الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا شك أن نظرية الدفع بعدم القابلية للاستنفاد التشريعي تُعد إحدى النظريات القانونية الهامة التي تهدف إلى حماية استقرار العقود الدولية الخاصة من تأثير التشريعات المحلية للدول التي تعمل العقود داخل نطاقها الجغرافي. ولذلك، تنطلق هذه النظرية – وإن كانت غير مفعّلة في جميع الدول – من مبدأ عدم جواز تطبيق القوانين المحلية الجديدة على عقود أبرمت مسبقًا إذا كان من شأن ذلك الإضرار بأحد أطراف العقد. إلا أن هذه النظرية تتميز بأنها تمنح الأطراف ضمانات قانونية تعزز استثماراتهم طويلة الأمد، خاصة في ظل تطور الأنظمة القانونية للدول. ومع ذلك، فإن هذه النظرية لا تُطبق بشكل صريح في الأنظمة القانونية الوطنية لدى الجميع، مما يفتح باب النقاش حول وجود مثيل لها في المملكة العربية السعودية ومدى إمكانية تضمينها ضمن الإطار التنظيمي الحالي، وأثر ذلك الإيجابي على الاقتصاد المحلي مع الأخذ بعين الاعتبار بعض السلبيات الناشئة عن هذه النظرية، ومنها تباطؤ حركة تطور الأنظمة المستمرة.
كما أن المملكة تسعى من خلال أنظمتها القانونية، مثل نظام الاستثمار الأجنبي ونظام الشركات، إلى تحقيق التوازن بين حماية حقوق الأطراف في التعاقد وتعزيز سيادة الدولة التشريعية. فعلى الرغم من عدم وجود نص قانوني يُكرّس النظرية، إلا أن العقود الدولية في السعودية يمكن أن تتضمن شروط الاستقرار التشريعي التي تضمن عدم خضوع العقد لتغييرات تشريعية تؤثر عليه جوهريًا في المستقبل أو تنظيم آلية تطبيق هذا العقد وانتقاله بين مرحلتي ما قبل التغييرات وما بعدها. إضافة إلى ذلك، فإن المحاكم السعودية تعتمد على مبدأ حرية التعاقد المنضبط بمراعاة الشريعة الإسلامية والنظام العام، وهذه هي الخصوصية التشريعية والتميز القانوني الذي يميز المملكة عن غيرها والذي يتوجب علينا المحافظة عليه، مما يوفر حماية ضمنية لأطراف التعاقد الدولي من التغيرات الجوهرية التي قد تطرأ عليه نتيجة هذه التغيرات التشريعية. ولهذا، فإن تطوير أدوات إضافية لدعم استقرار العقود يمكن أن يعزز بيئة الأعمال دون الحاجة إلى تغييرات جوهرية في المنهج التشريعي.
لذلك، فإن تحقيق التوازن بين استقرار العقود وسيادة الدولة يمكن تعزيزه من خلال عدة مقترحات، كتضمين بنود الاستقرار التشريعي بشكل منهجي في العقود الاستثمارية، مع تطوير نماذج قياسية لهذه البنود. إضافة إلى تعزيز آليات التحكيم الدولي والمحلي، وإنشاء مراكز متخصصة لحل النزاعات المتعلقة بالتغييرات التشريعية. كما أن تطوير المنصات الإلكترونية التي تتيح للمستثمرين متابعة التغيرات التشريعية بشكل استباقي يتيح لهم التكيف أو تعديل عقودهم وفق المستجدات. إلى جانب ذلك، يُمكن تقديم برامج توعية قانونية للمستثمرين والشركات حول أهمية الاستقرار التشريعي وآليات تضمينه في العقود، وإجراء دراسات تحليلية مستمرة لتقييم تأثير التغيرات التشريعية على العقود القائمة. ويُقترح أيضًا تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لتطوير حلول مبتكرة تضمن حماية الاستثمارات مع مراعاة تطور الأنظمة القانونية. وأخيرًا، يمكن إنشاء قاعدة بيانات مركزية تضم القوانين الجديدة مع إرشادات واضحة بشأن تأثيرها المحتمل على العقود.
ختامًا، يُمكن القول إن نظرية الدفع بعدم القابلية للاستنفاد ليست غريبة عن النظام القانوني في المملكة، وإن لم تُذكر بشكل صريح. ولذلك، من خلال تضمين بنود تعاقدية مدروسة وتفعيل المقترحات المذكورة أعلاه والاستفادة من الأنظمة الحديثة، يمكن تحقيق التأثيرات الإيجابية، مثل استقطاب المستثمرين وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، مع تقليل الآثار السلبية عبر تكييف التشريعات لتظل متوائمة مع المصالح الوطنية. ومن شأن ذلك أن يعزز من استقرار المملكة والعقود الدولية الخاصة المبرمة فيها، لتبقى وجهة استثمارية رائدة ومتوازنة، بما يرسخ مكانتها كمركز قانوني واقتصادي جاذب على المستويين الإقليمي والدولي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال