الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في عالم الأعمال، قلما تجد قصة تحمل في طياتها مزيجًا من الإبداع والطموح والتحدي كما هو الحال في التنافس بين شركتي “أوبر” و”ليفت”. صراع دام لأكثر من عقد من الزمن، تحول من مجرد منافسة بين شركتين في مجال النقل التشاركي إلى رمز للسباق المحموم الذي يفرضه التطور التكنولوجي السريع.
بدأت القصة في عام 2010 عندما تأسست أوبر في سان فرانسيسكو، بفكرة بسيطة لكنها ثورية: توفير خدمة تنقل تعتمد على التكنولوجيا وسهلة الاستخدام. خلال سنوات قليلة، تحولت أوبر إلى لاعب عالمي في مجال النقل التشاركي، حيث انتشرت خدماتها في أكثر من 58 دولة.
أما ليفت ذات الشنب الوردي فظهرت في عام 2012 في المدينة ذاتها بفلسفة مختلفة قليلاً، تعتمد على تقديم تجربة تنقل أكثر ودية ولطافة وبساطة، لكنها تتشارك مع أوبر الهدف ذاته: السيطرة على سوق النقل التشاركي.
كان لكل شركة طابعها الخاص الذي يميزها. ركزت أوبر على تقديم خدمات راقية، مثل “Uber BLACK”، التي استهدفت الفئات الراقية، بينما حاولت ليفت أن تضيف لمسة إنسانية على تجربة التنقل، من خلال جعلها أكثر شخصية ودفئًا. لكن هذا الاختلاف في الأسلوب لم يمنع اشتعال المنافسة بينهما.
منذ البداية، كان السائقون في قلب هذا الصراع. تسابقت الشركتان في تقديم حوافز مالية ومكافآت سخية لجذبهم، مدركتين أن السائقين هم العصب الأساسي لهذه الصناعة. في الوقت نفسه، اندلعت حرب أسعار شرسة بينهما لجذب العملاء، مما جعل التنقل أرخص من أي وقت مضى، لكن ذلك أثر بشكل كبير على هوامش الأرباح لكليهما.
ثم ظهرت اتهامات ضد أوبر باستخدام أساليب تجسسية على منافستها ليفت، حينما أُشيع أن أحد الموظفين السابقين في ليفت نقل مستندات سرية بلغت 98 ألف مستند من خلال تحميلها على دروبكس الخاص به، ثم نقلها إلى أوبر والتي تضمنت بيانات مالية وخططًا استراتيجية وبيانات عملاء حساسة، مما أدى إلى صراع قانوني بين الشركتين.
بل حتى الأوراق السياسية في هذا الصراع تم اللعب بها، ففي يناير 2017 تعرضت أوبر لحملة إعلامية مضادة بسبب قرارها بتكثيف خدماتها حول مطار كينيدي أثناء إضراب “سائقي تاكسي نيويورك”، الذين كانوا يحتجون على قرارات إدارة ترامب المتعلقة باللاجئين. الخطوة التي بدت انتهازية أثارت غضب المتظاهرين، وقادت إلى حملة ضد أوبر شملت حذف أكثر من 200 ألف شخص لتطبيقها خلال أيام قليلة. على الجانب الآخر، اغتنمت ليفت الفرصة وأعلنت دعمها للإضراب وتبرعت بمبلغ مليون دولار لدعم اللاجئين، وهو ما ساعدها على كسب شريحة كبيرة من العملاء والذين انتقلوا إليها قادمين من أوبر.
وحتى المال والذي يفترض أن يكون أداة للنمو دخل في هذا الصراع، وصار أداة للهيمنة وسلاح استخدمته أوبر بعدوانية ضد ليفت والمنافسين. من أبرز الأمثلة على ذلك، هو استراتيجيتها في تقديم حوافز مالية ضخمة للسائقين والعملاء على حد سواء، مما دفع ليفت إلى خوض حرب أسعار أثرت بشكل كبير على هوامش أرباحها. بالإضافة إلى تقارير ذكرت أن أوبر دفعت لموظفين سابقين في ليفت للحصول على معلومات داخلية، وظهرت اتهامات بأن الشركة قامت بتوجيه سائقين بشكل متعمد إلى استخدام تطبيق ليفت لجمع معلومات عن خطط التشغيل الخاصة بالمنافس. إضافة إلى ذلك، تقارير ذكرت أن أوبر شنت حملة خفية لتجنيد السائقين الذين يعملون لدى ليفت، حيث دفعت مكافآت مالية كبيرة لهم للانتقال إليها، بل وذهبت إلى حد حجز رحلات وهمية عبر تطبيق ليفت لإرباك عملياتها وإلحاق الضرر بمصداقيتها أمام العملاء.
أيضا الصراع امتد إلى التمويل، حيث جمعت أوبر مليارات الدولارات لدعم توسعاتها المتسارعة، بينما اعتمدت ليفت على شراكات استراتيجية مع شركات كبرى مثل “جنرال موتورز” لتطوير تقنيات مبتكرة. ورغم أن ليفت كانت دائمًا خلف أوبر بخطوة، إلا أن استراتيجيتها الأكثر تركيزًا على الجودة جعلتها تحتفظ بحضور قوي في السوق المحلي.
ومع مرور الوقت، بدا التمايز واضحا بين الشركتين. أوبر وسّعت آفاقها لتشمل مشاريع جديدة مثل السيارات ذاتية القيادة وخدمات توصيل الطعام، بالإضافة إلى التوسع في الأسواق العالمية. في المقابل، ركزت ليفت على السوق الأمريكية والكندية، مستثمرة في بناء قاعدة صلبة هناك.
فيما يخص الجانب التكنولوجي، كانت أوبر دائمًا في طليعة استخدام البيانات الضخمة لتحليل سلوك العملاء وتحسين خدماتها. أما ليفت، فقد ركزت على جعل تطبيقها بسيطًا وسهل الاستخدام، مع إضافة لمسة عاطفية جعلت العلاقة بين السائقين والعملاء أكثر دفئًا.
اليوم، رغم تراجع حدة التنافس المباشر بين الشركتين، إلا أن السباق لم ينتهِ. تستمر أوبر في استكشاف أسواق جديدة وتقديم خدمات مبتكرة، بينما تركز ليفت على تعزيز حضورها المحلي وتحسين جودة خدماتها. في نهاية المطاف، هناك فائز واضح في هذا السباق وهم العملاء الذين استفادوا من خدمات نقل مبتكرة ومريحة بفضل هذا الصراع الشرس.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال