الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مدخل إلى الحوكمة الرشيدة…
على مدار الخمسين عامًا الماضية، برز العديد من رؤساء مجالس الإدارة في الشركات العالمية كرموز للقيادة والتأثير في صناعاتهم. لم يترك هؤلاء القادة بصمتهم فقط على شركاتهم، بل ساهموا أيضًا في تشكيل ممارسات الأعمال والحوكمة. من بين هؤلاء الشخصيات، يُعتبر جاك ويلش، رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لشركة جنرال إلكتريك من 1981 إلى 2001، من أبرزهم. عُرف ويلش بأسلوب إدارته الصارمة ، حيث قاد الشركة نحو نمو هائل، إذ زادت قيمتها من 12 مليار دولار إلى حوالي 500 مليار دولار. وقد قدم مفاهيم مثل “التميز التشغيلي” و”القيادة في السوق”، مما ساعد جنرال إلكتريك على تحقيق أرباح كبيرة وتعزيز مكانتها كمنافس رئيسي.
من جهة أخرى، وارن بافيت الذي يعد أحد أعظم المستثمرين في التاريخ، شغل منصب رئيس مجلس الإدارة لشركة بيركشاير هاثاوي منذ عام 1970، حيث اشتهر باستراتيجياته الاستثمارية الفريدة وعمله الخيري، ليصبح رمزًا للنجاح والالتزام بالمبادئ الأخلاقية في عالم المال.
تولى تيم كوك رئاسة شركة أبل بعد ستيف جوبز في 2011، ورغم أنه معروف كرئيس تنفيذي، إلا أنه أيضًا شغل منصب رئيس مجلس الإدارة. قاد كوك أبل لتحقيق نمو وابتكارات غير مسبوقة، مما جعلها واحدة من أكثر الشركات قيمة في العالم. بينما يمثل لاري بيج، مؤسس جوجل، وماري بارا، أول امرأة تتولى منصب رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لشركة جنرال موتورز، جيلًا جديدًا من رؤساء مجلس الإدارة الذين يساهمون في تشكيل مستقبل الصناعات. حيث ساهم بيج في تطوير التكنولوجيا الحديثة، بينما قادت بارا تحول جنرال موتورز نحو الاستدامة.
يؤدي رئيس مجلس الإدارة دورًا حيويًا في توجيه الشركة، حيث تتضمن مهامه بناء الاستراتيجية وتحديد الأهداف طويلة المدى بالتعاون مع المجلس والإدارة التنفيذية، وتنظيم اجتماعات فعالة لمجلس الإدارة، والعمل كحلقة وصل بين المجلس والإدارة التنفيذية. كما يتولى مراقبة الأداء العام وتحليل النتائج المالية، ويشارك في عمليات التوظيف والتقييم للمديرين التنفيذيين، ويعزز الحوكمة للتأكد من الالتزام بأفضل الممارسات.
تتضمن الصفات التي تميز رئيس مجلس الإدارة الناجح رؤية استراتيجية واضحة، ومهارات القيادة، والقدرة على صنع القرار، وفهمًا عميقًا للصناعة. ويتمتع رؤساء مجلس الناجحون أيضًا بالمرونة والقدرة على إدارة الأزمات، مما يساعدهم في توجيه شركاتهم نحو النجاح والاستدامة.
تعتبر مجالات القيادة والإدارة من العناصر الحيوية التي تحدد نجاح الشركات في مختلف أنحاء العالم. ومن المثير للاهتمام أن أسلوب القيادة لرؤساء مجالس الإدارة يختلف بشكل كبير بين اليابان وأمريكا وبريطانيا، وذلك بسبب العوامل الثقافية والهيكلية والاقتصادية التي تؤثر على كل بلد. في اليابان، يميل القادة إلى اعتماد أسلوب القيادة الجماعية، حيث تُعتبر عملية اتخاذ القرارات عملية تشاركية،و يتم التركيز على بناء توافق الآراء وتجنب الصراعات، مما يعكس الثقافة الجماعية السائدة. في المقابل، يتميز القادة الأمريكيون بسرعة اتخاذ القرارات، حيث يركزون على تحقيق الأهداف قصيرة المدى، ويُعتبر النجاح الفردي وتقدير الأداء الشخصي من القيم الأساسية. أما في بريطانيا، فإن القادة يجمعون بين التشاركية والقرارات الفردية، مع مراعاة التقاليد والسمعة.
تتباين أيضًا استراتيجيات رؤوساء مجالس الإدارة بين هذه الدول. في اليابان، يتم التركيز على الاستدامة وبناء علاقات طويلة الأمد مع الشركاء، مع تجنب المخاطر العالية. في حين يفضل الأمريكيون التفكير المبتكر واستراتيجيات النمو السريع، مما يجعلها أكثر تقبلًا للمخاطر. وفي بريطانيا، تميل الاستراتيجيات إلى أن تكون أكثر تحفظًا، مع التركيز على تحقيق التوازن بين الابتكار والاستقرار.
تعتبر الشفافية والمساءلة من القيم الأساسية التي تعتمدها الشركات الأمريكية، حيث تُقدم التقارير المالية بشكل مفصل. في المقابل، قد تكون مستويات الشفافية في اليابان أقل، حيث يتم التعامل مع المعلومات بشكل أكثر تحفظًا ويفضل التركيز على العلاقات الشخصية. بينما في بريطانيا، تُعتبر الشفافية مهمة، ولكن هناك أيضًا تقدير للتقاليد والخصوصية في بعض الحالات.
تتفاوت أساليب القيادة والثقافة التنظيمية بين رؤساء مجالس الإدارة في اليابان وأمريكا وبريطانيا، مما يؤثر على كيفية إدارة الشركات واتخاذ القرارات. تعكس هذه الفروقات القيم الثقافية والاجتماعية لكل بلد، مما يساهم في تشكيل بيئة العمل ونجاح الشركات في عالم اليوم.
يمكن لشخص واحد أن يشغل منصب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي في الشركات العامة الأمريكية. ومع ذلك، كانت هذه الممارسة موضوعًا للنقاش والجدل فيما يتعلق بالحوكمة المؤسسية، حيث يجادل بعض المستثمرين والمدافعين عن الحوكمة بأن وجود شخص واحد في كلا المنصبين يمكن أن يؤدي إلى تركيز السلطة، مما يقلل من قدرة المجلس على تقديم إشراف فعال. يفضل العديد من المستثمرين المؤسسيين فصل الأدوار لتعزيز المساءلة وضمان قدرة المجلس على تحدي قرارات الرئيس التنفيذي بشكل فعال. وعلى الرغم من أن هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية لا تحظر هذه الممارسة، إلا أنها تتطلب من الشركات الكشف عن هياكل حوكمتها، بما في ذلك ما إذا كانت الأدوار مجتمعة أو منفصلة.
لائحة حوكمة الشركات الصادرة عن هيئة السوق المالية السعودية تعزل دور رئيس مجلس الإدارة الإشرافي عن الأدوار التنفيذية أثناء ترؤسه المجلس، وإذا كان رئيسا تنفيذيا لا يجوز تعيينه رئيسا لمجلس إدارة الشركة خلال السنة الأولى من انتهاء خدماته. هذا الإجراء يعكس التزام الشركات بتعزيز الحوكمة والمساءلة، وهو ما يعد خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة والنجاح في بيئة الأعمال التنافسية.
وفي إطار تعزيز الحوكمة المؤسسية، حددت هذه اللائحة مهام رئيس مجلس الإدارة وأعضاء مجلس الإدارة لتقديم دورًا حيويًا في توجيه الشركات. ووفقًا للمادة 26 من منها، يتولى رئيس مجلس الإدارة قيادة المجلس والإشراف على سير العمل، مما يتطلب منه أداء مهامه بفعالية وكفاءة.
تتضمن مهام رئيس مجلس الإدارة حسب هذه المادة ضمان حصول الأعضاء على معلومات كاملة وواضحة وغير مضللة في الوقت المناسب، وهو ما يعزز من قدرة المجلس على مناقشة القضايا الرئيسية بفعالية. كما يمثل رئيس المجلس الشركة أمام الأطراف الخارجية، مما يتطلب الالتزام بأحكام نظام الشركات ولائحته التنفيذية.
وأكدت اللائحة أنه من الضروري أيضًا أن يشجع رئيس مجلس الإدارة الأعضاء على أداء واجباتهم بما يحقق مصلحة الشركة، ويعمل على بناء قنوات تواصل فعالة مع المساهمين لنقل آرائهم إلى المجلس. كما يتعين عليه تعزيز العلاقات البناءة والمشاركة الفعالة بين المجلس والإدارة التنفيذية، مما يسهم في خلق ثقافة تشجع على النقد البناء.
علاوة على ذلك، يتولى رئيس مجلس الإدارة إعداد جدول أعمال الاجتماعات، مع مراعاة القضايا التي يثيرها الأعضاء أو المدققون، والتشاور مع الرئيس التنفيذي عند إعداد جدول الأعمال . ويجب أن يعقد اجتماعات دورية مع الأعضاء غير التنفيذيين دون حضور أي مسؤول تنفيذي، لضمان نقاش مفتوح وشفاف.
وفي النهاية يجب أن يعي رئيس مجلس الإدارة أهمية وحجم الدور المناط به كرأس لهرم الشركة والمسؤول الأول فيها ، وأن يتميز بروح قيادية توازن بين مصالح المساهمين وتنمى ثرواتهم ، وتمكين أعضاء مجلس الإدارة من أداء أدوارهم بروح الفريق الواحد. ويجب عليه توجيه الإدارة التنفيذية بشكل دائم، ومراقبة أداء كبار التنفيذيين وتعزيز ثقتهم بأنفسهم وتمكينهم بكل الوسائل النظامية لتحقيق أهداف الشركة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال