الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تتصدر مملكة النرويج مشهد الاستثمار العالمي عبر صندوقها السيادي وأسلوب إدارتها لثرواتها، وبينما يُشاد باستراتيجيتها التقليدية والمتزنة التي مكنتها من بناء أكبر صندوق سيادي في العالم، فإن المملكة العربية السعودية وعبر صندوق الاستثمارات العامة، تُظهر نهجا أكثر تطورا وابتكارا، يتجاوز مجرد تحقيق الاستدامة إلى قيادة تحولات اقتصادية كبرى، مما جعلها تزاحم النرويج في مكانتها الدولية كأفضل ممارسة في الاستثمار السيادي.
يركز الصندوق النرويجي الذي تبلغ أصوله حوالي 1.66 تريليون دولار – حسب بيانات منتصف عام 2024 – بشكل أساسي على استثمار عائدات النفط والغاز لضمان الاستدامة المالية للأجيال القادمة، ويعتمد بشكل كبير على الاستثمار السلبي في الأسهم والسندات العالمية، فمحفظته موزعة على أكثر من 9,000 شركة في حوالي 70 دولة، وقد حقق الصندوق النرويجي متوسط عائد سنوي يبلغ حوالي 6% منذ تأسيسه، وتعتبر هذه النسبة جيدة للاستثمار السلبي الذي يعتمد على استقرار الأسواق العالمية.
بالمقارنة ومن خلال الجمع بين الاستثمار السلبي في الأسواق العالمية والمشاريع المحلية الطموحة، يبرز النهج السعودي كاستراتيجية أكثر تطوراً، لا تقصد فقط الحفاظ على الثروة، بل وإلى تحويل المملكة إلى قوة اقتصادية عالمية، فمع استهداف تحقيق عوائد مالية مستدامة من خلال الاستثمار السلبي في الأسواق العالمية، يقود الصندوق مشاريع محلية كبرى تهدف إلى تنويع الاقتصاد السعودي وتقليل الاعتماد على النفط، فرؤيته ملتزمة بمواكبة رؤية السعودية 2030 التي تسعى إلى تحويل المملكة إلى مركز عالمي للابتكار والسياحة والطاقة المتجددة.
هذه الرؤية الجريئة مترجمة بما في سجل صندوق الاستثمارات العامة من نمو استثنائي في أقل من عقد زمني، حيث ارتفعت الأصول تحت الإدارة تقريبًا من 400 مليار دولار في عام 2015، لتتعدى 925 مليار دولار في نهاية عام 2024 (بعد نقل حصة 8% من أسهم “أرامكو” إلى الصندوق)، ويستهدف تحقيق عائد سنوي بنسبة 8-10% على استثماراته الدولية والمحلية، وهو أعلى من متوسط العوائد الذي يحققه الصندوق النرويجي، ومع الالتزام بخلق أكثر من 1.8 مليون وظيفة مباشرة وغير مباشرة بحلول 2030.
أما في مواجهة الأزمات، وبينما لم يتجاوز الصندوق النرويجي النفط والابتكار في عملية التنويع الاقتصادي، فقد أثبت استقراره خلال الأزمات العالمية، مثل الأزمة المالية في 2008 وجائحة “كوفيد-19″، إلا أنه بسبب اعتماده الكامل على أداء الأسواق العالمية، جعله عرضة لتقلبات كبيرة، حيث خسر 164 مليار دولار في عام 2022 بسبب تقلبات الأسواق، بنقيض الصندوق السيادي السعودي الذي أظهر مرونة وقدرة أكبر على التكيف مع الأزمات بفضل استراتيجيته في تنويع مصادر دخله، مما أهّله حتى أثناء التقلبات العالمية في تحقيق عوائد من مشاريعه المحلية التي تعتمد على الطلب المحلي والإقليمي.
لا شك في أن الصندوق السيادي النرويجي يعتبر نموذجًا عالميًا للاستدامة المالية عبر التركيز على إدارة الثروة، ولكن لا يُستخدم بشكل مباشر في دعم الاقتصاد النرويجي المحلي أو خلق مشاريع استراتيجية جديدة، بعكس النهج السعودي عبر صندوق الاستثمارات العامة الذي يُظهر تطورًا استراتيجيًا أكثر جرأة وابتكارًا في تسخير الثروة لإعادة تشكيل الاقتصاد وخلق فرص العمل، مما يجعله النموذج الأفضل للعديد من الدول في توظيف الاستثمار لبناء مستقبل مستدام ومزدهر، وليس مجرد وسيلة للحفاظ على الثروة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال