الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
إن الحديث عن مواليد التسعينات في المملكة العربية السعودية ليس مجرد استعراض لجيل وُلد بين زمنين، بل هو إبحار في رحلة تكوّنهم، رحلة ترعرعوا فيها في عالم يتغير بسرعة تفوق قدرة العقول على الاستيعاب، لقد جاء هؤلاء المواليد في لحظة فارقة من التاريخ، بين ماضٍ متمسك بتقاليده وجذوره، ومستقبل يركض نحو التحديث والتغيير.
جيل العبور: من الثبات إلى التحول
عاش مواليد التسعينات طفولتهم في ظلّ نمط اجتماعي محافظ، حيث كانت ملامح الحياة رتيبة ومستقرة، كانت المنازل تفتح أبوابها على أصوات الأحاديث العائلية والبرامج المحلية، وكانت الأحلام تُرسم على مقاسات محدودة، لكن هذا الثبات لم يدم طويلاً؛ إذ بدأت معالم التحول تظهر مع مطلع الألفية الجديدة.
انفجار الإنترنت، انتشار الهواتف المحمولة، والعولمة التي دقت أبواب البيوت دون استئذان، كلها عوامل دفعت هذا الجيل إلى منطقة رمادية بين الأصالة والحداثة.
موالد التسعينات عاشوا مراهقتهم في عصر الفضائيات، حيث دخلت إلى الوعي الجمعي مفاهيم جديدة، وأصبحت الخيارات أكثر تنوعًا، هذا الجيل هو أول من شهد اختراق التكنولوجيا الحديثة لكل زاوية من حياته، وكان عليه أن يتعامل مع ازدواجية ثقافية فرضتها المعاصرة من جهة، وتقاليد متجذرة من جهة أخرى.
العطالة.. أزمة جيل التحديات
ما يميز مواليد التسعينات عن الأجيال الأخرى في المملكة، هو مواجهتهم لنوع جديد من الأزمات وهو العطالة التي تأخذ بُعدًا أكثر تعقيدًا؛ فبينما كانت البطالة في العقود الماضية مشكلة اقتصادية تُعالج بفرص توظيف محدودة، أصبحت العطالة اليوم مرآة تعكس التحولات الهيكلية غير المنضبطة في سوق العمل.
لقد نما هؤلاء الشباب وهم يسعون لتحقيق “رؤية 2030”، التي فتحت آفاقًا غير مسبوقة أمام الشباب السعودي، ورفعت سقف الطموحات إلى عنان السماء، ومع ذلك، فإن الطريق إلى تحقيق هذه الرؤية لن يكون ممهدًا ولكننا بحول الله سنتغلب على كل التحديات والعقبات وسنصل إلى ما هو أبعد من ذلك؛ إن سوق العمل السعودي اليوم تغيّر جذريًا، فالمهارات المطلوبة لم تعد تقليدية، حيث أصبح الشاب السعودي مطالبًا بأن يكون مبتكرًا، مبادرًا، ومواكبًا للتقنيات الحديثة، في الوقت الذي يواجه فيه تحديات تتعلق بالتخصصات غير الملائمة، والبطء في استيعاب التغييرات المتسارعة والتوجه نحو التحول الاقتصادي والذي يحتاج قدرًا عاليًا من المرونة، لكن المثير للإعجاب، أن هذا الجيل لم يستسلم لهذه التحولات الجذرية العميقة، فمواليد التسعينات هم جيل المشاريع الصغيرة، والعمل الحر، والابتكار في الاقتصاد الرقمي، وهم من فتحوا المتاجر الإلكترونية وأسسوا الشركات الناشئة، وحاولوا مرارًا أن يصنعوا لأنفسهم مكانًا في عالم لا يعترف إلا بالمثابرين.
أعيش معكم كل لحظة
كأحد أبناء هذا الجيل، أستطيع القول إنني لا أكتب عن مواليد التسعينات كمراقب من الخارج، بل كجزء لا يتجزأ من هذه التجربة، لقد عشت مع هذا الجيل كل معاناته، وتجرعت معه مرارة التحديات، من صعوبة الحصول على وظيفة رغم توفر الشهادات والمهارات، والبحث الدائم والمستمر عن فرصة عمل تعطي للحياة معنى في خضم كل هذه التحولات الكبرى التي نواجهها، نحن جيل يسير على الحبل الرفيع بين إرثٍ ثقيل من العادات والتقاليد، وبين تطلعات مستقبلية تُلزمنا بالتغيير، لقد تعلمنا من التجارب التي مررنا بها أن نكون أقوى، وأن نستمد طاقتنا من إيماننا بأن الصعوبات ليست إلا وقودًا يوصلنا للنجاح.
بين التحدي والأمل
لا يمكن اختزال مسيرة حياة مواليد التسعينات في المملكة في قصة عطالة أو تحول اقتصادي فقط، فهذا الجيل يمثل طاقة متجددة، تحمل معها مزيجًا فريدًا من القيم الأصيلة والرؤية الطموحة للمستقبل المشرق؛ هم من أحيوا التراث الشعبي بشكلٍ معاصر، وكتبوا الشعر في زمن الرقمنة، وأعادوا تعريف الانتماء الوطني بأسلوبهم الخاص.
رسالة إلى مواليد التسعينات
يا جيل التسعينات العظيم، أنتم القوة الصامتة في مجتمعنا، الجيل الذي استطاع أن يقرأ الماضي بعينٍ ناقدة، وأن يحلم بمستقبل أكثر إشراقًا، أنتم الحالمون الذين حولوا أحلام الطفولة البسيطة إلى طموحات تسابق الزمن، والواقعيون الذين لم يرضوا بأن يكونوا مجرد شهود على التغيير، بل صُنّاعه الحقيقيون؛ لقد مررنا معًا نحن أبناء هذا الجيل بكل لحظات التحول، شعرنا بثقل التحديات على أكتافنا، وواجهنا عاصفة التغيرات بكل شجاعة وكانت هناك لحظاتُ شكٍ تراودنا؛ لكننا أدركنا أن الإيمان بأنفسنا هو ما يصنع الفرق، واليوم أدعوكم لأن تفتخروا بكونكم جيلًا يكتب التاريخ لا يقرأه فقط، لا تجعلوا المعاناة تُثنيكم، ولا تسمحوا لأي عثرة بأن تُطفئ شغفكم، أنتم من تعلم كيف يزرع الأمل في أرضٍ ظنها الجميع بأنها قاحلة، وأنتم من يدرك أن أعظم النجاحات تبدأ بخطوة صغيرة في اتجاه الحلم، فأنا مؤمن بأن أعظم انتصار للإنسان هو أن يخلق معنى من الفوضى، وأن يجد في التفاصيل الصغيرة ضوءًا يرشده، لأن القوة الحقيقية تكمن في إدراك أن الرحلة وليست الوجهة، هي من تصنع للإنسان القيمة؛ احملوا شعلة هذا العصر بكل ثقة، فأنتم الحاضر الذي يرسم المستقبل، والقوة التي ستعيد تعريف معنى الإنجاز، ولنتذكر دائمًا: نحن أبناء التسعينات، جيل التحديات والفرص، جيلٌ لن يكرره الزمن.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال