الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الشرق الأوسط الملتهب دائما بالصراعات السياسية والأزمات الاقتصادية بحاجة – أكثر إلحاحًا اليوم من أي وقت مضى – إلى استراتيجيات جديدة لتمكينه من الاستقرار، ولعل الدبلوماسية الاقتصادية السعودية تشكل بوابة العبور نحو هذا الهدف، فهي الأداة المثلى لتحقيق ذلك في منطقة تعج بالمواجهات الصدامية التي لطالما أثبتت محدوديتها ونتائجها الكارثية.
الدبلوماسية الاقتصادية هي فن استخدام أدوات التجارة والاستثمار والمساعدات والشراكات لتعزيز العلاقات السياسية، بحيث تقوم على مبدأ ارتباط الدول بمصالح اقتصادية مشتركة، فتصبح النزاعات خيارا مكلفا بل وغير مرغوب فيه من الجميع، ومن ثمّ تتحول الارتباطات من مجرد توازنات قوى إلى شراكات تُبنى على تحقيق منافع ومكاسب متبادلة.
الأمثلة عديدة على الصعيد العالمي التي توضح كيف يمكن للدبلوماسية الاقتصادية أن تسهم في تحقيق الاستقرار والتنمية، والاتحاد الأوروبي يعتبر النموذج الأبرز، فقد تحولت قارة مزّقتها النزاعات على مدى 400 عام كانت نهايتها حروبا طاحنة في القرن العشرين، إلى منطقة سلام وازدهار اقتصادي، من خلال التكامل الاقتصادي بين دول الاتحاد، والذي ساهم في تعزيز التعاون السياسي والاجتماعي بين أعضائه.
مبادرة الصين (الحزام والطريق) مثال آخر وحي على كيفية استخدام الاستثمار والبنية التحتية لتعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية مع أكثر من 60 دولة، مما يُعزز موقف الصين في خلق شبكة من التعاون العالمي، كما استخدمت الولايات المتحدة المساعدات الاقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية لتعزيز نفوذها الدبلوماسي، فخطة “مارشال” لإعادة بناء أوروبا بعد الحرب خير مثال على ذلك، حيث ساعدت في إعادة إعمار القارة وتعزيز الاستقرار السياسي.
الشرق الأوسط الذي يعج بالتوترات السياسية والطائفية والاقتصادية المتشابكة والمعقدة، بحاجة ماسة لهذه الأداة النوعية (الدبلوماسية الاقتصادية) التي يمكن لها أن تعالج جذور الأزمات وتقديم حلولًا غير تقليدية، فبدلًا من التنافس على السيطرة والنفوذ، يمكن للدول أن تعمل معًا لتطوير اقتصاداتها وتعزيز رفاه شعوبها.
من هنا، يُنظر إلى المملكة العربية السعودية بأنها صاحبة الدور المحوري في تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية لإعادة تشكيل العلاقات وإرساء قواعد الاستقرار في المنطقة، فبفضل مكانتها كأكبر اقتصاد في المنطقة وثقلها السياسي ومصداقية مواقفها وموثوقية التزاماتها، تستطيع المملكة من استخدام قدراتها الضخمة هذه في تعزيز الأمن الاقتصادي والسياسي، نحو بناء شرق أوسط جديد.
هذه النظرة بدأت تتشكل منذ لحظة ذكر سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ضمن حديثه في منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض )أكتوبر 2018( جملة مهمة جدا حيث قال بثقة معهودة عنه بأن: “الشرق الأوسط هو أوروبا الجديدة، وأعتقد أن هذا الهدف سيتحقق 100%”، وقد تنبهت النخب الفكرية وقتها إلى أن مقولة سموه هي رؤية جديدة جادة تحمل تحولا جوهريا، واليوم يتضح للجميع بأن المملكة هي مفتاح رسم مستقبل المنطقة، وفي مرحلة حرجة يواجه فيه العالم ملفات مليئة بالتحديات مثل تغير المناخ وامدادات الطاقة وأسعارها المتقلبة.
برغم التحديات المحتملة لاختلاف الأولويات السياسية بين دول المنطقة، يبرز النهج الاقتصادي الدبلوماسي كضرورة ومطلب استراتيجي لتحقيق الاستقرار، والمملكة العربية السعودية تقدم نموذجاً لما يمكن تحقيقه عندما يتم دمج القوة الاقتصادية مع رؤية سياسية شاملة، وإذا تمكنت دول المنطقة من محاكاة النهج السعودي، فإن الشرق الأوسط يمكن أن يتحول من منطقة صراعات ضيقة الأفق إلى نموذج للتكامل الاقتصادي والتعاون الدولي، مما يضمن مستقبلاً مزدهرا ومستقرا للجميع، بمشيئة الله تعالى.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال