الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يمكن تعريف الحوكمة بأنها مجموعة من المبادئ والقواعد التي تحكم الأداء والسلوك بهدف تحقيق الشفافية، والنزاهة، والمسؤولية. هذه القواعد تساعد في الحفاظ على السمعة وتجنب تشويهها عبر إدارة العلاقات بطريقة تحترم القوانين والأخلاقيات.
عند النظر إلى التاريخ الإسلامي والعربي، نلاحظ أن قواعد وقيم الحوكمة كانت موجودة منذ أزمنة بعيدة، حيث تعود جذورها إلى عفة النفس وخشية تلطخ السمعة(reputation). كانت البواعث القديمة تقوم على الخوف من تشويه سمعة الفرد أو المجتمع (العيب أو المنقود)، وهو ما يتشابه مع الحفاظ على سمعة الشركات أو المؤسسات في العصر الحديث.
في القرآن الكريم، يقول الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} (الإسراء:32)، حيث يُحذر الله عز وجل من الاقتراب إلى الفعل المخزي أو مواطن التهم. وفي السنة النبوية، يوجد مثال بارز حيث رأى النبي محمد صلى الله عليه وسلم زوجته صفية في الليل، وعندما رآهما رجلان من الأنصار، أسرع النبي ليوضح أنها زوجته لتجنب أي شبهة أو سوء ظن، قائلاً: “إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا أو قال شرًا”، مما يبرز أهمية الشفافية والإفصاح والحرص على السمعة.
وفي ذات السياق، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “من عرض نفسه للتهم فلا يلومن من أساء به الظن”، مما يؤكد أن سلوكياتنا تمهد للآخرين سوء الظن بنا وتسيء لسمعتنا. ومن الأمثلة الشعرية الجميلة في هذا السياق، قول عنترة ابن شداد في ترفعه عن مواطن العيب والتهمة:
“وأغضّ طرفي ما بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
إني امرؤٌ سمح الخليقة ماجدٌ لا أتبع النفس اللجوج هواها”.
ويضيف أبو زيد الهلالي في حفاظه على سمعته:
“يقول أبو زيد الهلالي سلامه
عرض الفتى مثل القزاز الرهايف
أصونه عن الأنذال لا يكسرونه
ومن جانب الأجواد ما نيب بخايف”.
نعتقد أن التطور الهائل لنظرية الحوكمة في العصر الحديث، والربط بينها وبين القيم والأعراف والأخلاق والدين، مثل النزاهة والعدالة في الصفقات التجارية والمعاملات اليومية، يعزز من أصالة ممارسة الحوكمة المعاصرة، فهذا الربط يجعل الحافز للحوكمة نفسيًا قبل أن يكون إجرائيًا، حيث يخلق قيم نفسية تبث روح الحياة في إجراءات الحوكمة، فهذه القيم تحفز الإنسان والكيانات لعدم تعرضهما للعيب أو تشويه السمعة.
باختصار، تعزز ممارسة الحوكمة المعاصرة عندما تكون مرتبطة بالقيم الأخلاقية والنفسية، مما يضمن أن تكون الحوكمة ليست مجرد مجموعة من الإجراءات، بل هي تعكس أيضًا تزكية للنفس وحماية وصيانة للسمعة انطلاقا من بواعث النفس والضمير والوجدان.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال