الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أدركت الصين قبل غيرها من الدول أنّ نموذج التنمية المتمثّل في “قتل الدجاج من أجل البيض” و”تجفيف البحيرة من أجل الأسماك” قد وصل إلى طريق مسدود، إذ لا بدّ من أن تكون التنمية متوافقة مع البيئة، بما يدفع إلى تعزيز التناغم بين الإنسان والطبيعة، وبذلك تكون السياحة البيئية خير نموذج يُقرّب الإنسان من محيطه البيئي. عموما تتجاوز فكرة السياحة البيئية في الصين ما يتعلّق بالذهاب للتمتع بالمنتزهات البيئية، بل ينطوي الأمر على جوانب متعددة، تبدأ بالجانب الأكثر أهمية ألا وهو إتاحة الفرصة للمواطن الصيني للذهاب والاستمتاع ببلاده، وهو ما لا يمكن أن يحدث لولا وجود تحسّن عام بمستوى المعيشة، بما يٌقدّم إمكانية لمعظم المواطنين للسفر والاصطياف، وهو ما ينطوي على مفهوم آخر هو حق المواطن بالتمتع ببلاده. إذ لم أزل أذكر السيدة العائدة من إحدى المناطق السياحية والتي أخبرتني أنها بعد التقاعد ترغب في أن تزور مختلف الأماكن في بلادها فقالت: “عندما أذهب في رحلات سياحية، وأرى ما وصلت إليه بلادنا من تقدّم، أشعر بالفخر بإنجازات حكومتنا”، هي سياحة بدأت تتاح للطبقة الوسطى ولم تكن لتحدث لولا وجود نوع من الانتعاش في المستوى المعيشي.
وعلى صعيد آخر فإنه وبالإضافة إلى عائدات السياحة المهمة التي ترفد الاقتصاد الوطني وتدعمه إلا أن زيادة المساحات البيئية له أثر كبير على صعيد تخفيف حدة التلوث عالميا، وهو ما نادت وتنادي به الصين على الساحة الدولية حول ضرورة تحمّل الجميع لمسؤولياتهم والعمل بشكل مشترك من أجل تخفيض نسبة الكربون، لا سيما بعد أن تحوّل التلوث المناخي إلى مشكلة عالمية لا تتعلق بدولة واحدة.
بالعودة إلى الوراء منذ عام 2021، برزت عدة كلمات على صعيد السياحة في الصين والتي هي: “المتنزهات الوطنية ومسارات الغابات وسياحة الجليد والثلج” كموضوعات ساخنة وجديدة في المجتمع الصيني. فخلف هذه الكلمات البسيطة وُجدت جهود ضخمة لإصلاح وتطوير السياحة البيئية، وتحويل “الأزمة” إلى “فرصة”، وبذل كل جهد ممكن لبناء نمط جديد من التنمية عالية الجودة للسياحة البيئية. وفي العام نفسه أظهر تقرير صادر عن أكاديمية السياحة الصينية أنه في موسم الجليد والثلج 2021-2022، وصل عدد السائحين إلى 305 مليون شخص، ومن المتوقع أن ترتفع إيرادات سياحة الجليد والثلج الترفيهية إلى 323.3 مليار يوان. وفي العام ذاته ارتفعت نسبة التخييم ثمانية أضعاف على أساس سنوي في عام 2021.
مبادئ
لعلّ كل ما حدث سابقا كان وفقا لعدة مبادئ وأسس منها:
جزيرة بيئية نموذجية
هي عادة صينية قد يراها السائح أينما يذهب تقوم على توثيق الأماكن في الصين، بما يُظهر الفروقات بين ما كانت عليه تلك المناطق، وكيف أصبحت اليوم، والهدف الذي يجب أن تكون عليه مستقبلا. فمثلا، غالبا ما يتم وضع صورة لأي موقع قيد التطوير والتحديث، للإشارة كيف كان وكيف سيتغيّر. جزيرة “جوان يان” في مقاطعة “تشونغشينغ” هي بمثابة رسالة لتحويل مكان الحرب إلى رمز للسلام، سلام للبشر، والطبيعة. إذ كانت هذه الجزيرة في السابق عبارة عن مطار وهو أول مطار عسكري في الجنوب الغربي من الصين، كان يستخدم خلال الغزو الياباني للأراضي الصينية، أما اليوم فسيتحول إلى مركز للتنمية المستدامة الخضراء. هذا نوع من التنمية يهدف إلى إدارة موارد الأرض بشكل لا يؤدي إلى استنزافها، كي لا يتحمّل كوكب الأرض المزيد من الضغوطات والأعباء. بالإضافة إلى رسالة السلام التي يُشير إليها هذا الموقع، كان هناك سببا آخر لاختياره كموقع بيئي هو البعد النسبي عن مركز المدينة “تشونغتشينغ”، التي هي بالأساس مدينة تحتوي على الكثير من الصناعات، وهو ما يؤدي إلى وجود تلوث كبير. فمثلا، قبل عشرة سنوات، كان الغرباء القادمين إلى هذه المدينة يواجهون مشكلة عدم رؤية الشمس بسبب التلوث الكبير، ومنذ تلك الأثناء كان يوجد تعهد حكومي بحل هذا الأمر، وبالفعل أصبحت شمس المدينة اليوم أكثر وضوحا وسطوعا، نتيجة إجراءات حمائية تتعلق بتخفيض نسبة تلوّث الهواء. ووفقا للترجمة الحرفية، على موقع الحكومة المحلية للمقاطعة على الإنترنت. فإن الهدف من بناء هذه الجزيرة البيئية هو أن تكون “عين خلّابة وجذّابة”. وسيتم العمل على الحفاظ على البيئة في هذه الحديقة المحاطة بالمياه من أربعة جوانب من خلال عدد من التدابير والتي هي: حماية الجبال، إدارة المياه، الحفاظ على الغابات والحقول، والبحيرات، حماية التنوع البيولوجي، والسعي إلى إقامة جبال خضراء. ومياه نقية. ومستقبلا، من المخطط أن تكون هذه الجزيرة مقصدا للسياح، وبهذه الطريقة يكون قد تم تحقيق عدة أهداف مثل: الحفاظ على البيئة، جذب السياح، تحويل مراكز الحرب إلى سلام في العصر الحديث، وهو ما تنادي به الصين دائما، بأن السلام هو تنمية وأمن وأمان.
خاتمة
قد يعتقد البعض أن ما نادت وتنادي به الصين من أفكار، لا يتجاوز شعارات تم ترديدها سابقا من قبل مختلف الدول، إلا أنّ من يُقيم في الصين، ويتتبّع التغيرات التي تحصل بشكل دائم، يُدرك تماما أن الأفعال أقوى صوتا من الكلام كما تقول الحكمة الصينية.
.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال