وهو ضخ يقوم على استراتيجية مقرة وذات مستهدفات تسعى لتحقيق هدف رئيس محدد وهو تنويع الاقتصاد عبر تعظيم مساهمة القطاع الخاص، فبالإضافة لنشاط صندوق الاستثمارات العامة الذي يقوم على محركات على الأرض قوامها نحو 100 شركة تسعى لتحقيق التنويع الاقتصادي، فإن صندوق التنمية الوطني يمتلك منظومة تزداد تكاملاً لدفع التنويع الاقتصادي بقيادة القطاع الخاص على تفاوت مشاربه وأحجامه من بنك التنمية الاجتماعية إلى صندوق زراعي وصندوق صناعي وصندوق عقاري وصندوق تنمية الموارد البشرية وصندوق التنمية الثقافي وصندوق الفعاليات الاستثماري وصندوق التنمية السياحي وبنك المنشآت الصغيرة والمتوسطة وصندوق البنية التحتية وبنك الاستيراد والتصدير.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال