أعلى مراتب الكتابة عن سير القادة وأوصافهم، تتمثل في أن يتيح القائد للكاتب ملازمته في أيامه العملية، ليضع الأوصاف المشاهدة، وينقل الحالات المتكررة، ويقدمها كنماذج صادقة لواقع حقيقي ممارس، ولا شك بأن الأمنية بشرف ذلك النوع من الملازمة، تتعاظم عندما يكون القائد هو ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان آل سعود -حفظه الله- قائد الرؤية وملهمها، ومع أن الأماني على أرض المملكة العربية السعودية – ولله الحمد – ما هي إلا أحلام تتحقق، سيراً على إلهام أميرنا حفظه الله “بأننا لا نحلم، نحن نفكر في واقع يتحقق”، وريثما يتحقق ذلك الحين بعون المولى الكريم، سيكون من الواجب الوطني عليّ، إجابة لسؤال مستثمر في محفل دولي خارج الوطن عن أوصاف أميرنا الشهم باعتباره قائداً للاستثمار، أن أعيد التأمل في جميع اللقاءات التي نشرت، وأتمعن في كافة اللقطات التي وثقت زياراته الميدانية، وتمثيله للمملكة على المستوى الدولي والمحلي، أو في مباشرته لمهامه الرسمية، ورئاسته للمجالس، واستمع لكل من تحدث عن الأمير، أو تقاطع معه في مجلس، أو محفل، أو تنفيذ مهمة، وأقرأ بحكم التخصص الاستشاري وثائق الحراك التنظيمي والقانوني الذي أحدثته الرؤية في أروقة الدولة، وأرصد تواريخ العرض التي تسلسلت في تلك الوثائق كشفاً عن مراجعته وتدقيقه، أو فحصاً منه لنتائج اجتماعات فرق العمل وإقراراً لتوصياتها، وسعياً على خطى العرب في الاكتفاء من القلادة بما أحاط بالعنق، فإن من جملة تلك الصفات في الإطار العام لشخصيته -حفظه الله-:
- تفريقه بين المراحل التي يحتاج فيها لممارسة وظائفه القيادية، والمرحلة التي يكون فيها فاحصا للجودة، وباحثا عن سمات التمايز والتفرد وأميناً على تحقق الصبغة السعودية. (وظيفة القيادة هي ما يقوم به القادة – من تحديد للمهمة، فتخطيط، ثم إيجاز لها، وبيان لحدود السيطرة والتنسيق، ثم التقييم والدعم، وانتهاء بالتحفيز والقدوة- وهي تختلف عن الجودة والعناية بالتمايز التي تعد سمة لما يفعله القادة).
- إدراكه الفرق بين المخيف والخطر – فالشيء المخيف يسبب خطراً متصوراً، والشيء الخطر يسبب خطراً حقيقياً – معرفة منه -حفظه الله- بأن إيلاء الكثير من الانتباه للخوف، يؤدي إلى تفريغ مأساوي للطاقة في الاتجاهات الخاطئة، ولذا فالأمير في أحاديثه التي يخاطب فيها شعب المملكة لا تجده مركزاً على الأحداث الدولية، في وقت هم ينتظرون بشغف، ثماراً ونتائج حديثة للرؤية يعلن عنها، ويبحثون عن زاوية جديدة لإلهامه، لذا ليس بمستغرب أن تيسر الركاب بمقولته: (أنا أعتقد هذه غير موجودة في قاموس السعوديين أن السعودي يخاف، ما في شك نقلق، نشيل هم، نعمل على تجاوز هذا القلق أو الهم بحلول، لكن الخوف ما أعتقد بأنه موجود في قاموس السعودي).
- العناية بلغة الأرقام مع التفادي الظاهر للأرقام الوحيدة، لأنها لا يمكن أن تكون في حد ذاتها ذات معنى دون مقارنة، ولذا فالسمة البارزة له حفظه الله في أحاديثه أنه لا يقدم عدداً واحداً، وإنما يقدم عدداً بعدد آخر يقارن به، ليعطي دلالة واضحة، على أن معرفة كيفية التصرف، وترتيب أولويات الموارد لا يكون إلا بإجراء العمليات الحسابية الرزينة، وإدراك ما ينجح وما لا ينجح.
- التنبه لوهم بعض المعلومات التي تتوفر عادة للقادة، نتيجة بعدهم عن اختراق مواقع التنفيذ، في أرض الواقع، وعدم وقوفهم المستمر، على مراحل سير الأعمال، بحكم سلسلة المراتب الإدارية، والتنظيمات الإجرائية، ولذا يتكرر منه – حفظه الله – الوقوف المباشر في عمق الميدان، وكلنا نتذكر زياراته لمنطقة تبوك، ومؤخراً وقوفه على سير الأعمال في محمية شرعان.
- إتقان التعامل مع الخبراء، فيأخذ من الخبراء ذوي المجال الضيق، الحقائق دون الآراء، لما يصاحب نظرتهم عادة من محدودية، ومن أقرب الأمثلة موقفه من بعض الدراسات الاستطلاعية المبكرة لملف استضافة المملكة لكأس العالم.
وأما عن صفاته في الإطار الخاص ضمن اجتماعاته ولقاءاته بالمسؤولين فنجده حفظه الله:
- كثيراً ما يزرع بأن ثمة اختلافاً بين تسلسل القيادة، وبين سلسلة التواصل، ولذا اعتاد كثيرٌ من الوزراء في تواصلهم معه لمراجعة الجوانب التنفيذية المتصلة بأعمالهم، ببعد الأمير عن التمسك بالتسلسل القيادي الرسمي، بل وإن صح التعبير في تخريبه، وفقاً للتعبير الاقتصادي حيثما يكون ذلك ضرورياً، وغايته من ذلك السعي الجاد لإرساء ثقافة المشورة والمراجعة، وطلب الدعم أمام المعوقات، والتعلم من الأخطاء المصاحبة للتنفيذ، وكيفية السير السريع في مسارات المعالجة، وتحديد الدروس المستفادة.
- تميزه حفظه الله في كثير من الاجتماعات التحضيرية للقرارات، بكونه حلقة الوصل بين (الفرصة أو التحدي /المشكلة المحتملة أو الفعلية)، وبين العقل الخصب للفريق المعني ككل، وبين الأفراد المسؤولين المكونين للفريق.
وأما عن صفاته العملية – حفظه الله – التي تكررت بصورة ظاهرة في الجوانب التنفيذية المتصلة برؤية المملكة 2030 تحديداً فتتمثل في:
- موازنته في الالتزام بالمعايير، بين مخاطر الالتزام من غير تفكير، ومخاطر الابتعاد المتهور عنها، إيماناً منه بأن ثقافة حل المشكلات الناجعة، هي التي تستطيع أن توازن بين الأساليب المعيارية المعتمدة – مهما كان شكل تلك الأساليب -، وبين القوى التي تدفع في اتجاه معاكس، ففي بداية انطلاقة الرؤية أدرك سموه – حفظه الله – بأنه سيتعامل مع قطاعات، ألفت الالتزام بعمليات معيارية، قديمة ورتيبة، في حين أنه بحاجة لتشجيع نزعة، تساعد في استخدام التفكير من جانب آخر، ومعرفة ما يكون ناجحاً في كل حالة من الحالات، القديمة والجديدة والمستقبلية، وذلك حتى يكون في مقدور كل جهة، أن تستوعب عملية صناعة المؤشرات، وبناء أساليب معيارية جديدة.
- ثقته في الفريق المباشر للتنفيذ، وحرصه الدقيق على تلمس الصوت القادم من الميدان، والتأكد من الاستماع له، التزاماً منه – حفظه الله – بمبدأ الوثوق في أن الفريق المباشر، هو الأقدر على تحديد صورة التكيف مع معوقات الميدان، وهو المصدر الأول للتعلم، باكتشاف نوع الاستجابة الأفضل، للظروف المحلية، المتغيرة باستمرار، ولهذا كثيراً ما يتجلى في أحاديثه إشراكه للسائل والمشاهد في النظر من خلال عدسة الفريق المباشر، في رؤية العقبات بوضوح من المسافة القريبة.
- عدم تشتت الأمير لحظة مراجعته وفحصه لأفضل الممارسات الدولية، عما يعطي المملكة العربية السعودية الميزة الحقيقية وهي (التمايز) إدراكاً منه – حفظه الله – بأن الاستراتيجية الجيدة، يجب أن تكون مختلفة، وتقليد الممارسات لا يمكن أن يشكل بذاته استراتيجية جيدة، فما يطلق عليه أفضل الممارسات يتضمن بشكل أكثر تحديداً ممارسات من نوعين مختلفين: أدوات وطرق وأساليب تشغيلية، أثبتت فعاليّتها على المستوى الدولي، وهذه يمكن لها تحسين الأداء التشغيلي بشكل واضح، لكن لا يمكنها وحدها أن تمنح ميزة استراتيجية دائمة، والخطأ الذي يقع فيه كثير من القادة هو بالاعتماد عليها لتحقيق النجاح خلطاً منهم بين الإستراتيجية، والفعاليّة التشغيلية، أما النوع الآخر من أفضل الممارسات، فيتعلق بالتموضع الاستراتيجي، وهذا النوع هو ما يوليه الأمير عناية فائقة، وبحثاً دقيقاً، عند المراجعة والفحص، ولهذا لا عجب أن تتوالى تصريحات المحللين، بأن السعودية ضمن مبادرات رؤيتها قد تموضعت في شأن ما، تموضعاً إستراتيجياً جديداً، أو أنها قد أعادت تموضعها استراتيجياً بغية تحقيق مستهدفاتها.
- اعتماده حفظه الله في المساءلة على تحقيق النتائج، أكثر من اعتماده على الرضوخ للإجراءات؛ لأنه على معرفة تامة بأن التنفيذ تشارك فيه العديد من الجهات المختلفة، وأن الوصول للنتيجة بطبيعته، يعني التزاماً بالإجراءات، وتحقيقاً لمبتغاها، والنظر في أي معالجات تتعلق بها، له مساره الخاص، وفريقه المعني.
وختاماً لا أصدق من أن يقال دونكم أمير حظي بالتتلمذ في المدرسة السلمانية، التي كان فيها وما زال والدنا جميعاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – أدام المولى عزه، وأسبغ عليه عنايته – القدوة الماثلة، والموجه الأول، والمربي الحازم.
حفظ الله لنا قيادتنا، وبارك لنا في دولتنا، وأدام أمنها، وأسعدنا بتحقق كل آمالها.